قائمة الموقع

تقرير شبح الهدم والتهجير ينهش في جسد القدس

2022-11-19T12:29:00+02:00
جرافات الاحتلال تهدم منزل فلسطيني - تعبيرية -
شهاب

شهاب – تقرير خاص

تسعى حكومة الاحتلال حثيثًا لتقليل أعداد الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة، وتحقيق غلبة سكانية يهودية، عبر سلسلة من السياسات والمشاريع التهويدية والاستيطانية ولعل سياسة هدم المنازل تتربع في مقدمة سياسات الاحتلال الرامية لذلك؛ ووفق الاحصائيات تصاعدت عمليات هدم منازل المقدسيين في السنوات الماضية، حيث تحولت سياسة الهدم لإجراء عقابي يستهدف العائلات المقدسية خاصة تلك الفاعلة في القضايا الوطنية كعوائل منفذي العمليات وعوائل المرابطين والمدافعين عن المسجد الأقصى وحراسه، ولكسر صمود المقدسي وزيادة التضييق عليه أجبرت سلطات الاحتلال مئات المقدسيين على هدم منازلهم ذاتياً، فلماذا يلجأ المقدسي إلى هذا الخيار، وما هو هدف الاحتلال من زيادة تطبيق هذا "العقاب" خلال الأشهر الأخيرة؟

جريمة صارخة

وفق تقرير صادر عن مركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية في القدس فإن الهدم الذاتي يعتبر جريمة صارخة من الجرائم الاحتلالية، وهي غير مسبوقة منذ نشأة الخليقة حتى القرن الحادي والعشرين.

ويعرف التقرير الهدم الذاتي أنه إجبار صاحب المنشأة على تنفيذ عملية هدم مسكنه أو منشأته بنفسه بصمت، وبالتالي إبعاد المسؤولية عن الاحتلال، ويستهدف هذا النوع من الهدم أهالي مدينة القدس المحتلة على وجه الخصوص، ويعتبر من الخروقات الصارخة للحق في السكن، وجريمة بحق الإنسانية لا يقبلها أي منطق. فذريعة الاحتلال بإصدار هذه القرارات تتمثل بـ "البناء بدون ترخيص".

وينص الإخطار الذي يتسلمه صاحب المنزل المستهدف على "بيتك قائم بدون ترخيص فهو غير قانوني، وعليك هدمه وإزالته في أقرب فرصة، وأن تقوم بتصوير البناء بعد هدمه ... وفي تاريخ تحدده البلدية لاحقاً ستنعقد محكمة للنظر في عدم تنفيذك قرار الهدم، وستفرض عليك غرامة مالية، وستقوم البلدية بهدم وإزالة بيتك على نفقتك أي أنك ستدفع كافة تكاليف تنفيذ قرار الهدم وإذا لم تدفع ستُسجن إلى حين دفع كل ما هو مطلوب منك".

يذكر التقرير أن سلطات الاحتلال تتذرع بذرائع مختلفة لهدم المنازل في القدس، كالهدم العسكري الذي يقوم به جيش الاحتلال "لدواعٍ عسكرية، ويُبرره في إطار "أهدافٍ عسكرية قانونية"، والهدم العقابي الذي يستهدف عائلات الشهداء والأسرى منفذي العمليات، وذلك ضمن عقابٍ جماعي على هذه الأسر، ولعل الإجراء الأكثر انتشاراً في مدينة القدس هو ما يعرف بالهدم الإداري والذي يأتي بذريعة البناء من دون ترخيص.

معاناة مضاعفة

ويقول المختص المقدسي فخري أبو دياب لوكالة شهاب، إنه رغم أن الهدم الذاتي هو معاناة مضاعفة إلا أن المواطن المقدسي يلجأ لذلك لعدة اعتبارات أولها تجنب الغرامات والمخالفات المالية الباهظة التي تفرضها عليه بلدية الاحتلال في حالة اقدامها على هدم المنزل باستخدام جرافاتها وطواقمها الميدانية.

إضافة الى أن بلدية الاحتلال عندما تشرع بهدم منزل في القدس فانها تفتح ضد صاحب المنزل ملفاً جنائياً يبقى مفتوحاً لأجل غير مسمى فيصبح مالك المنزل "مجرماً" كونه تعدى على قانون البناء والتنظيم الإسرائيلي، وعليه قد يحرم من عدة حقوق أساسية كالعمل على سبيل المثال؛ فيما لا يتم فتح هذا الملف في حالة الهدم الذاتي، وفق " أبو دياب".

ومن الأسباب التي تدفع المقدسي للقبول بهدم منزله ذاتياً أن المنزل أو الجزء الواقع عليه أمر الهدم قد يكون في طابق علوي أو ملاصق لمنازل قديمة أو واقع في منطقة ضيقة ما يعني أن دخول جرافات الاحتلال للمكان قد تسبب ضرر أكبر على المنازل والطرقات والأسوار في محيط المنزل، كما أن جرافات الاحتلال قد تهدم أجزاء أكبر من تلك الواقع عليها أمر الهدم؛ ناهيك على تجنب خسائر أخرى خلال الهدم الذاتي حيث يتمكن صاحب المنزل من إفراغ منزله بشكل كامل في حين أن جرافات الاحتلال لا تمهل المقدسي إفراغ المنزل أو إخراج أي شيء من داخله.

ويوضح أبو دياب في حديثة لشهاب أن بلدية الاحتلال تسعى عبر الهدم الذاتي لكسر شوكة المقدسيين، كما أنها تستغل صورة الهدم الذاتي لتصدير رواية للمجتمع الدولي بأن صاحب المنزل الذي يهدم ذاتياً كان قد انتهك القانون واعترف بعد ذلك بهذا الانتهاك وبالتالي أقدم على هدم منزله بيده فلو كان محقاً لما استجاب لذلك.

كما تحاول بلدية الاحتلال تجنب الصورة الاعلامية التي تصدر بعد كل عملية هدم بالجرافات ومحاصرة المنزل والمنطقة وما يتبعها من ردات فعل من أصحاب المنزل والشارع المقدسي ووقوع مواجهات، لأن تلك الصورة ، حسب أبو دياب، قد تحرج الاحتلال في المحافل الدولية خاصة أن عمليات الهدم في جلها لا تتوافق مع المواثيق والمعاهدات الدولية.

ويلفت أبو دياب أن الميزانية السنوية التي تنفقها بلدية الاحتلال على هدم المنشآت في القدس تقارب 3.5 مليون شيكل، ولا تستطيع "البلدية" استرداد سوى 10-11% من المبلغ رغم الغرامات والمخالفات التي تفرضها على المقدسي وبالتالي يصبح الهدم بالنسبة لها عبء مالي، خاصة في ظل التزايد الكبير في عدد المنازل غير القانونية حسب تصنيف بلدية الاحتلال، التي لا يمكنها هدم سوى 180 سنوياً وفق الميزانيات المرصودة لذلك؛ فيأتي الهدم الذاتي ليساعد البلدية بشكل غير مباشر على هدم منازل بعدد أكبر؛ بمعنى أنه لو تم هدم 150 منزل ذاتياً ستتمكن بلدية الاحتلال من هدم 150 منزل آخر وبالتالي التخلص من 300 منزل غير قانوني حسب نظر الاحتلال.

وأشاد أبو دياب بموقف عشائر السواحرة الصادر نهاية العام الماضي والذي أوقف كل عمليات الهدم الذاتي في تلك المناطق داعياً الى الاستفادة من تلك التجربة وتعميمها على باقي المناطق والأحياء المقدسية الأخرى.

ضائقة سكنية مقصودة

وكوّن الحجة والذريعة الاحتلالية الأبرز للهدم في القدس تتمثل في البناء غير المرخص، علّق خبير التخطيط الحضري راسم خمايسي على أن تصاعد عمليات الهدم في القدس أدت الى مشكلة كبيرة في البيئة الحضرية للمدينة وخلقت ضائقة سكنية مقصودة من قبل حكومة الاحتلال.

ويضيف خمايسي لوكالة شهاب أن الاحتلال يتحفظ ويمنع توسعت الأراضي المخصصة للبناء والتطوير داخل القدس لاعتبارات عدة على رأسها الاعتبار الديمغرافي، لافتاً إلى أن هذه المشكلة بدأت بعد حرب 1967 حيث صادر الاحتلال 87%‎ من الأراضي في القدس وصنفها إلى أراضٍ خضراء يمنع البناء فيها وأراضٍ للمنفعة والخدمات العامة في حين الجزء الأكبر خُصص لبناء المستوطنات، موضحًا أن مساحة الأرض التي يمكن البناء فيها بالجزء الشرقي من المدينة لا تتعدى 10 ألاف دونمًا.

والأرض التي يمكن البناء فيها لا يشترط أن تكون أرضًا متاحة لإصدار رخصة بناء عليها، فهناك فرق، حسب "خمايسي" بين الأرض التي يمكن إعداد مخطط تفصيلي وتسوية لها وبين الأرض المتاحة للسكن، حيث تمنع بلدية الاحتلال إصدار رخص بناء لكل من لا يملك (كوشان طابو) للأرض، رغم أن الذي يصدر كوشان الطابو هي حكومة الاحتلال ذاتها التي تسعى إلى شرذمة الملكيات وزيادة أزمة السكن والبناء في القدس.

ويضيف خمايسي لـ شهاب أن المشكلة الأخرى التي تواجه المقدسي هي التكلفة العالية للحصول على ترخيص بناء، حيث قد تزيد تكلفة رخصة البناء عن 60 ألف دولار كما قد يستغرق اصدار رخصة البناء ما يقارب 7-10 سنوات بسبب المتطلبات الكثيرة والشروط التعجيزية التي تفرضها بلدية الاحتلال واللجنة اللوائية التابعة لها؛ ما يعني محدودية إمكانية الحصول على رخصة بناء.

ويرى " خمايسي" أن من يستطيع حل مشكلة الهدم والبناء في القدس هي بلدية الاحتلال ذاتها والتي تستخدم رخص البناء وتسوية الأراضي كمصيدة للسيطرة على المواطن المقدسي وتطويعه؛ مشدداً على أن بلدية الاحتلال غير معنية بالحل لأسباب جيوسياسية وديمغرافية.

اخبار ذات صلة