بقلم: د. أميرة النحال
أجرى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية زيارة للعاصمة الروسية "موسكو" السبت الماضي 10 سبتمبر/أيلول 2022، برفقة وفد من قيادة الحركة ضمّ معه نائب رئيس الحركة صالح العاروور ورئيس مكتب العلاقات الدولية موسى أبو مرزوق وعضو المكتب السياسي ماهر صلاح.
وقد إلتقى هنية وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وعدداً من المسؤولين الروس، بحث معهم بعض القضايا التي تخدم القضية الفلسطينية والمستجدات الدولية، وقد تكررت زيارة حماس لموسكو في الآونة الأخيرة لإجراء المُباحثات مع القادة الروس فيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية.
واللافت للانتباه في هذه الزيارة أنها جاءت بدعوة رسمية من الخارجية الروسية، كما ذكر المُتحدث باسم الحركة حازم قاسم في تصريح له إنّ "هذه الزيارة تأتي تلبيةً لدعوة رسمية من الخارجية الروسية" وهذا الأمر يعكس أهمية حماس كحركة تحرير وطني ومشروع منظم له أبعاده الاستراتيجية الواضحة والقائمة على الجهاد والمقاومة كحل وحيد للقضية الفلسطينية.
ولا يُستغرب من موسكو التي تمتاز بثقل دولي وسياسي ولها مكانتها العالمية بين الدول الكبرى، أن تُبادر للقاء حماس، ويرجع ذلك لما تشهده العلاقات الروسية الإسرائيلية من توتر كبير، وخاصة في الآونة الأخيرة بعد حرب روسيا وأوكرانيا.
استهجان موسكو لموقف الغرب الذي يتعامل بازدواجية في المعايير، من خلال عقابه لروسيا إقتصادياً ورياضياً وسياسياً، لعدوانها على أوكرانيا، في حين أنه يقف صامتاً إزاء الجرائم الصهيونية في فلسطين والتي تجاوز أكثر من سبع عقود من الإبادة والظلم والاغتصاب والقتل والتشريد والحصار.
وفي الوقت الذي يخوض فيه الاتحاد الأوروبي سجلاً طويلاً من العداء لحماس وتصنيف بريطانيا لها بشكل كامل كمنظمة إرهابية، لا تتوانى حماس من طرق كل الساحات لإقامة علاقات دبلوماسية تعرض خلالها رؤيتها وسياستها ومشروعها، وذلك لتهيئة الإقليم بكامله للمرحلة القادمة والحاسمة في تاريخ القضية الفلسطينية.
وقد أشار طاهر النونو المُستشار الإعلامي لرئيس حركة حماس أنه "تأتي هذه الزيارة في وقت شديد الأهمية على مستوى المنطقة والعالم، إذ يجري بحث المستجدات الدولية والمتغيرات المُتعلقة بالمنطقة وتأثيرها على القضية الفلسطينية".
موقف موسكو من العنجهية الصهيونية واضح وصريح، حيث تعتبر "إسرائيل" كيان مُحتل لفلسطين، وقد اتخذت إجراءات عملية في تصريح عدائها لـ "إسرائيل" من خلال إعلان نيتها إغلاق المكتب التمثيلي للوكالة اليهودية في روسيا، هذه الوكالة التي تُقدم الدعم والمساعدة لليهود المُهاجرين لـ "إسرائيل"، وهي بمثابة حلقة وصل بين الجاليات اليهودية في مُختلف الدول، هذا التصريح بدوره يجلب خسائر فادحة للكيان في عدة مجالات ( دبلوماسية، اجتماعية، سياسية، إقتصادية)، كما أن عواقبه ستكون مدمرة وله أبعاده.
وقد أوضح الكسندر كوزنيتسوفي -نائب رئيس مركز البحوث التطبيقية لقضايا الشرق الأوسط المعاصر- في حديث سابق له -للجزيرة نت- أن العلاقات بين البلدين دخلت في مُنعطف أزمة أكثر حدة بعد أن اتخذت حكومة نفتالي بينيت الصهيونية أبعاداً واضحة في وقوفها لجانب أوكرانيا ضد روسيا، وهو الموقف المُتناغم مع الولايات المُتحدة الأمريكية.
حماس بفضل دبلوماسيتها الحكيمة أثبتت وجودها القوي والمُؤثر محلياً ودولياً وإقليمياً واستطاعت عرض سياستها القائمة على مُقاومة المُحتل بكافة السبل، وبذل كافة الجهود الدبلوماسية والتحالفات المساندة لاستعادة الحقوق، وقد نجحت من خلال دبلوماسيتها من كسر الحصار السياسي المفروض عليها من قبل الاحتلال الصهيوني، والذي تمثل في زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية والرئيس السابق للمكتب خالد مشعل لعدة دول عربية وغير عربية ووزراء ونواب وقيادات وشخصيات، وإطلاعهم على مواقف الحركة وسياستها ومطالبها العادلة تجاه القضية الفلسطينية وتعرية الاحتلال الصهيوني، وقد سجّلت هذه الدبلوماسية نجاحاً كبيراً تمثّل في الطلب الرسمي الأخير لموسكو للقاء حماس في أراضيها.