رفعت أجهزة أمن السلطة من وتيرة اعتقالاتها السياسية وانتهاكاتها في الضفة الغربية المحتلة، في محاولة للانتقام لصورتها المهزوزة عقب طرد قياداتها من جنازة شهداء جنين.
وكالعادة وضعت الأسرى المحررين والرموز الوطنية والنشطاء والطلبة الجامعيين في بؤرة استهدافها، لقصر عملهم النقابي وآرائهم وتوجهاتهم السياسية.
ومنذ الليلة الماضية، كثفت أجهزة السلطة من تعزيزاتها الأمنية في محافظة جنين، ونشر عناصرها الأمنية على نحو مكثف من أجهزة أمن السلطة، مع استقدام قوات كبيرة من خارج المحافظة.
واعتقلت دون سابق انذار كلا من مدير زكاة جنين أحمد سلاطنة، ومحمد ملايشة من بلدة جبع.
وفي ذات الأثناء تستمر في اعتقال الناشط لؤي قباجة والمضرب عن الطعام لليوم الثالث، رفضًا لاعتقاله السياسي على خلفية تعبيره عن رأيه عبر فيسبوك.
كما يواصل جهاز مخابرات السلطة اعتقال المحرر براء عاصي من قراوة بني حسان في سلفيت شمالا لليوم الـ20 على التوالي.
وتزج في مسالخها المحرر صهيب مأمون شرباتي من الخليل، لليوم الـ19 على التوالي، رغم قرار الإفراج عنه مقابل كفالة 1000 دينار قام بدفعها.
ومددت أجهزة السلطة اعتقال الصحفي أحمد البيتاوي لأيام جديدة، وتعتقل الشاب أيسر خدرج، والمطارد خليل زكريا من نابلس لليوم الثالث على التوالي.
كما تحتجز الشاب يوسف خريوش من طولكرم بعد استدعائه للمقابلة، والشاب جميل نصار من بلدة علار لليوم الرابع على التوالي.
فيما تختطف الأسير المحرر أحمد حمادنة، وأحمد عودة ياسين من نابلس لليوم الرابع، والمطارد مراد ملايشة ومحمد براهمة من طوباس بسجن أريحا لليوم الـسادس على التوالي.
وتستمر مخابرات السلطة في رام الله باعتقال الطالب في جامعة بيرزيت أحمد شريتح من بلدة المزرعة الغربية لليوم الثامن على التوالي.
كما تواصل ورغم صدور قرارات قضائية بالإفراج عنه اختطاف المطارد لدى الاحتلال مصعب اشتية، لليوم الـ293 على التوالي.
يأتي ذلك في وقت أكدت صحيفة لبنانية أن أزمة الشعبيّة التي تعانيها السلطة الفلسطينية من جرّاء موقفها السلبي خلال المعركة الأخيرة التي شهدها مخيم جنين شمال الضفة الغربية المحتلة تفاقمت.
ونقلت "الأخبار" عن مصادر في السلطة إن حالة الغضب الشعبي التي تواجهها السلطة تفاقمت مؤخرًا نتيجة عدّة عوامل، أبرزها إحجام رام الله عن إبداء أيّ ردود فعل إزاء الجرائم الإسرائيلية، وإبقاؤها على "التنسيق الأمني" مع الاحتلال.
وذكرت أن قيادة حركة "فتح" قرأت ما جرى في جنين أثناء تشييع شهداء العدوان الأخير، من طرد لنائب قائد الحركة، محمود العالول، وقيادات أخرى، مؤشّرًا خطيرًا إلى تصاعد حالة الغضب.
وبينت المصادر أن نقاشات حادة دارت بين قيادات في السلطة ومسؤولين أمنيين تابعين لها عقب حادثة الطرد، فيما صب بيان "كتيبة جنين" بسرايا القدس الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي" بشأن اعتقال السلطة قائد كتيبة "جبع" أثناء توجهه لمساندة جنين أثناء العدوان، ليصبّ الزيت على النار ويسعّر الانتقاد والسخط الموجّهين ضدّ رام الله.
وأوضحت أنها تكشف أنه للخروج من المأزق، اقترح مسؤولون على عباس البدء في حراك سياسي يهدف إلى الحفاظ على شرعية السلطة شعبياً وأمام «المجتمع الدولي».
وأشارت إلى أنه سيبدأ بعقد لقاء على مستوى الأمناء العامين للفصائل في القاهرة، ثمّ ينتقل إلى جولات حوار متتالية، مع الحرص على أن يُظهر اللقاء الأول "شرعية" رئيس السلطة أمام الإعلام.
وشملت التوصيات العاجلة ضرورة عدم توجيه الانتقاد إلى «كتيبة جنين»، والبدء، بحملة انتقاد واسعة لحركة "حماس" لمنعها من استغلال ما يجري حاليًا بالضفة لصالحها.
وتضمنت ورقة الموقف المقدَّمة إلى عباس البدء بحملة انتقاد واسعة لحماس".
يذكر أن عباس دعا لعقد لقاء طارئ على مستوى الأمناء العامين لفصائل المقاومة، وهو ما تعاملت معه الأخيرة بحذر، مطالبةً بأن تسبق خطّةٌ شاملة متّفق عليها أيّ لقاء من هذا النوع.
وكشف الإعلام العبري عن أن عباس وبخ أجهزته الأمنية بالبدء بالانتشار في جنين في اليوم الأول من الأسبوع المقبل وضبط الحالة الأمنية، في إشارة إلى تصاعد المقاومة وتصديها للاحتلال خلال العدوان الأخير.
وبحسب ما نشر موقع القناة 12 العبرية نقلا عن مصادر رفيعة المستوى في رام الله، فإن عباس غاضب بشدة من رؤساء الأجهزة الأمنية لفقدانهم السيطرة على مخيم اللاجئين ومدينة جنين، مؤكدا فشلهم في حماية اثنين من قادة فتح وهما: محمود العالول وعزام الأحمد، اللذين طردا من جنازة شهداء العدوان على جنين.
وذكر الموقع أنه تم خلال اللقاء الاتفاق على تغيير جذري في نشاط الآليات الأمنية في منطقة جنين، موضحا أن هذا الضبط شرط ضروري لتلقي أموال المساعدات لإعادة إعمار جنين التي وعدت بها دولة الإمارات العربية المتحدة والبالغة 15 مليون دولار و30 مليونا أخرى من الجزائر.
وقال الموقع إن الصعوبة الكبرى في تطبيق السياسة الفلسطينية الجديدة تتمثل في الانقسام الداخلي في حركة فتح داخل جنين، خاصة بين نشطاء التنظيم في المدينة الذين يدينون بالولاء لعباس، وبين المسلحين في مخيم اللاجئين الذي يعارضون السلطة ويتمسكون بالنشاط المسلح ضد الاحتلال.
وخلقت ردات فعل السلطة تجاه جنين حالة اختناق شعبي تجاهها؛ لذا ستجد نفسها مجبرة على إحداث تغيير جذري في سياستها الداخلية والخارجية، والكف عن اللعب بورقة التنسيق الأمني أو استمرار العداء لها.
وإلى جانب أن التنسيق الأمني ورقة ضعيفة لا تؤثر على الاحتلال يزيد الاحتقان والغضب لدى أبناء الضفة الغربية، حيث سبق وأن وضعت السلطة بموافقة محمود عباس خطة من أجل القضاء على "خلايا المقاومة" في جنين.
وعرضت الخطّة التي يشرف عليها رئيس جهاز المخابرات اللواء ماجد فرج وعضو اللجنة المركزية لفتح حسين الشيخ على عباس وتتمثل بإيقاف مسار تنامي قوّة المقاومة في جنين، بينما عقد مسؤولي السلطة لقاءات مكثّفة مع مسؤولين أمنيين إسرائيليين للتباحُث في إيجاد حلّ لهذا الوضع.
ويبدو أن السلطة تعيش أسوأ مستويات شعبيتها بعدما تخلت عن جنين، حيث كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، عن وجود احتقان وغضب كبيرين لدى نشطاء حركة فتح تجاه سلوك قيادتها، خاصة فيما يتعلق بتخليها عن مخيم جنين خلال العدوان الذي شنه الاحتلال عليه خلال الأيام الماضية.
ونقلت الصحيفة في وقت سابق عن مسؤول من حركة "فتح" في جنين، قوله إن الجيل الشاب ونشطاء الحركة يشعرون بالغضب من قيادة الحركة والسلطة في رام الله.
وأضافت الصحيفة بحسب ترجمة موقع عكا: "جميع سكان جنين يشعرون بالغضب.. يومان كاملان والجيش الإسرائيلي يقتل ويهاجم ويدمر بينما كان عناصر الأجهزة الأمنية يغلقون على أنفسهم مقارهم ولا يفعلون شيئًا لحماية السكان".
هذا الغضب الداخلي على قيادة الحركة هو جزء من الغضب الشعبي العام المتصاعد تجاه السلطة، حيث هاجم عضو المجلس الثوري لحركة فتح جمال حويل موقف السلطة وأجهزتها الأمنية التي تخلت عن مخيم جنين ولم تبادر للدفاع عنه في وجه الاحتلال.
وخرج حويل وهو قيادي في الحركة من مخيم جنين، في فيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي وهو يوجه انتقادات حادة لسلوك أجهزة السلطة التي اختبأت في مقراتها خلال العدوان على جنين.
وقال في الفيديو المنشور: "بدي استعير كلام الراحل أبو اياد اللي قال مين هالحمار اللي بيروح يفاوض بدون بارودته، وانا بقول مين الجاهل يلي بترك البارودة على جنب حتى يوفر الهدوء للاحتلال".
وكانت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، كشفت أن أجهزة السلطة تركت مدينة جنين ومخيمها منذ بدء العملية العسكرية الواسعة لجيش الاحتلال.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية وعسكرية في جيش الاحتلال، أن عناصر أجهزة السلطة التي كانت منتشرة في مدينة جنين طلب منها المغادرة قبيل ساعة الصفر للعدوان الإسرائيلي.
فيما أكدت مصادر محلية في جنين أن عدداً قليلاً من عناصر أجهزة السلطة تواجدت داخل مقراتها، ولم تغادرها، متوقعةً أنها فقط لحماية تلك المقرات.