شهاب - تقرير
عام كامل مضى على حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، برز خلاله اسم معتقل "سدي تيمان"، والذي اشتهر المحققون فيه بالتنكيل الجسدي والجنسي بالأسرى الفلسطينيين من غزة حتى بات يطلق عليه "غوانتنامو إسرائيل"، في إشارة إلى المعتقل الأمريكي سيئ الصيت والسمعة.
ويقع سجن "سدي تيمان" في قاعدة عسكرية إسرائيلية بصحراء النقب على بُعد 30 كيلومترا من قطاع غزة باتجاه مدينة بئر السبع، وأنشأه جيش الاحتلال مباشرة بعد بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومؤخرًا، قدمت جمعيات حقوقية إسرائيلية، التماسًا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية لإغلاق هذا السجن على الفور، بسبب تراكم الأدلة حول ما يحدث في المعتقل من عمليات تعذيب للأسرى لا يمكن تصورها.
وأشارت إلى أن "العمليات الجراحية في المستشفى الميداني للسجن تجرى دون تخدير، واحتجاز المعتقلين لأيام في أوضاع قاسية وتكبيل أطرافهم بصورة أدت إلى بتر الأعضاء، وتعصيب العينين لفترات طويلة حتى أثناء تقديم العلاج الطبي وقضاء الحاجات، واحتجاز بعض المعتقلين تحت طائلة الضرب والانتهاكات".
من جانبها، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في أغسطس الماضي، عن استشهاد 44 أسيرًا فلسطينيًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة ما بين 7 أكتوبر و2 يوليو 2023.
وذكرت الصحيفة، أن هناك 16 حالة وفاة إضافية في صفوف الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، التي تدار بشكل منفصل عن المرافق العسكرية.
"اعتداءات جنسية"
وتعد جريمة اغتصاب عدد من جنود الاحتلال لشاب فلسطيني معتقل أحد أبرز الفظائع التي جرى تسريبها إلى وسائل الإعلام، فقد نشرت القناة 12 الإسرائيلية في أغسطس الماضي، فيديو يوثق جريمة اغتصاب نفذها خمسة جنود ضد شرطي فلسطيني من وحدة مكافحة المخدرات، تم اعتقاله من مخيم جباليا واحتجازه في سجن سديه تيمان.
وفقًا للقناة، يُظهر التوثيق أسرى من غزة ممددين على الأرض وعيونهم مغطاة، وقام جنود خدمة الاحتياط من القوة 100، المكلفة بحراسة منشأة سديه تيمان، باقتياد الشرطي من زاوية المنشأة وهم مدركون لوجود الكاميرات الأمنية، ثم حاولوا إخفاء الاعتداء الجنسي باستخدام الدروع، قبل أن يتم نقل الأسير الغزّي إلى المستشفى بعد ساعات من الاعتداء وهو في حالة نزيف، حيث وصفت جراحه بالخطيرة جدًا.
وفي 19 حزيران/ يونيو الماضي، كشف المحامي خالد محاجنة، عن مشاهد مروعة تتعلق بتعذيب إسرائيلي ممنهج في معتقل سديه تيمان، خلال زيارته للصحفي محمد عرب.
وبحسب محاجنة، فإن الاحتلال الإسرائيلي ينكل بأسرى غزة، ليست فقط من أجل الحصول على اعتراف أو انتزاع معلومات منهم، بل فقط لأنهم من القطاع، بل بهدف الانتقام منهم وتحميلهم المسؤولية عما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وروى الصحفي محمد عرب للمحامي محاجنة تفاصيل تتعلق بالاعتداءات الجنسية على الأسرى، حيث قال إن هناك حالات اغتصاب وحالات تنكيل بالأسرى الفلسطينيين. مشيرًا إلى أن ستة أسرى تعرضوا لاعتداءات جنسية من الجنود الإسرائيليين بشكل مباشر أمام أعين باقي الأسرى، كما أن 6 آخرين استشهدوا أثناء التعذيب.
وأكد محاجنة على أن الاعتداءات الجنسية، ينفذها جنود جيش الاحتلال أمام الأسرى جميعهم وفي ساحة معسكر الاعتقال "سديه تيمان".
وفي زيارة أخرى للصحفي عرب، بعد حوالي شهر من الزيارة الأولى، في أعقاب نقل عرب إلى سجن عوفر، أشار محاجنة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهج سياسة الاغتصاب بحق الأسرى الفلسطينيين للانتقام منهم، موضحًا أن الاغتصاب يكون بوسائل جدًا صعبة ولا يمكن للعقل أن يتخيلها أو يتوقعها.
وحسب رواية الصحفي عرب، فقد تم اغتصاب شاب من قطاع غزة يبلغ من العمر 27 عامًا بإجباره بالنوم على بطنه وجعل الكلاب البوليسية تهجم عليه، ومن ثم اغتصابه بواسطة مطفأة الحرائق.
وأضاف أن "معتقل آخر تم تعريته بشكل كامل، وضرب مؤخرته وأعضائه التناسلية بصعقات كهربائية، إلى جانب أساليب أخرى استخدمت للاعتداء على الأسرى جنسيًا، من الصعب شرحها".
"اعترافات طبيب"
وفي تحقيق نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، اعترف طبيب عمل في مستشفى سديه تيمان، أن الظروف الصحية للمعتقلين مروعة، وكان المرضى مقيدين بأصفاد حديدية قديمة إلى الأسرة، ومربوطين بأيديهم وأرجلهم، مما يسبب لهم الألم والمعاناة. وبعضهم كان يعاني من إصابات خطيرة مثل جروح ناتجة عن الرصاص، وقد تم نقلهم إلى هذه المنشأة بعد وقت قصير من الجراحة، بينما كان من الضروري أن يتلقوا العناية في وحدة العناية المركزة. بدلاً من ذلك، وُضعوا في خيمة في وسط الصحراء، وهو ما يعادل التعذيب من دون مبرر طبي، بحسب الطبيب.
وقال إن المرضى كانوا يعانون من أوضاع غير إنسانية، حيث كانوا مكبّلين ومربوطين وعاجزين عن الحركة أو التحدث، وفي بعض الحالات كانوا يعانون من التهاب الدم الحاد أو حالات طبية حرجة.
وأكد أنه كان يُفترض أن يتم علاج هؤلاء المرضى في منشآت مجهزة بشكل ملائم، لكن بدلاً من ذلك، وُضعوا في ظروف بالغة القسوة، تفتقر إلى أدنى معايير الرعاية الطبية، مما يشير إلى أنه تم التعامل معهم كأدوات وليست ككائنات بشرية.
"شهادات حقوقية"
من جانبه، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إنه وثق شهادات 100 معتقل فلسطيني بعد إفراج الاحتلال عنهم، وقد أظهرت هذه الشهادات صنوفًا من التعذيب النفسي والجسدي العنيف الذي يتعرض له الأسرى من قطاع غزة أثناء اعتقالهم لدى الاحتلال، وبدون عرضهم على المحاكم.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي، أن شهادات المعتقلين المفرج عنهم أوضحت أن التعذيب يشمل تعرية الرجال والنساء بالقوة، والتفتيش العاري، وتقييد الأيدي والأرجال لوقت طويل، وتعصيب العيون، والقتل العمد، والقتل تحت التعذيب، والضرب العنيف، والصعق بالكهرباء، والشبح، والحرمان من الطعام والماء.
وأكد المرصد الأورومتوسطي، أن التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون يهدف إلى القتل وإحداث إصابات وإعاقات دائمة، ويشمل الحرمان من الرعاية الطبية.
وأبدى المرصد استغرابه لتجاهل المدعي العام للمحكمة الجنائية جرائم التعذيب التي ترتكبها "إسرائيل" بشكل منهجي وواسع ضد المعتقلين الفلسطينيين لدى إعلانه عن طلب إصدار مذكرتي إلقاء قبض على بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.
"توسعة السجن"
وعلى الرغم من مضي عام على إنشاء السجن وتصاعد المطالبات الحقوقية بإغلاقه، كشف تحليل صور أقمار صناعية للجزيرة مؤخرًا، عن توسعات جديدة داخل معتقل "سدي تيمان" التابع للقيادة الجنوبية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
كما بيّنت الصور زيادة ملحوظة في عدد القوات العسكرية الإسرائيلية الموجودة في السجن الذي يحتجز فيه آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة.
ويظهر في الصور أعمال هندسة وتوسع مكثفة وغير مسبوقة داخل هذا السجن سيئ السمعة، حيث يتعرض معتقلون فلسطينيون من غزة لتعذيب وإهمال طبي.