الحرب على غزة وحقيقة موقف المجتمع الدولي

بقلم /طارق عودة 

يتبادر إلى ذهن أي متابع فضلًا أن يكون مناصرًا للقضية الفلسطينية وهو ينظر إلى حجم الإبادة والمجازر وقتل الأطفال والنساء بعشرات الآلاف أمام عدسات الكاميرات وعلى مرأى ومسمع العالم بأسره الذي يتباكى على حقوق الإنسان والحيوان وغيرها، وعطفًا على ماسبق سيتبادر إلى الذهن العديد من الأسئلة: هل العالم عاجز عن إيقاف هذه المجزرة؟ وأين الحراك العربي الإسلامي المؤثر؟ ولماذا لم يتخذ مجلس الأمن قرارات رادعة للاحتلال الإسرائيلي ؟ وإذا اتخذ فهل هو عاجز عن تطبيقها ؟ وهل "إسرائيل" فوق القانون الدولي؟

هذه الأسئلة ربما نستطيع الإجابة عليها من عدة زوايا:

أولًا: بنية النظام الدولي ومجلس الأمن تقوم على مراعاة مصالح الدول العظمى وبذلك تصبح معادلة التأثير في عاملين هما مستوى مصلحة الدولة في أي قضية وقوة الدولة في مجلس الأمن وبالتالي فإن معايير مجلس الأمن تصبح موازنة بين المعيارين السابقين وتأثرهما بالحروب والقضايا المختلفة.

ثانيًا: الولايات المتحدة وهي اللاعب الأقوى لحد الآن في مجلس الأمن وتعتبر "إسرائيل" جزء منها وظهر ذلك في التحالف الاستراتيجي بينهما بدءًا من الوصاية الأمنية والعسكرية والاقتصادية وصولا للجسر الجوي العسكري اللامحدود واخيراً التلويح بالقوة العسكرية في المنطقة في حال تدخلت جهات أخرى لمساعدة الفلسطينين.

ثالثًا: التلويح بالعصا لكل دول المنطقة المحبة والمعادية والمحايدة ورسم الدور الذي يجب أن يقوموا به ووضع سقوف لمعادلات الاشتباك في المنطقة.

رابعًا: القوى الأخرى في مجلس الأمن لم تتخذ قرارًا حازمًا وقويًا للتدخل لوقف المجزرة أو بعبارة أخرى لم تجد شيئا يؤثر على مصالحها يدفعها للضغط بقوة لإيقاف المجزرة.

خامسًا: لم يصل فعل محور المقاومة الذي تتزعمه طهران لدرجة تهدد مصالح "إسرائيل" وأمريكيا وحلفائها في المنطقة ليدفعها بشكل فوري لإيقاف الحرب مع أخذ بعين الاعتبار أن "إسرائيل" ومعها أمريكا يرون أن هذه معركة وجودية و"لإسرائيل" حرية العمل بلا ضوابط أخلاقية ولا حدود قانونية مع حماية كاملة "لإسرائيل" من أي مساءلة وهذا يعقد المسألة بشكل أكبر على جبهات المقاومة في ظل واقع عربي وإسلامي متفرج كله يحتكم للسقف الأمريكي إما بالعصا وإما طواعية.

لذلك، فإن أهم دافع لوقف المجزرة في غزة هو إحداث تغيير مؤثر في خارطة هذه المصالح، وليتضح المقال بالمثال في عام ١٩٩٥ وإبان مجازر الصرب في البوسنة والهرسك، أخذت أمريكيا اللاعب الأقوى في مجلس الأمن قرارًا وشكلت قوات من حلف الناتو وقامت بتسديد ضربات للصرب وإرغامهم للجلوس لطاولة المفاوضات وتقديم قادة الصرب للمحاكمات الجنائية، والدافع هو أن مصلحة الولايات المتحدة ضد أي قوة موالية للاتحاد السوفيتي المفكك حديثًا، ومنع تشكيل أي قوة إسلامية ناشئة في أوروبا حيث كان المجاهدون الإسلاميون يتوافدون للقتال لنصرة المسلمين في البوسنة واستمرار القتال يعني تطور هذه الحالة وازدياد قوتها.

إذن، أعتقد أن المعادلة واضحة ومن أراد الحل يجب أن يلعب في المتغيرات المؤثرة لهذه المعادلة، والتي تحتاج لدراسة معمقة للعوامل التي تؤثر على هذه المتغيرات منها ما هو تكتيكي ونتائجه قريبة، ومنها ما هو استراتيجي ونتائجه بعيدة وعلى سبيل المثال لا الحصر:

١- إرادة حقيقية لدى الأنظمة العربية والإسلامية لتشكيل فعل مؤثر عبر التحول نحو روسيا والصين اقتصاديًا، واستخدام أدوات ضغط عبر قطع العلاقات الاقتصادية وقطع إمدادات الغاز والبترول، ويجب أن يبادر لتجميع هذه الأنظمة قوى مؤثرة على الساحة العربية والإسلامية كتركيا وايران وماليزيا وقطر وغيرها، وفي حال وجود هذه الحالة المنظمة سيشجع العديد من الأنظمة المترددة من زيادة تأثيرها بهدف وقف المجزرة، ولكن ربما يكون قد سبقنا لذلك التأثير الأمريكي الاسرائيلي على دول المنطقة، وما حصل عام ١٩٧٣ لما استخدمت ورقة النفط في تلك المعركة وكان لها تأثير كبير في نتائجها.

٢- إن لم يتوفر هذا الحلف الكبير لنصرة غزة فعلى الأقل التقارب بين ايران وتركيا لتشكيل قوة إسلامية مؤثرة والتحالف مع روسيا عسكريًا والصين تجاريًا، هذا التقارب سيضيف للأمة العديد من المزايا المؤثرة ومنها: وجود قوة بشرية كبيرة ومؤثرة، زيادة تنسيق المواقف المؤثرة في اتجاه وقف الحرب وتبادل الأدوار في ذلك، وسيشجع هذا التقارب كنموذج دولًا أخرى للانضمام إليه، وإذا وضع هدف على هذا النحو فسيخلق أفكارًا بناءة لاستثمار طاقات الأمة وإمكاناتها بدل من تفتيت وتبديد هذه الإمكانات، وخصوصًا أن قضية غزة وفلسطين قضية مركزية جامعة ممكن أن تلتقي عليها هذه الدول وتتجاوز كثير من الخلافات التفصيلية، وهزيمة غزة لا سمح الله تعني إلحاق ضرر كبير بهاتين الدولتين ويؤدي إلى تراجع دورهما وتأثيرهما بشكل كبير ولا أبالغ إن قلت حتى على صعيد وضعهم الداخلي.

٣- زيادة تأثير فعل محور المقاومة على المصالح الإسرائيلية والأمريكية كمًا ونوعًا، ليشكل حالة ضاغطة لا يمكن أن تستوعبها الولايات المتحدة وحلفاؤها في هذه المرحلة، وهذا قد يبدو وشيكًا من خلال الردود المنتظرة على الخروقات الصهيونية الصاخبة لقواعد الاشتباك مع حزب الله وإيران. 

أعتقد هذه بعض الأمثلة ولكن أصحاب القرار إن توفرت لديهم الإرادة فلديهم من الإمكانات ما يمكنهم من إحداث فعل مؤثر، ولن يغفر التاريخ للعرب والمسلمين هذا التخاذل وهذا الضعف، وهم يمتلكون جيوش تعدادها ملايين ومقدرات اقتصادية جبارة ومواقع جغرافية استراتيجية، دون أي فعل مؤثر باتجاه وقف المجزرة.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة