لا تزال تسيطر أجواء الاستنفار، في مدينة جنين ومخيمها، في ظل استمرار عمليات الاحتلال ومجازره التي تقودها وتنفذها وحدات المستعربين الخاصة منذ مطلع العام الجاري، والذي أصبح يرمز و يعتبر بالنسبة لهم بأنه "أسود" ورمز "للدماء والعدوان والمجازر".
وبعد جريمة الاغتيال الأخيرة في جنين، ارتفع عدد شهداء المحافظة لـ 35 شهيدًا، بينهم مسنة وأطفال.
الزمان والمكان..
الوحدات الخاصة، حددت المكان والزمان، وعندما بلغت عقارب الساعة الثانية والربع، بعد ظهيرة الخميس الموافق 16-3-2023، نفذت وحدات المستعربين عمليتها الجديدة، واختارت على غير العادة ومع تكرار فشل عملياتها الليلية والصباحية، وقت الذروة في اليوم المميز في نهاية الأسبوع والذي لا يتوقعه مواطن عادي أو مقاوم، حيث تشهد جنين حركة واسعة وكبيرة وازدحام بشري ومروري لاستعداد الجميع لنهاية الاسبوع وعطلة الجمعة، كما اختارت أكثر أماكن المدينة حيوية، منطقة الوسط في التقاطع الرابط بين شارع أبو بكر ودوار الشهيد يحيى عياش، ولم تراعِ وجود مئات المدنيين في تجمع تجاري كبير، والذين ظهروا بشكل واضح في مقاطع الفيديو التي وثقها نشطاء ونشرت بعد الجريمة، وكان من ضحاياها الطفل عمر محمد عوادين 13 عاماً.
في ذلك اليوم وصل المقاومان نضال أمين خازم، ويوسف صالح شريم من مخيم جنين، لصالون حلاقة وسط المدينة، وبعد إتمام حلاقتهما، استقلا الدراجة النارية التي يملكها وقادها خازم، وانطلقا في طريق العودة للمخيم، لكن لم يعلما أن خمسة من المستعربين بالزي المدني كانوا يتولون المتابعة ورصد تحركاتهما بواسطة سيارة محلية، فوقعا في الكمين المحكم وحاصرهما الرصاص من كل صوب وحدب.
وروى شهود عيان لصحيفة "القدس"، أنه خلال مرور الدراجة من أمام عمارة "النمر مول"، سمعوا صوت اطلاق نار، وسرعان ما ظهر المستعربين في المكان مدججين بالسلاح بشكل رهيب وسريع وخاطف، وحسب الشهود، ومقاطع فيديو صورها مواطنون، فإن أحد المستعربين أشهر سلاحه فجأة وأطلق الرصاص بشكل مباشر صوب رأس المقاوم نضال من نقطة صفر، ورغم وقوعه أرضا مضرجاً بالدماء حاصره المستعربون وأطلق احدهم النار على رأسه مباشرة، وأطلقوا النار في الهواء لمنع المواطنين من الاقتراب منهم ومن جثمان الشهيد الذي مزق الرصاص جسده.
أما بالنسبة للمقاوم شريم، فذكر الشهود، أنه قفز من على المركبة وحاول الفرار، لكن المستعربين طاردوه، وأطلقوا النار عليه حتى استشهد في نفس اللحظة التي انتشر فيها خبر الاغتيال، لتنتفض جنين في وقت بدا المستعربون بالانسحاب نحو مركبتهم للهرب بسرعة، لكنهم أطلقوا النار بغزارة لتفريق الجموع الغاضبة والتي كشفتهم، بينما كان الطفل عمر عوادين، يقود دراجته متوجها لمحل والده القريب، فأصابوه بعيار ناري أدى لاستشهاده على الفور .
مسار الأحداث التي تتالت بعد الجريمة، يشير إلى أن خطة المستعربين، كانت تقضي بتنفيذ الاعدام، والانسحاب الفوري من مسرح الجريمة قبل اكتشافها، مستغلة حالة الازدحام في المدينة، واستخدامها مركبة فلسطينية، لكن سرعان ما انقلبت الأحداث والمشهد، فقد تمكن الأهالي من تحديد المستعربين بشخوصهم ولباسهم ومركبتهم، لتتحول شوارع المدينة لساحة مواجهات عنيفة، وبحسب الشهود، خلال دقائق انتشرت مقاطع اعدام الخازم وعملية المستعربين وصورهم، فهب المئات من الشبان لملاحقتهم من منطقة لأخرى، وقد هوجمت مركبتهم بالحجارة وكل ما وقعت عليه أيدي المتظاهرين الغاضبين الذين انضم إليهم مقاومون أطلقوا النار، لكن اتضح أن قوات الاحتلال كعادتها أعدت خطة الاخلاء والدعم للمستعربين.
وبينما حوصر المستعربين داخل المركبة، زج الاحتلال بأكثر من 40 دورية عسكرية لشوارع المدينة لانقاذ المستعربين الذين سارعوا لاطلاق النار بغزارة، ويقول الشهود "كل جنين انتفضت، الرجال والأطفال والنساء وحتى المسنين، لاحقوا المركبة والقوا كل شيء نحوها لايقافها، لكن المستعربين، شقوا الطريق بالرصاص الحي الذي انهمر بغزارة، مما أدى لاستشهاد الشاب لؤي خليل الزغير".
الرصاص شكل الطريقة الوحيدة لمحاولة المستعربين للافلات من قبضة جنين الغاضبة، مما أدى لسقوط الجرحى والذين وصل عددهم حسب مستشفيات المدينة ل21 جريحاً، اضافة للشهيد الزغير.
ووسط أزيز الرصاص توقف المستعربون بسرعة، في تقاطع شارع أبو بكر المؤدي للمسجد الكبير والدوار الرئيسي، وتمكنوا من الهرب من المركبة، واللجوء لمطبعة العمري، بعدما دمر رصاصهم المركبات المتوقفة في المنطقة ومطعم الأقصى الذي أفاد صاحبه لـ"القدس" دوت كوم، أنه فوجيء بسيارة المستعربين تتوقف وسط الشارع بعدما عجزت عن الحركة أمام اكتظاظ المركبات وغضب الناس، ثم قفزوا منهم وسط اطلاق الرصاص وهربوا نحو المطبعة المجاورة، بعدما ألحقوا خسائر بمطعمه ومركبته التي ظهر أثار الرصاص واضحا فيها.
يروي صاحبة مطبعة العمري لـ"القدس"، أن المستعربين دخلوا بسرعة للجزء الخلفي من مطبعته، وهم يشهرون اسلحتهم، ارتدوا على الفور الأقنعة، ثم جمعوا كل المتواجدين من عمال ومعهم أسرة فلسطينية من الداخل بما فيهم طفل تركوا مركبتهم بالشارع لخوفهم من الرصاص واحتموا داخل المطبعة، ويضيف: "احتجزونا داخل غرفة صغيرة تابعة للمطبعة، ومنعونا من الحركة، وبداوا بجمع معلومات عن الموقع وارسال الاحداثيات للجيش لتحديد مكانهم، لكن الرصاص لم يتوقف، وتبادلوا اطلاق النار من داخل المطبعة مع المقاومين .. احتجزونا حوالي ساعتين، تخللها خروج للمدخل واطلاقهم النار نحو الخارج، ومنعونا من الحركة حتى وصلت قوة مساندة واخروجهم".
وبحسب الشهود، فإن الجيش حول المنطقة التي حوصر فيها المستعربون، كما نشروا تعزيزات ودوريات في كافة شوارع المدينة الرئيسية المؤدية للمنطقة، وسط اشتباكات مسلحة عنيفة وبعدما فتح الجنود نيران اسلحتهم بشكل غزير، تمكنوا من اخراج المستعربين مع مركبتهم والانسحاب من المدينة نحو حاجز الجلمة.