في صيف عام 1982، وتحديدا في 16 سبتمبر ولمدة 3 أيام متواصلة، شهدت لبنان واحدة من أكثر المجازر وحشية نفذها الاحتلال الإسرائيلي، وهي مذبحة صبرا وشاتيلا، التي وقعت في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وخلّفت هذه المجزرة نحو 5 آلاف قتيل، و7 آلاف مفقود، حسب بعض الإحصائيات.
رحاب كنعان، الشاهدة على تلك المجزرة الوحشية، تحدثت في حوار خاص، تفاصيل مروعة لما جرى في تلك الأيام، وأعادت شرح ظروف وملابسات مؤلمة تجرعت مرارتها مع الناجين الآخرين.
رغم مرور أكثر من أربعة عقود على الحادثة، تستمر كنعان في المطالبة بتحقيق العدالة للضحايا، عبر دعوتها لمحاكمة الاحتلال على مسؤوليته عنها.
وأشارت إلى أن صبرا وشاتيلا ليست المجزرة الوحيدة التي ارتبكت ضد لاجئي فلسطين بلبنان، حيث ارتكب بحقهم مجازر أخرى بتخطيط وتنفيذ إسرائيلي.
وحول تفاصيل ما جرى، أشارت كنعان إلى أنه بعد اجتياح إسرائيل للبنان في عام 1982، صدر قرار بخروج المقاتلين الفلسطينيين الذين كانوا يحمون المدنيين في المخيمات، وهذا القرار ترافق مع وعد من جانب القوى الدولية الأوربية بحماية الفلسطينيين المدنيين بعد خروج المقاتلين.
وأضافت أن المجزرة لم تكن نتيجةً للصدفة، بل كان هناك تخطيط مسبق لها، حيث تركت القوات الدولية المنطقة قبل موعدها بأسبوع، وجاء الاحتلال للسيطرة على المنطقة وحاصرتها.
تفاصيل مروعة
تقول كنعان "فجر يوم 16 سبتمبر، دخل القتلة المنطقة والناس نائمين، وبدأوا بقتل المدنيين من النساء والأطفال والرجال باستخدام السلاح الأبيض دون أن يصدر أي صوت".
وأشارت إلى أن الناس شعروا بحركة غريبة، واعتقد الكثيرون أنها عملية ينفذها جيش الاحتلال دون أن يدركوا أن القتلة كانوا من حزب الكتائب، بإشراف ودفع إسرائيلي.
وأضافت أن وفدًا من النساء خرج أيضًا ليقول لجيش الاحتلال بعدم وجود مسلحين في المكان، ولكنهم أيضًا اختفوا لاحقًا بشكل مأساوي، حيث تم اكتشاف وفاتهم لاحقا.
كما أوضحت أن الناس حاولوا الهروب بعدما علموا بوقوع مجزرة، ولكنهم وجدوا أن الاحتلال يحاصر المنطقة، ومنع الناس بالقوة من مغادرة صبرا وشاتيلا، وقام بإطلاق النار على الفارين مما أجبرهم الناجين منهم على العودة.
الاحتلال جهّز أدوات المجزرة
ولفتت السيدة كنعان إلى أن اللاجئين كانوا يعتقدون أن جيش الاحتلال هو من ينفذ الهجوم بنفسه على المخيم، وليس حزب الكتائب، ولكن بعد فترة، عرفوا الحقيقة بعد أن نادى المهاجمون بمكبرات الصوت يطالبون اللاجئين بالخروج إلى ساحة المخيم، مما دفع السكان إلى الاستجابة والخروج حاملين راية بيضاء للإشارة إلى أنهم مدنيين.
السيدة رحاب كنعان أكملت حديثها بالقول "حينما تجمع الناس في الساحة واكتشفوا أن المهاجمين من حزب الكتائب اللبنانية بحراسة جيش الاحتلال الإسرائيلي، انهارت قواهم وهنا بدأت المذبحة".
وأضافت قائلة "لقد قتلوا الأطفال والنساء وبقروا بطون النساء وفقأوا العيون وربطوا الرجال بسيارات وسحلوهم (..) وقد كانت قوات الاحتلال قد جهّزت أدوات المجزرة مسبقا".
وأشارت إلى أن القتلة فصلوا الرجال، وأخذوهم نحو منطقة المدينة الرياضية، حيث كانت الحفر جاهزة ودفنوهم أحياء.
ومضت تقول "لقد استمرت المجزرة 40 ساعة متواصلة، والعالم غائب لا يتدخل".
وتابعت "صحفي ياباني كان الوحيد الذي استطاع دخول المخيم، وطفل أشار له بأنهم: يذبحون الناس، ثم وجد عائلة مذبوحة، وهنا بدأت الأخبار تنتشر عن وجود مجزرة، وهنا بدأت الكتائب بتسريع المجزرة أكثر وأكثر".
وأشارت إلى أن النتيجة المؤلمة كانت مقتل ما يقارب 5 آلاف شهيد واختفاء 7 آلاف آخرين.
سأستمر بتذكير الناس
تقول السيدة كنعان إنها ستظل-ما دامت حية- تذكر العالم بمجازر الاحتلال التي وقعت في لبنان وخاصة صبرا وشاتيلا.
وأضافت "ربي كتب لي عمرًا طويلًا، حتى أظل أذكر الضمير العالمي بجرائم الاحتلال".
وتابعت "نريد أن يتحاكم القتلة، حتى لو ماتوا، نريد معاقبة الكيان المحتل بالكامل، لأنه هو المسؤول عن هذه المجزرة، ونطالب أن يكون هناك عدالة لمحاكمة من ارتبكوا هذه الجريمة".
لقاء ابنتها ميمنة
وفيما يتعلق بلقائها بابنتها "ميمنة" بعد 22 سنة من الفراق، قالت كنعان: "بعد المجزرة ذهبتُ المخيم للاطمئنان على ابني وبنتي، لكني لم أستطع أن أدخل، وقال لي الناس أنهم هاربين أو ضمن المفقودين.
وأكملت "لاحقًا التحقت بزوجي الذي كان في تونس وخرج مع المقاتلين قبل حدوث المجزرة".
وأضافت "وبعد 4 سنوات رجعت على لبنان كي أبحث عن أولادي، ولم أجدهم أيضًا فرجعت على تونس".
ذكرت أنها فوجئت بوجود اسم ابنها في مجلة "فلسطين الثورة"، ضمن قائمة الشهداء، وهو ما جعلها تعتقد أن ابنتها ميمنة أيضًا شهيدة.
وأشارت إلى أنه بعد 22 سنة، علمت أن ابنتها "ميمنة" حية، من خلال اتصال هاتفي، وكان المشهد الصعب الذي بثته آنذاك قنوات تلفزيونية عربية.
وختمت السيدة كنعان حديثها بالعودة بالتذكير بضرورة محاكمة دولة إسرائيل، على مسؤوليتها عن المجزرة، مضيفة "أذكّر من جديد أنه إذا مات القادة المسؤولين عن هذه المجزرة، فلا يهمنا ذلك، نحن نحمّل المسؤولية لهذا الكيان الإسرائيلي المحتل، لا بد أن يكون هناك عقاب ولا بد أن يأخذ القانون مجراه".