هم الاستشهاديون نخبة المجاهدين تقدموا الصفوف ليذيقوا العدو صنوف الويلات، زرعوا الرعب في شوارع الكيان، وجعلوا من سكانه مرضى نفسيين، وأرّقوا قادته، وبأشلائهم التي تناثرت في ربوع المدن المحتلة، رسموا لمن خلفهم طريق الانتصار والتحرير، لا سبيل لدحر العدو دونه.
ففي مثل هذا اليوم السابع والعشرين من شهر آذار/مارس لعام 2002م، تطل على الشعب الفلسطيني ذكرى إحدى أبرز عمليات المقاومة وكتائب القسام خلال انتفاضة الأقصى المباركة، التي أربكت حسابات قادة العدو فأقدموا على اجتياح الضفة بالكامل في عملية أسموها بــ "عملية السور الواقي".
فقبل أعوام أصيبت أجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية بصدمة وخيبة أمل كبيرة، بعد أن تمكن الاستشهادي القسامي عبد الباسط عودة من تنفيذ عملية بطولية في قلب مدينة أم خالد "نتانيا" المحتلة عام 1948، ليوقع فيها 36 قتيلاً وجرح أكثر من 150 صهيونيًا.
ويزداد حجم الصدمة، فكيف تمكن الاستشهادي القسامي من اختراق كل الحواجز والإجراءات الصهيونية المشددة واستطاع الوصول لهدفه وتنفيذ عملية زلزلت أركان الكيان، وهو المطارد والمطلوب لهم منذ سنة تقريبًا، وتلاحقه كافة أجهزة العدو الصهيوني لعلمها المسبق أنه كان ينوي القيام بعملية استشهادية.
طفولة استشهادي
التاسع والعشرين من شهر آذار عام 1977م، وطأت قدما الطفل عبد الباسط محمد قاسم عودة أرض فلسطين ومدينته طولكرم شمال الضفة المحتلة، لأبوين زرعا في طفلهما حب الله وعشق الجهاد والاستشهاد والتضحية بالنفس من أجل الوطن الغالي فلسطين.
وله من الإخوة سبعة: ثلاثة أشقاء وأربع شقيقات وترتيبه فيما بينهم الخامس من حيث العمر، أنهى دراسته مبكرًا، وانطلق نحو العمل ومساعدة والده في تجارة الفواكه، وعمل أيضًا سائقًا لنقل الركاب داخل المدينة.
مبكرًا التحق شهيدنا بالمساجد، وداوم على حلقات العلم والقرآن، وخلال الانتفاضة الأولى عام 1987م كان الشهيد أحد أشبال حركة حماس في رشق الحجارة صوب قوات الاحتلال، وقد تميز بالشجاعة .
تعرض الاستشهادي للاعتقال على يد قوات الاحتلال الصهيونية لخمسة أشهر، كما أصيب في إحدى المواجهات اليومية بشظايا في رأسه.
انتظار الشهادة
منذ طفولته عشق مقاومة المحتل ومواجهتهم، ومع انطلاق انتفاضة الأقصى، وجد الشهيد ضالته بالانضمام لإحدى المجموعات القسامية، ليشارك في مقارعة العدو وتكبيده الخسائر.
عمل الاستشهادي عبد الباسط عودة في مدينة أم خالد (نتانيا) وفنادقها بالتحديد، وجاء أوان الاستفادة من تلك الأيام التي تمكن فيها عبد الباسط ورفاقه من معرفة التفاصيل الدقيقة عن طبيعة النظام داخل هذه الفنادق وفندق بارك على وجه التحديد، ومواعيد الطعام، وآلية العمل، فدخل الاستشهادي إلى مكان يعرفه جيدًا، ليزرع الموت والرغب لهم.
بعد اعتقال المجاهد القسامي نهاد أبو كشك وجد الاحتلال معه وصية تعود إلى المجاهد عبد الباسط محمد عودة، وبعد تحقيق شديد تعرض له المجاهد القسامي نهاد أبو كشك توصلت أجهزة الأمن الصهيونية إلى اعترافات مفادها أن عبد الباسط كان جاهزًا لتنفيذ عملية استشهادية.
ومنذ مطلع آب 2001م توارى الاستشهادي عن الأنظار نهائيًا، ولم يعد يظهر في المدينة أو أي مكان آخر، بعد أن أدرج اسمه ضمن لوائح المطلوبين للتصفية أو الاعتقال لقوات الاحتلال في أكثر من صحيفة صهيونية.
واتهم حسب الصحف الصهيونية بالوقوف خلف عمليتي كتائب القسام في مدينة أم خالد (نتانيا) في شهري آذار وأيار والتي نفذها الاستشهاديان أحمد عليان ومحمود مرمش واللتين أوقعتا تسعة قتلى وعشرات الجرحى، وكان ضمن الهيكل القيادي المحتمل لأفراد الكتائب، الذي نشرته الصحف الفلسطينية نقلًا عن الصحيفة الصهيونية (يديعوت أحرنوت).
اختراق التحصينات
فجأة لاح الأسد مغادرًا عرينه لـمدينة أم خالد (نتانيا)، ليأخذ ثأره ممن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، ففي الساعة السابعة والنصف مساء الأربعاء الموافق 27-3-2002م، تمكن المجاهد القسامي عبد الباسط عودة من اختراق كامل التحصينات الصهيونية التي انتشرت في كافة المناطق المحتلة وعلى مفترقات الطرقات والحدود.
وصل إلى عمق مغتصبة نتانيا الساحلية متوجهًا إلى فندق (بارك) ليفجر جسده الطاهر تاركاً خلفه الصهاينة يحصون قتلاهم، ويشربون من كأس الحنظل، الذي أسقوه لأبناء شعبنا الفلسطيني المجاهد، وليفوز هو بوسام الشهادة الذي لطالما تمناه.
رحم الله شهدينا وأسكنه فسيح جنانه، رحلوا وتركوا الأمانة لمن بعدهم ولسان حالهم يقول (رحلنا وقدمنا كل ما نملك لكِ فلسطين، وأنتم سيروا على دربنا، درب الكرامة).