الكاتب/ عبد الناصر سلامة
لا جدال على أن الشهيد يحيى السنوار، زعيم حركة (حماس) الفلسطينية، هو الذي أنهى المسيرة العسكرية ليو آف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي، ومن المؤكد أنه سوف ينهي المسيرة السياسية لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، إلى مزبلة التاريخ هو الآخر، والسنوار رغم أنه قد فارق الحياة، إلا أنه هو الذي يقف خلف أزمة المجتمع الإسرائيلي، الذي من المنتظر أن ينتفض غدًا السبت تحديدًا، إلى الحد الذي تصعب مواجهته أمنيًا، في ضوء الأزمات المتفاقمة هناك.
يأتي ذلك في ظل انقسام غير مسبوق، في الداخل الإسرائيلي، راهن عليه أيضًا السنوار، في السابع من أكتوبر من العام الماضي، حينما بدأ عملية الطوفان، ليس ذلك فقط، بل راهن على نهاية ذلك الكيان الشيطاني، الذي يبرهن بشكل يومي، من خلال عمليات الإبادة في قطاع غزة، أنه بات جرثومة في الجسم الدولي ككل، وليس في المنطقة فقط، وهو الرهان الذي بات يؤتي أُكله، وتظهر بوادره في أنحاء العالم على المستويين الشعبي والرسمي، على الرغم من الدعم الأمريكي-الغربي اللامحدود للكيان.
إقالة نتنياهو لغالانت، مجرد حلقة في سلسلة من هذا النوع من السقوط، في بئر الفشل ومستنقع الخراب، الذي يحيط بالكيان الصهيوني من كل جانب، حيث يعيش المجتمع هناك ككل حالة من الخوف والرعب على مدار الساعة، انتظار الموت والصواريخ والمسيّرات ليلًا ونهارًا، تشييع الجنازات والبكاء والنحيب وخطب التأبين والوداع، إغلاق المدارس وتعطيل المواصلات وإيقاف المطارات، تدهور الصناعة والتجارة والسياحة والإنتاج بشكل عام، الأهم من كل ذلك حالة الانكشاف بين الطوائف العرقية المختلفة، التي كان يخشاها الكيان منذ إنشائه، ثم حالة الانكشاف السياسي والديني معًا، التي بدت الأخطر في هذه المرحلة.
إنها المقاومة الفلسطينية الباسلة، وصمود الشعب المؤزر، شعب الجبارين، الذي سطّر بطولات غير مسبوقة في تاريخ النضال والتحرر من الاحتلال جيلًا بعد جيل، انتظارًا لساعة الحسم، التي باتت الآن واضحة المعالم، تتحقق على ساحة المعارك، وداخل الكيان في آن واحد، يشهدها ويشهد لها العالم، بعد عام من التضحيات والدروس الجهادية والسياسية، التي حققت تغيرًا عالميًا كبيرًا تجاه القضية الأكثر عدلًا، والأشد ظلمًا في الوقت نفسه.
انقلاب فكري عالمي
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى ما ذكرته صحيفة “جيروزاليم بوست” حول نتائج استطلاع أجراه مركز الدراسات السياسية بجامعة هارفارد في الولايات المتحدة، أن 51% من الشباب الأمريكي بين 18 و21 عامًا، يرون أن الحل الأمثل والوحيد لإنهاء الصراع، هو إنهاء إسرائيل، وتسليم الأرض لأصحابها الفلسطينيين، وأن دولة الاحتلال هي المعتدية الآثمة، كما أن الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين طوال عقود مضت، هي سبب أحداث السابع من أكتوبر، فيما يعرف بـ”طوفان الأقصى”.
تجدر الإشارة إلى أن صحيفة “جيروزاليم بوست” المشار إليها، هي صحيفة يومية إسرائيلية، تصدر باللغة الإنجليزية، كانت قد صدرت في البداية، في فلسطين عام 1932، باسم (فلسطين بوست)، واستمرت على هذا النحو حتى عام 1950، فقامت سلطة الاحتلال بتغيير اسمها إلى الاسم الحالي، بما يتواءم مع طبيعة الاحتلال وسلسلة التدليس والتزييف في المجالات كلها، وهي تطبع في الوقت نفسه في عدد من الدول خارج إسرائيل، بما يشير إلى أن جرائم الاحتلال ما زالت شاهدة على العصر وكل العصور.
على أية حال، لا يمكن إغفال ذلك الانقلاب الفكري، الذي أحدثه “طوفان الأقصى” على كل الأصعدة الإسرائيلية والإقليمية والعالمية، بما يصب في نهاية الأمر نحو إنهاء حقبة سوداء في تاريخ البشرية، استمرت ما يزيد على سبعة عقود، على الرغم من عودة دونالد ترامب على رأس السلطة في الولايات المتحدة، وهو الأكثر تعصبًا للصهيونية، ذلك أننا أمام كيان يتحلل بالتفاعل من الداخل، أكثر من التفاعل الخارجي، بما يجعل من القنابل الذكية وحاملات الطائرات وطائرات الـ”بي 52″ ومنظومة صواريخ “ثاد”، واستخدام حق النقض في المحافل الدولية، بلا معنى ولا جدوى، وهو أقصى ما يمكن أن يقدمه ترامب من دعم، كما فعل جو بايدن من قبل.
حديث نهاية الكيان، كان حديثًا شعبويًا إسرائيليًا على مدار العام الماضي، وقد أصبح الآن حديثًا رسميًا بعد إقالة غالانت بشكل خاص، والنزول المكثف في الشارع هناك، الذي من المنتظر أن يتصاعد يومًا بعد يوم بفعل الاشتباك السياسي الداخلي من جهة، وضربات المقاومة الفلسطينية واللبنانية واستقبال مزيد من الجثث من جهة أخرى، ناهيك من المواجهة المرتقبة مع إيران تحت عناوين الرد، والرد على الرد، وهو ما يجعل من وجود الكيان أمرًا مكلفًا لترامب وللخزانة الأمريكية، التي يرى أنه تم إجهادها على جبهتي أوكرانيا وإسرائيل في آن واحد، في الوقت الذي يبدو فيه أن الاقتصاد والتعافي من الديون، هما قضيته الأولى، حسبما خاطب الناخب الأمريكي.
المتغيرات كبيرة، ولكن..
في الوقت نفسه، تشير التوقعات، إلى أننا سوف نشهد أزمة أمريكية-غربية، على خلفية الحرب الروسية مع أوكرانيا، وهي الحرب التي يدعمها الغرب بقوة سنويًا، بعشرات المليارات من الدولارات، بخلاف كل أنواع الأسلحة تقريبًا، إلى جانب الدعم الأمريكي الأكبر، وهو ما لا يروق لترامب، حيث موقفه المعلن في هذا الصدد، بضرورة وقف هذه الحرب التي يراها عبثية، دون الأخذ في الاعتبار ذلك الموقف الغربي.
ومن المؤكد أن تلقي هذه الأزمة بظلالها على وحدة الموقف الأمريكي-الغربي، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أو ما يتعلق منها بدعم الكيان الصهيوني من عدمه، خصوصًا عندما يسعى ترامب إلى ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، كما هو متوقع، حسبما طلبت منه، ماريام أديلسون، أرملة الملياردير اليهودي الراحل، شيلدون أديلسون، التي عرضت ذلك، مقابل أن تكون أكبر متبرعة لحملة ترامب الانتخابية، مستغلة في ذلك الأزمة التي كان يعانيها ترامب في جمع التبرعات، إلا أنه رغم ذلك، على خلاف ما يعتقد البعض، لن ينساق خلف رغبات نتنياهو في الإبادة واستمرار الحرب، وذلك لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى.
نحن إذن أمام متغيرات كبيرة على ساحة الأحداث الساخنة، قد يكون ظاهرها مزيدًا من السخونة في المستقبل القريب، وهو أمر طبيعي، إذا كانت قد حانت ساعة الحسم، نحو انتصار واضح، كما هو الحال على الجبهة الروسية، أو السقوط الأخلاقي، والانزلاق للهاوية، كما هو حال المجتمع الإسرائيلي، إلا أن المؤكد هو أن تأثير الأحداث في الأنظمة العربية، سوف يكون مباشرًا وقويًا، مع الوضع في الاعتبار ما أكد عليه نتنياهو منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، من أن الأنظمة العربية سوف تسقط إذا سقطت إسرائيل، إلا إنه بالتأكيد لم يضف أنها أيضًا سوف تسقط إذا سقطت القضية الفلسطينية، بما يعني أن حالة الانبطاح الرسمية العربية، أو حتى حالة الصمت، ليست في صالح الأنظمة العقيمة في الأحوال كلها.