يوافق اليوم الذكرى العاشرة لرحيل القيادية في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني المربية مريم فرحات "أم نضال" التي توجت بأم الشهداء و"خنساء فلسطين" لتضحياتها الكبيرة، وتقديمها لثلاثة من أبنائها شهداء.
وأولت حركة حماس أهمية كبيرة للعمل النسائي داخل الحركة في جميع مجالات العمل الاجتماعية والخيرية والدعوية والتربوية والسياسية والأمنية، فشغلت النساء مناصب مُتقدمة في حماس، وتركت بصمات واضحة في تاريخ قضيتنا الوطنية.
وتبوأت بذلك المرأة الفلسطينية مواقع ومناصب مهمة، وغدت نموذجا ملهما لشعبنا الفلسطيني، وليس أدل على ذلك من انتخاب الأستاذة جميلة الشنطي عضوا في المكتب السياسي لحركة حماس.
فرحات، والشنطي، وغيرهن الكثير شكلن أيقونة للمرأة الفلسطينية، وغدون نماذج قوة ملهمة في شعبنا الفلسطيني الذي يخوض معركة مفتوحة مع الاحتلال الصهيوني لن تنتهي إلا بدحره عن أرضنا الفلسطينية.
ميلاد مربية
ولدت مريم محمد محيسن "فرحات"، الشهيرة بأم نضال فرحات بعد عام من النكبة، في 24 ديسمبر من عام 1949 لأسرة بسيطة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة ، تفوقت فرحات في دراستها حتى تزوجت وهي في بداية الثانوية العامة.
لم يمنعها الزواج من إكمال دراستها، فواصلت مسيرتها التعليمية، وقدمت امتحانات الثانوية وهي حامل بمولودها الأول، وحصلت على 80%، وأنجبت 6 من البنين و4 من البنات.
حاضنة المقاومين
شكلت "أم نضال" حاضنة حقيقية للفعل الفلسطيني المقاوم على مدار الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وكان بيتها مأوى للمجاهدين، والذي تحول إلى غرفة عمليات ينطلق منه القائد في كتائب القسام عماد عقل لتنفيذ عملياته العسكرية ضد الاحتلال، فيقتل ويصيب ويبث الرعب في قلوب جنود وقادة الاحتلال، ثم يعود إلى منزلها ليلتجئ فيه إلى أن استشهد داخله في نوفمبر 1993.
لم يتوقف دور أم نضال الجهادي عند هذا الحد، بل ربّت أبناءها الستة على حب الجهاد في سبيل الله، فانضموا جميعًا إلى كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
شهادة الأبناء
كان نصيب أم نضال فرحات من التضحية كبيراً، فقدمت ثلاثة من أبنائها شهداء على طريق الحرية "نضال، ومحمد، ورواد"، ولا تزال صورتها الأشهر في لحظة فارقة في حياتها عالقة في أذهان الفلسطينيين والعرب، يوم ظهرت في شريط فيديو مصور كأول أم فلسطينية وهي تودع ابنها الاستشهادي محمد لتنفيذ عملية داخل مغتصبة "عتصمونا" عاما 2002م، ظهرت وهي تودع بقلب راضٍ ونفس مطمئنة.
لم يكن قد مرّ على استشهاد نجلها محمد سوى عام واحد، حتى استشهد نجلها البكر "نضال" عام 2003، وهو أحد أبرز قادة كتائب القسام، وأحد المهندسين الأوائل الذين كان لهم الفضل في تصنيع صواريخ القسام، وبعد عامين من استشهاد نضال، قدمت أم نضال نجلها الثالث "رواد" بعد قصف الاحتلال سيارته في قطاع غزة عام 2005.
وكان لمرارة الأسر فصل من فصول حياتها، فقد قضى ولدها الرابع وسام 11 عاما في سجون الاحتلال الصهيوني، كما دمرت طائرات الاحتلال بيتها أربع مرات.
في كل الميادين
لم تترك خنساء فلسطين ميدانا يحقق غايتها في تحرير فلسطين إلا بذلت نفسها فيه، فإلى جانب تضحياتها الجسام شاركت في معترك الحياة السياسية، وقدمت مثالًا ملهمًا للمرأة الفلسطينية المتمسكة بحقوق شعبها وثوابته، فخاضت التجربة البرلمانية ضمن قائمة حركة حماس للمجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، وسافرت ضمن وفود الحركة إلى بعض الدول، حاملة همّ شعبها وأمتها وقضيتها.
وشغلت "أم نضال" العديد من المواقع، منها: رئيس "جمعية الشموع المضيئة"، وعضواً بلجنة التربية في كتلة التغيير والإصلاح، وشاركت في العديد من الندوات الاحتفالات والمهرجانات الإسلامية.
بذلت خنساء فلسطين وقتها ومالها وأبناءها في سبيل الله، وواصلت طريقها حتى توفاها الله بعد صراع مع المرض في السابع عشر من مارس عام 2013م، بعد رحلة جهاد وتضحية ممتدة، لتمثل نموذجا في البذل والعطاء والتضحية قل نظيره.
ولم تتوقف المرأة الفلسطينية، فأصحبت نموذجاً للفخر والاعتزاز في تقديم فلذات أكبادهن للشهادة، ومن بعد أم نضال واصلت النساء الفلسطينيات تقديم فلذات أكبادهن شهداء وجرحى وأسرى، فمنهن من قدمن أكثر من ثلاثة شهداء، ومنهن أكثر، وشعارهن "أملي أن يرضى الله عني"، وأن التقي مع أولادي في الجنان على حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.