لماذا تعتبر أوروبا الأوكرانيين ضحايا وتتجاهل معاناة الفلسطينيين؟ سؤال جدده تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي"، وحاول البحث عن إجابات مقنعة جديدة له.
التقرير، الذي كتبه كل من إيلينا عون، وجيريمي ديودون، خلص إلى سببين وراء هذه الازدواجية الأوروبية، الأول يتعلق بالمصالح العقلانية مع الكيان الإسرائيلي كـ "دولة متطورة" تكنولوجيا واقتصاديا ومنسجمة مع المنظومة الغربية، أما الثاني فيتعلق بنظرة القارة العجوز للشرق، والتي لا تزال تحركها عدسات استعمارية، ومن ثم اعتبار ما يقوم به الكيان الإسرائيلي شكلا من أشكال الهيمنة الغربية المقبولة تجاه الشرق التابع.
واستدل التقرير على الازدواجية الأوروبية برد فعل الاتحاد الأوروبي على المجزرة الإسرائيلية التي وقعت في مخيم جنين يوم 26 يناير/كانون الثاني الماضي، والتي أسفرت عن استشهاد 9 فلسطينيين وإصابة العشرات، حيث تجاهل الأمر، لكنه بادر باستنكار العملية التي شنها فلسطيني بعد ذلك بساعات على مستوطنين إسرائيليين، وأدت لمقتل 7 منهم، حيث قال عبر مبعوثه السامي إنه "مرعوب" من هذه "الهجمات المخيفة"، وأدان بشدة هذه "أعمال العنف والكراهية التي لا معنى لها"، حسب قوله.
وبينما أقر الممثل السامي الأوروبي باستشهاد 30 فلسطينيًا على يد الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية عام 2023 فقط، شدد مع ذلك على أن الاتحاد الأوروبي "يعترف تمامًا بمخاوف الكيان الإسرائيلي الأمنية المشروعة، كما يتضح من الهجمات الأخيرة"، ودعا فقط إلى استخدام القوة المميتة كخيار أخير.
ويعتبر التقرير أن رد الفعل الأوروبي هذا يعكس استمرار "النظرة الاستشراقية" (في إشارة إلى المفهوم الذي وضعه إدوارد سعيد، أستاذ الأدب المقارن من أصل فلسطيني)، وهي النظرة لا تزال الدول الأوروبية تتبناها في الشرق الأوسط وصراعاته.
ويضيف أنه على مر السنين، ارتفعت الأصوات لتنبيه الدبلوماسيين الغربيين ووسائل الإعلام الأوروبية إلى محنة الفلسطينيين والعدوان الذي يواجهونه، ووثقت عدة تقارير ممارسات إسرائيلية تشكل جرائم واضطهاد ضد الفلسطينيين، بما في ذلك منظمة "بتسيلم"، وهي منظمة غير حكومية، ولكن دون وجود رد فعل أوروبي حقيقي.
وبحسب "ميدل إيست آي"، يمكن تفسير "عمى" الدول الأوروبية عن المحنة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي من خلال منظورين: الأول "تقارب المصالح العقلانية"، والثاني "قبول الرواية الإسرائيلية بعيون استشراقية".
ويرى التقرير أن هناك "مصالح عقلانية" تدفع الدول الأوروبية إلى تجاهل انتهاك الكيان الإسرائيلي الهيكلي للقانون الدولي، ف(إسرائيل) ليست فقط متطورة للغاية، ومندمجة بشكل جيد في العولمة الاقتصادية والمالية، ولكنها أيضًا متقدمة جدًا، لا سيما في مجالات التكنولوجيا العالية المتعلقة بصناعات الدفاع والمراقبة.
كما تمكنت من الاستفادة القصوى من تجربتها في قمع المقاومة الفلسطينية، والتي تعتبرها مكافحة للإرهاب، في وقت كانت الهجمات تستهدف عدة دول أوروبية.
وعزز اكتشاف موارد الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط وقدرة الكيان الإسرائيلي على تأكيد نفسها كجهة رائدة في الاستجابة لوباء "Covid-19" مكانتها الدولية.
بعبارة أخرى، ينتمي الكيان الإسرائيلي إلى نفس نادي البلدان المتقدمة والثرية، وتحظى التجارة والتبادلات والتعاون معها بتقدير كبير.
لذلك، فإن الدول الأوروبية تواصل قراءة الوضع في فلسطين من خلال الرواية الإسرائيلية التي طالما بررت ذلك على أنه نتيجة "للإرهاب الفلسطيني"، حسب ادعائها.
وتقول الصحيفة انه وعلى الرغم من أن عمليات التفجير الفلسطينية أصبحت نادرة أو معدومة، فإن العمليات بالسكاكين أو إطلاق النار أو الدهس بالسيارات أو الصواريخ لا ينظر إليها من قبل الرأي العام الغربي على أنها وسيلة للضعيف ضد القوي، بل وسيلة البرابرة ضد المتحضر، على حد ادعائها.
جولي إليوت تقارن بين غزو أوكرانيا واحتلال فلسطين
في كتابه "الاستشراق" عام 1979، قام إدوارد سعيد، أستاذ الأدب المقارن من أصل فلسطيني، بتفكيك رؤى "الشرق" التي تتبناها القوى الاستعمارية والأجهزة الدبلوماسية المعاصرة التي ورثتها.
ويجادل سعيد بقوة بأن هذه الديناميكيات تشكلت من خلال الاستشراق، الذي يقوم على افتراض التفوق الغربي المادي والمعنوي الذي يتغذى على التقليل من قيمة المجتمعات والثقافات الشرقية.
ومن هذا التفوق ينبع إضفاء الشرعية على الممارسات الاستعمارية ثم المهيمنة للقوى الغربية فيما يتعلق بشرق أقيم باعتباره تابعًا سياسيًا وثقافيًا "الآخر".
واعتبر التقرير أن ولادة الكيان الإسرائيلي تاريخيا على يد يهود أوروبا ونجاحاته العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية المدعومة بالمعرفة والوسائل الغربية، بفضل اندماجه الوثيق في شبكات الاقتصاد المعولم وشبكات إنتاج المعرفة، عززت هذا التصور.
وبفضل ديناميكيات تحديد الهوية هذه، يتمتع الكيان الإسرائيلي بدعم غربي لا يتزعزع.
وفي هذه الأثناء، لم ينجح الفلسطينيون في الظهور على أنهم أي شيء آخر غير شعب مغلق أمام أي تسوية، راديكالي وعنيف في مطالبه وممارساته.
ويقول التقرير إنه على عكس الأوكرانيين، المعترف بهم على أنهم ينتمون إلى "الذات" الأوروبية، يظل الفلسطينيون خاضعين لصور مخالفة، على الرغم مما يعانونه على أيدي الاحتلال العسكري الإسرائيلي والمشروع الاستعماري.
ويختم التقرير بالقول إن هذه الدبلوماسية الأوروبية تساهم في تعزيز السياسات القمعية والاستعمارية للحكومات الإسرائيلية المتزايدة التطرف، وبالتالي في إدامة الصراع واستياء العديد من سكان الشرق الأوسط ضدهم.