عبد الله العقاد

(إسرائيل) بين أشد تحسبوه وشديد لم يحتسبوه

[لأنتم (أشد) رهبة في صدروهم من الله. بأسهم بينهم (شديد)]. رهبتهم منا هي أشد من الله؛ ذلك بأنهم قوم لا يفقهون، فهم لهذا يختلقون الفرقة بيننا، جاهدين على ذلك، "لا يقاتلونكم جميعاً". فإن كان ثمة خشية من ذلك، فهم يحتاطون مخافة اجتماعنا ووحدتنا بـ" قرًى محصنة أو من وراء جُدر".

فهم يقيمون تجمعاتهم السكانية في قرى محصنة، وهذا ما نشاهده في كل مغتصباتهم سواء في الضفة الفلسطينية أو في مستوطنات غلاف غزة، وكذلك الـ (جُدر) أتت جمع تكسير ونكرة دلالة كثرتها وتنوع.

نعم، هي جدر متعددة ومتنوعة، وقد أقاموها على فترات، ولازالوا يقيمونها، فكلما اخترق جدار عززوه بآخر، حتى أصبح حول غزة وحدها أكثر من خمسة جُدر منها فوق الأرض وأخرى تحت الأرض، ومنها الشائك والسياج والحديدي والخرساني والالكتروني..، ولكل منها وظائف خاصة، بالإضافة لمنظومات الدفاع الجوي المتعددة (القبة والمقلاع والسهم)، غير أتلال الرمال، والأشجار المانعة الرؤية. و(يظنون) أنها مانعتهم من قدر الله الغالب، الذي يرتقبونه (الخراب).

فهم لم يحتسبوا لما يتسرب بينهم من شقاق وخلاف، والذي سيكون العامل حاسم في خراب كيانهم؛ لأن هذا الخلاف سيترجم إلى صراعات ذات بأس شديد بينهم، حين يلتقي هذا العامل الذاتي "بأسهم بينهم شديد"، مع التهديد الخارجي" لأنتم أشد رهبة في صدروهم من الله"، وهذا الذي تحسبوا له ومنه كثيراً، وعملوا كل جهدهم للحيلولة دون سقوطهم؛ فبنوا ما ظنوا أنه يمنعهم منه.

والحقيقة أن (الخراب) الذي ينتظرونه سيبدأ من الداخل الذي لا يحتسبونه؛ فتسقط حصونهم من حيث لم يحتسبوا ثم يعقبه مباشرة أو يتزامن معه، (التهديد الخارجي) الذي يتربص بهم ويتربصون به، ويحتاطون منه.

وقد جاء العامل الذاتي ذكره تعريضاً في مطلع سورة الحشر،" فأتاهم الله من حيث (لم يحتسبوا)، وقذف في قلوبهم الرعب". ونتيجة العاملَيْن معاً أنهم "يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين".

ولأنهم قوم لا يعقلون، فقد تغافلوا شتات خلافهم، وتضاد اختلافاتهم وانشغلوا يحتاطون مما يرهبونه، وهو نحن، (التهديد الخارجي)؛ فأشغلهم ذلك عن الذي سيكون بأساً شديداً بينهم، وكأنه رهبتهم الأشد منا أنستهم شديد بأسهم واختلافاتهم مع أنفسهم، فإذا بها تنفجر بركاناً يدمر كل ما بنوه، هذا كائن بأمر الله.

فهم لم يتجاهلوا خلافات فحسب؛ بل عمدوا أن يظهروا نقيضها، وهي الوحدة والتماسك، ولهذا عبر القرآن الكريم بقوله : "تحسبهم جميعاً".

والحقيقة أن اختلافاتهم ليست في الفكر والرأي بل في العقائد، لهذا عبر القرآن عنه بقوله : "وقلوبهم شتى"، والقلوب محل الاعتقاد، وليس اختلافاً في الرأي بما يكون من الاجتهادات الرؤى والطرح.

إذن، هو (الخراب) بأيديهم وأيدي المؤمنين نهاية هذا الكيان القائم على البغي والإجرام، ولن تمنعهم حصونهم، ولا تحول أحلافهم دون قدرهم المشؤوم الذي ينتظرونه، وإن وعدوهم- أي إخوانهم الذين نافقوا- بأنهم بن يسمحوا بإخراجهم منها، وأن ينصروهم إن قوتلوا.. ولكن كل هذا زعم لن يغني عنهم من الله شيئاً، "فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا". هي الحقيقة الشاخصة الواقعة التي ستراها الأبصار المعتبرة، "فاعتبروا يا أولي الأبصار".

المصدر : شهاب

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة