كشف اللواء محمد الداية، المرافق الشخصي للرئيس الراحل ياسر عرفات، عن تفاصيل أيامه الأخيرة في العمل مع الرئيس.
وقال الداية في لقاءٍ صحفي، أجراه الصحفي أحمد سعيد ونشره عبر حسابه على "فيسبوك" اليوم السبت 12/11/2022، إنه في الثالث والعشرين من نوفمبر عام 2001، سافر أبو عمار إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان آخر سفر له، فقام بتوديعه على باب الهليكوبتر الموجود حالياً بمقر المقاطعة في رام الله واستأذنه للمغادرة إلى الأردن لإجراء عملية جراحية في الأذن.
وأضاف: بينما كنتُ متواجداً في العاصمة الأردنية عمان، اتصل بي "جماعة" وأخبروني بضرورة العودة إلى غزة، دون ابلاغي بمزيد من التفاصيل.
وأشار اللواء الداية إلى أن أبو عمار كان محكومًا وليس حاكمًا في تلك الفترة، قائلا "كان في حواليه شلة حاولوا يديروه زي ما بدهم".
وتابع: أنا أُبعدت بشكل إجباري إلى غزة ومقدرتش أرجع، ونجحت في 2003 بالعودة إلى الأردن، وخلال تواجدي في عمان علم أبو عمار بأخباري وبعدها اتصل عليّ اللواء محمود حمدان أبو عدوي، وخلال الحديث طلبت منه لقاء أبو عمار، وسألته، ليش هيك بصير؟.
وواصل: أبو عمار أخبر أبو عدوي، بأنني يجب أن أحضر فوراً إلى رام الله، لكن بعد 3 ساعات، اتصل عليّ أبو عدوي وحكالي مشان الله ما تيجي، روح على مصر بعدها على غزة، خليني أحل الموضوع بطريقتي.
قلتله حاضر ولا يهمك، أنا هروح على غزة، وإللي بدك إياه بصير، صار الزلمة يتوسل مني أرجع على غزة.
وأشار الداية إلى أنه رفض الانصياع قائلا "سافرت إلى رام الله، بدون علم أحد، لكن عندما وصلت الأراضي الفلسطينية، علمت الجماعة الأمنية بذلك.. ( ) ما شاء الله عنهم عندهم أمن قومي.
وأشار إلى أن هذه الجماعة حاولت معرفة من أخبر أبو عمار بأن محمد الداية يريد أن يقابله، فقاموا بالتفتيش واكتشفوا أن أبو عدوي كان آخر من تواصل مع عرفات.
وتابع: اتصلوا على أبو عدوي، وحكوله زي ما أجا على رام الله، بدك ترجّعه على غزة، وإلا مش هتشوف أبو عمار في حياتك، "والله يشهد على كلامي".
وعن هوية الأشخاص الذين طالبوا أبو عدوي بإجبار الداية على عودته لغزة، قال مرافق عرفات: أول واحد اسمه يوسف عبد الله قائد الحرس والآخر اسمه وفايز سكرتير في مكتب الرئيس.
ويُكمل الداية: "أبو عدوي اتصل بعدها بي كثير وأنا برام الله، وترجاني أروِّح ، وقلي بيتي هيخرب".
وواصل: رحت أحلّق وأزبط أموري، قبل يوم من شوفتي لأبو عمار، وكانت الدنيا رمضان وكنت مروح من صلاة التراويح بشهر 11، بعتولي 12 ملثم عند الحلاق في الساعة 12 الليل، طخّوا عليا في المحل لتخويفي ودفعي للهرب من رام الله.
وتابع: رشّوا عليّ الغاز وخزّوني بالسكاكين، ووقّعوني على الأرض، وضربوني بالكلشنات، وكادت رصاصة طائشة أن تُنهي حياتي، ونقلوني الناس بعدها الى المستشفى، مردفاً " لو متت لقالوا عني .. جاسوس وقتلناه".
وأكمل: خلال علاجي بالمستشفى، وصلتلي رسالة من عباس زكي، مفادها "بلغوا محمد يغادر رام الله فوراً لأنه هدول الجماعة هيقتلوه، والأخ أبو عمار محاصر من الداخل قبل الاحتلال".
وأضاف: روحي فتوح اتصل بأبو عمار وقله محمد الداية تعرض لمحاولة اغتيال، فأبو عمار بعتلي ناس عالمستشفى وسألوني شو مالي، الجماعة هدولا طلبوا مني إني أقول إنه الموساد من أطلق النار عليا، قلتلهم لا مش من الموساد، إلي عمل معي هيك يوسف عبد الله وفايز.
وأوضح أن النيابة العامة أمرت بإلقاء القبض على فايز وشخص اسمه إبراهيم العجوري، أما يوسف عبد الله هرب برا البلد.
واستكمل قائلا: الاثنان اعترفا خلال إفادتهما بأنني غبت عن أبو عمار لأسباب شخصية، وإنني كنت وفيّ ومُخلص لأبو عمار، وقاما فيما بعد بالاعتذار لي على الصُحف، واعترفوا على يوسف بشكل غير مباشر، حيث قالوا أن الاعتداء حدث بمساهمة من شخص يكن للداية بالبغضاء، مردفاً " الصحافة خافت من كتابة اسمه خوفًا من محاكمتهم".
وقال الداية إنه لأول مرة يُصّرح بهذه المعلومات، إذ وافق على القول بأن الموساد هم من أطلقوا النار عليه وعاد إلى مكتب الرئيس، واكتشف أن شخصًا كان شاهدًا على حادثة الاعتداء عليه، قد أخبر أبو عمار بالرواية الحقيقية.
وأضاف: اكتشفت بعدها أن جماعة معينة اقتادوا هذا الشخص إلى غرفة فايز ويوسف، وأجبروه بأن يقول لأبو عمار إنهم أطلقوا النار عليه بسبب قصة "نسوان".
وواصل: قعدت في بيت أبو يوسف الطنيطي وابتعدت عن عيون هالجماعة، لكن سرعان ما اتصلوا عليّ وهددوني " إن ما تسكت، انت وجماعتك هنكمل عليكم".
وبيّن "أنا شخص معنديش جماعة، كنت لحالي ومعنديش أهل، أنا فلسطيني وكل أهلي خارج الوطن، كل الشعب الفلسطيني هم أهلي ووقفوا معي وساندوني".
وأكمل: على الساعة 3 الصبح، الأخ أبو يوسف الطنيطي رجع من عند أبو عمار وقلي ببلغك الرئيس، إنه فوراً سافر لعمان، هيقتلوك، مشدداً "أبو عمار مقدرش يحميني ولا يجيبني عنده".
وأوضح: كان إبعادي عن أبو عمار يحدث بطريقة غريبة، لم يُبلغني أحد أنني مُقال، كان في كثير شغلات خاصة لأبو عمار، ما كان بسمح لحد يعملها غيري، وكان يعتبرني ابناً له منذ الطفولة".
ويُضيف الداية الذي يُوصف بـ "الابن البار" للرئيس الراحل: لم أكن أنا الوحيد المستبعد من التواجد حول عرفات، فكان هناك عدنان السعدي قائد الحرس، وأصبح يوسف عبد الله بديلاً عنه.
وكان هناك أيضاً المناضل الوطني أحمد جميل ، واللواء نضال أبو دخان قائد قوات الأمن الوطني، ومحمد أبو سمرة، وخلدون الذي توفي فيما بعد بسكتة قلبية في غزة، والمناضل مصباح البحيصي.
وشدد الداية على أن "يوسف عبد الله" قائد الحرس، هو من يقف وراء كل هذه التداعيات، وهو من كان يملك المال بحكم أنه كان المسؤول عن المال الذي كان بحوزة أبو عمار وكان مسؤولاً عن توزيع الرواتب على الحرس"، مردفاً "هو من ملك القرار وكان يصدر قرارات بدون العودة لأبو عمار".
وأوضح أن عرفات كان يعتبر هذه الأمور عبارة فقط عن مناكفات سطحية، وكان باله مشغولاً في فك الحصار عنه والتفريج عن هموم شعبه الفلسطيني.
وأكمل: أبو عمار ما كان يهتم كثيراً بالأمن الشخصي له، وكان يأكل الطعام بدون التأكد من سلامته، وكان رجلاً مؤمناً جداً ويعتبر أن الموت هو شهادة في سبيل الله، وكان هو من يحرسنا وقت النوم، وكان يتعامل معنا كعائلة وكان أكله بسيط.
كثيراً ما كان يرفض يلبس السترة الواقية، وقال لنا كثيراً لا ألبس الواقي أمام شعبي، وهو لم يشك يوماً في أن أي فلسطيني قد يسممه في يومٍ ما.
يُذكر أن الداية قد عمل لعشرات السنوات مرافقاً خاصاً للرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي كان يعتبره وفق مقربون بـ "الابن البار لعرفات"، والذي كان يرافق عرفات أينما حل وارتحل، ولا تخلو صورة لعرفات من وجود الداية الذي كان يلازمه على الدوام.
وكان عرفات قد عيّن الداية مرفقاً شخصياً له، عقب استشهاد والده يوسف الداية حيث كان مرافقاً خاصاً لعرفات، واستشهد نتيجة قصف طائرات الاحتلال منزل أبو عمار في تونس بحمام الشط، وكان حينها محمد الداية يدرس في ألمانيا، فقطع دراسته وعاد لأسرته عقب استشهاد والده، وحينها عينه أبو عمار مرافقاً شخصياً له خلفاً لوالده.
وأُبعد محمد الداية عن أبو عمار قبل عام ونيف من اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وكانت قد حصلت وكالة "شهاب" للأنباء على نُسخ من محاضر التحقيق مع شخصيات رفيعة في السلطة الفلسطينية في ملف اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وتكشف الوثائق، تفاصيل ما تحدثت به قيادات من السلطة وحركة فتح للجنة التحقيق التي تم تشكيلها برئاسة اللواء توفيق الطيراوي في أكتوبر 2010، وكشفت الوثائق المسربة عن تورط قيادات لازالت قائمة على عملها في قضية اغتيال عرفات.
وكان الطيراوي، قد أصدر بتاريخ 1 نوفمبر/تشرين ثاني 2022 بيانًا أكد فيه أن وثائق تحقيق تتعلق بوفاة عرفات "تمت قرصنتها وتسريبها".
وتُوفي ياسر عرفات "أبو عمار" في مشفى باريس العسكري في 11 نوفمبر 2004 بعد فترة من الحصار الإسرائيلي له في مقر المقاطعة برام الله وسط الضفة الغربية.