خاص شهاب/ نجلاء نجم
تعارفتْ عليه وسائل الإعلام المحلي والدولي في أخبارها المتداولة بمحور "نتساريم" الفاصل، واعتادت على ذلك المُسمّى بين سطور عواجلها، حتى جاءت معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وحوّلته إلى محور للقنص واصطياد رؤوس جنود الاحتلال، فبات يُعرف اليوم بـ" محور الموت والرّعب" مسبوقًا بـ"المثلث الأحمر المقلوب" كما أطلق عليه أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسّام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
أصبح محور "نتساريم" كابوسًا يؤرق الاحتلال "الإسرائيلي" مع تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية ودكّها لجنود الاحتلال واستهداف آلياتهم وإيقاعهم بين قتلى وجرحى، من خلال الكمائن التي ينفّذها المجاهدون عبر تسللهم إلى مواضع الجنود في المحور الفاصل، أو تنفيذهم عمليات قنص للجنود، أو عبر طائرات "الزواري" الانتحارية.
الحكاية الأولى.. من خيبة "شارون" إلى فشل "نتنياهو" الفادح
محور "نتساريم" هو ممرٌ يفصل مدينة غزة وشمالها عن المحافظات الوسطى وجنوبي القطاع، ويجاور الممر منطقتي جحر الديك والمغراقة، ويقطعه شارع صلاح الدين من المنتصف، وتحده مدينتا الزهراء والأسرى من جنوبه الأوسط وجنوبه الغربي.
سُمّي المحور بـ"نتساريم" نسبةً إلى مستوطنة أقامها الاحتلال "الإسرائيلي" استجابة لخطة قدمها أرئيل شارون عام 1971، حينما كان قائدًا للمنطقة الجنوبية الإسرائيلية، والتي ضمت غزة؛ وكان الهدف منها تسهيل السيطرة الأمنية على القطاع حينذاك.
استخدم الاحتلال ممر "نتساريم" للتضييق على الفلسطينيين، وابتزازهم وتفتيشهم بشكل غير إنساني، ومنعهم في كثير من الأحيان من العبور.
كما شهد الممر العديد من االقصص المؤلمة، مثل حالات إجهاض ووفاة مرضى، ومنع وصول سيارات الإسعاف، أو نقل الحالات الطارئة إلى المستشفيات.
ومع توالي ضربات المقاومة الفلسطينية على مجمع المستوطنات هذه في غزة، ومنها "نتساريم"، أمر شارون بعملية الإخلاء الطوعي للمستوطنة في 15 أغسطس/آب 2005، بعدما كان يتفاخر بأن مستوطنة "نتساريم" في غزة كتل أبيب.
وشهد "نتساريم" نهاية الوجود "الإسرائيلي" في قطاع غزة بخروج آخر جندي "إسرائيلي" من بوابة "كيسوفيم" يوم 12 سبتمبر/أيلول 2005.
لم تكن عمليات المقاومة الفلسطينية في اصطياد جنود الاحتلال ودكّهم في "محور نتساريم" شيئًا وليدًا مع معركة "طوفان الأقصى" التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بل إن المحور كان صيدًا ثمينًا لدى المقاومة منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، حيث سجّل العدو "الإسرائيلي" خسائر فادحة إثر عمليات عديدة نفّذتها المقاومة في ذلك الوقت، رغم أن المحور كان يعرف بـ"التّحصن الشديد".
متى بدأت أول عملية للمقاومة؟
في سبتمبر/أيلول 2000، تمكّنت المقاومة من قتل 9 جنود "إسرائيليين" بعبوة ناسفة، كما شهد المحور عام 2001 تفجير أول دبابة "ميركافاه".
في 25 أيار/ مايو 2001، انطلق الاستشهادي حسين أبو نصر من مخيم جباليا، بشاحنة مليئة بالمتفجرات مستهدفًا مقرًا عسكرياً قرب مستوطنة نتساريم، حيث صار بعدها أبو نصر أيقونة للفدائيين في القطاع.
وفي شباط 2002 قتل ثلاثة جنود صهاينة بعد أن مرت دبابة كانوا يستقلونها على عبوة بجوار محور "نتساريم"، في آذار من ذات العام طعن جندي على يد مقاوم فلسطيني.
وفي يوم 11 مارس/آذار 2002 حاول شابان من كتائب القسام دخول المستوطنة واشتبكا مع دورية عسكرية على مشارفها ثم استشهدا.
14 مارس/ آذار2002، تمكنت المقاومة من قتل 3 "إسرائيليين" وإصابة اثنين آخرين، في انفجار عبوة لدى مرور قافلة قرب مستوطنة نتساريم جنوبي قطاع غزة. وقال مصدر إسرائيلي أن القافلة التي استهدفها انفجار غزة كانت تضم سيارات عسكرية تواكب سيارات لمستوطنين.
وفي 29 آذار/ مارس 2002 قتل مقاوم من سرايا القدس اثنين من المستوطنين في نتساريم قبل استشهاده.
24وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2003، قُتِل ثلاثة جنود "إسرائيليين" وأصيب آخران في عملية استشهادية بين كتائب القسام وسرايا القدس، وأطلق المقاومان عشرات القنابل اليدوية على الثكنة العسكرية في "نتساريم" و أطلقوا النار على الجنود المتمركزين داخل الموقع ، و بعد أن تمكنوا من إنهاء العملية أخذ المجاهدان بالانسحاب من المغتصبة ، فتمكّن مجاهد سرايا القدس من الانسحاب، وارتقى الشهيد القسّامي سمير فودة.
كيف تحوّل "نتساريم" إلى محور "الرّعب والموت"؟
مع بدء التّوغل البري "الإسرائيلي" في قطاع غزة، حوّل الاحتلال محور نتساريم إلى خط الإمداد اللوجستي الرئيسي ومركز لتموضع جنوده، وتخزين الأسلحة، والتحقيق مع المعتقلين الفلسطينيين.
ورغم التّحصنيات الشديدة التي طوّق الاحتلال بها محور نتساريم، وأنشأ سواتر ترابية ودفاعات وأبراج مراقبة، ونشر فيه عشرات الجنود، إضافة لتحليق طيران استطلاعي على مدار الساعة، وتمشيط مدفعي وناري في ساعات الصباح والمساء وما بينهما، إلّا أنه أصبح مصيدة للأرتال والآليات والجنود، الذين قتلوا بالعشرات في ممر "الموت".
وكان الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسّام أبو عبيدة قد توعد سابقًا بأن يكون نتساريم "محورًا للموت والرعب لجنود العدو المحتلين".
<script async src="https://telegram.org/js/telegram-widget.js?22" data-telegram-post="ShehabTelegram2/111538" data-width="100%">script>
ونفّذت المقاومة الفلسطينية، عدة كمائن وعمليات في محور "نتساريم"سواء كانت ببندقية الغول التي يصل مداها حتى 2 كيلومتر،أو قصفه بقذائف الهاون من العيار الثقيل، أو براجمة صواريخ "رجوم" عيار 114 مليمترا.
وفي منتصف أبريل/نيسان 2024، أعلنت كتائب القسّام عن كميني ألغام منفصلين في منطقة المغراقة، ، باستخدام العبوات الناسفة وصواريخ مقاتلات "إف 16"، ما أدى إلى مقتل وإصابة 14 جنديًا وضابطًا "إسرائيليًا".
كما نفّذت القسام عملية إغارة لمقاتليها على قوات الاحتلال في محور نتساريم جنوب حي تل الهوى جنوبي مدينة غزة.
وقالت القسام، إن "4 من مقاتليها تمكنوا من دخول محور نتساريم واستهدف المقاتلون مركبتين من طراز هامر، وقاموا بتفجير عبوتين ناسفتين، وأصابوا الجنود بداخلها في مقتل، وخرجوا للإجهاز على المصابين، عبر إطلاق النار بشكل مباشر على من تبقى منهم على قيد الحياة. وأكد أحد المقاومين أن منفذي الكمين هم ممن قامت الكتائب بتجنيدهم عام 2024، وليسوا من المقاتلين السابقين في القسام، فيما قاموا بالانسحاب جميعا بسلام دون إصابات إلى قواعدهم والعودة إلى غزة.
كيف نفّذت كتائب القسّام عملية الإغارة في "نتساريم"؟ خبير عسكري يجيب
حصاد المقاومة في اصطياد جنود الاحتلال في محور "الرعب والموت"
ووفقًا لما رصدته وكالة "شهاب" للأنباء، فقد نفّذت المقاومة الفلسطينية 136 عملية إطلاق قذائف هاون، و93 عملية إطلاق صواريخ تجاه محور "نتساريم.
كما تمكّنت المقاومة من تنفيذ 10 كمائن أوقعت جنود الاحتلال بين قتلى وجرحى، وفجّرت 9 آليات تابعة للاحتلال، فيما نفّذت 8 عمليات إطلاق قذائف أفراد على الجنود، وعمليتي إغارة وتسلل لمواضع جنود الاحتلال.
الدويري: عملية اقتحام نتساريم "مخاطرة" محسوبة تحمل دلالات "كبيرة" .. وهذه أخطرها !
ووفقًا لاعترافات جيش الاحتلال "الإسرائيلي" فقد قُتل منذ ديسمبر الماضي حتى أغسطس الجاري 30 ضابطًا وجنديًا بفعل عمليات المقاومة المتواصلة في محور نتساريم.
كيف اعترف الإعلام العبري بأشباح "الرّعب والموت" في المحور؟
وفي 27 أغسطس/ آب، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ارتفاع وتيرة تسلل مقاومي كتائب الشهيد عز الدين القسام إلى مواقع توغل الجنود بممر "نتساريم" وسط قطاع غزة، والاشتباك معهم، وإيقاعهم بين قتيل وجريح.
ونشرت الصحيفة ذلك الاعتراف خلال نشرها تفاصيل مقتل الجندي في جيش الاحتلال الرقيب أول"ينيف يتسحاق أورين".
وأوضحت أن أورين قُتل خلال اشتباك اندلع مع مقاومي القسام في موقع في ممر نيتساريم قبل أيام.
وأشارت "يديعوت أحرنوت"، إلى أن أربعة مقاومين تمكّنوا من التسلل إلى منطقة تخضع للسيطرة العملياتية لجيش الاحتلال في ممر نيتساريم شمال القطاع ، وفي وضح النهار.
وفتح المقاومون النار على الجندي أورين الذي كان عند نقطة الحراسة، وقتلوه.
في 28 أغسطس/ آب اعترفت قناة كان العبرية، أن اللواء 16 في جيش الاحتلال خسر ثمانية من جنوده خلال أسبوع ونصف فقط في محور نتساريم، جرّاء تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية في المحور.
وقالت صحيفة هآرتس العبرية، إن الجنود أمام 7 أكتوبر مُصغّر في "نتساريم" والجيش يرفض التعليق.
سياسي "إسرائيلي": الضغط العسكري لن يعيد الأسرى وهذا ما سيحدث في حال قررت الحكومة البقاء في محور "نتساريم"!
ونشرت القناة 12 العبرية اعترافًا بعد مقتل عددٍ من الجنود في محور الرعب والموت، وقالت، " حاول الجيش توسيع محور "نتساريم" لكنه دفع ثمنًا باهظًا بعد مقتل عدة جنود.
وعقب تنفيذ القسّام "كمين نتساريم" في 20 حزيران/أغسطس 2024، والذي أدى إلى مقتل ضابط وجندي وإصابة 8 آخرين بفعل إطلاق قذائف الهاون تجاه مجموعة من الجنود، علّقت "معاريف" على أن الهاون أصبح يشكل حدثًا يوميًا في منطقة ممر نتساريم، وأن الجنود يعيشون كابوسًا اسمه "الهاون".
صحيفة عبرية تكشف: جنودنا يعيشون كابوس "الهاون" وهكذا نفّذت القسّام "كمين نتساريم"
وقالت الإذاعة العبرية، إن حماس تطلق قذائف الهاون على مدار اليوم عدة مرات على قوات الجيش في مناطق المعبر ومحور نتساريم، ومن الواضح أن كتائب القسام تعرف أين هي المواقع الثابتة لقوات الجيش وتعمل على استهدافها.