خاص _ شهاب
أزمة الدقيق تعود للواجهة من جديد، في شمال قطاع غزة ووسطه وجنوبه، بطون الصامدين على أرضهم تقرع، والمجاعة تعود لتنتشر بين أوساط النازحين، تعددت أسباب المجاعة والسبب واحد؛ تجويع الشعب الفلسطيني بكافة الطرق من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ليواصل حرب الإبادة الجماعية التي يشنها منذ أكثر من عام بحق الفلسطيني.
تشتد المجاعة على أكثر من مليوني فلسطيني في جنوب القطاع وشماله منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، جراء قيود الاحتلال في معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد بالقطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، علاوة على استمرار احتلال معبر رفح التجاري منذ اجتياح المعبر في السادس من مايو/أيار الماضي.
سياسية التجويع يمارسها الاحتلال بكل قوة منذ بداية الحرب حتى هذه اللحظة مستخدما أدواته من اللصوص والخارجين عن القانون، ضاربًا بعرض الحائط كل القوانين والمواثيق الدولية التي أقرتها، ليعود شبح المجاعة يلاحق الغزيين أينما حلوا وارتحلوا.
دقيق فاسد
في ظل استمرار أزمة المساعدات الإنسانية التي لا تدخل قطاع غزة في جنوبه وشماله إلا الفتات، يضطر النازحون وسط وجنوبي القطاع لاستخدام الدقيق الفاسد والمليء بالديدان والسوس لإطعام أطفالهم، في ظل انعدام المساعدات وإغلاق المعابر أمام البضائع والسلع الأساسية وفي مقدمتها الدقيق.
وتقول السيدة الفلسطينية أم محمود العايدي، إن "الدقيق الذي يباع في الأسواق رديء ومليء بالسوس، لو لم نبتاعه لن نستطيع إطعام أطفالنا".
وتضيف أم محمود، خلال حديثها لوكالة شهاب للأنباء، "نحن مضطرون لعجن هذا الدقيق السيئ في ظل عدم توفر أي كميات جديدة، وظهور بوادر أزمة حقيقية في الدقيق بسبب النقص الحاد جراء إغلاق المعابر".
وتابعت حديثها، "في حال توفر كميات من الدقيق الجيد في الأسواق فإن أسعارها مرتفعة جدًا مع عدم قدرة المواطن الفلسطيني على شرائه، ونحن مضطرون لاستخدام الدقيق الفاسد لعدم قدرتنا على شراء الجيد المتوفر بكميات محدودة جداً وبأسعار باهظة".
وتلجأ أم محمود، إلى خلط الدقيق بالزعتر ومن ثم خبزه، لإضفاء نكهة جيدة ومذاق أفضل من المذاق الحقيقي الذي يؤكد أن الدقيق فاسد، ولا يستطيع الأطفال تقبله.
أزمة متواصلة
لا يختلف المشهد كثيرًا وسط القطاع عن الوضع جنوبا، فالأزمة واحدة، والمواطنون الراغبون في الحصول على الخبز يتكدسون أمام أبواب مخبز "البنا" الآلي الموجود في مدينة دير البلح.
المواطن محمود شقورة يقف على باب مخبز البنا منذ ساعات الصباح الباكر من أجل الحصول على ربطة خبز لأطفاله، وعدم شرائها بأسعار باهظة من السوق السوداء حسب حديثه.
ويقول شقورة خلال حديثه لوكالة "شهاب" إن الوضع الذي يمر به النازح الغزي صعب جدًا بحيث لا يجد أدنى مقومات الحياة حاليًا، وهو الدقيق بسبب إغلاق المعابر وتعميق الأزمة الإنسانية، موضحًا أن عددا كبيرا من المواطنين يقفون على طابور المخبز من أجل الحصول على الخبز لعدم توفر الدقيق لديهم.
وأوضح أن المجاعة بدأت في وسط وجنوب قطاع غزة، وبدأ النازحون يشعرون بها بشكل كبير، مؤكدًا أن النازح لا يوجد لديه مكان من أجل تخزين الدقيق، فهو يعيش في خيام ويعتمد على الخبز بشكل يومي.
وبين شقورة أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" لا يوجد لديها دقيق لتقوم بتوزعه على النازحين، مبينًا أن الشاحنات التي تدخل القطاع إما تسرق أو بكميات قليلة لا تكفي للناس.
سياسة تجويع
من جهته، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إن وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع يواجه عراقيل كبيرة منذ مطلع الشهر الجاري.
ويضع المكتب الإعلامي الحكومي هذه العراقيل في إطار ما يسميها "سياسة التجويع" التي ينتهجها الاحتلال، وبسببها اختفت غالبية السلع والبضائع من الأسواق في جنوب القطاع وشماله، وارتفعت الأسعار على نحو كبير، واستحكمت أزمة الخبز، التي يرجعها مدير عام المكتب إسماعيل الثوابتة لمنع الاحتلال إدخال شاحنات الدقيق التابعة لأونروا.
ويقول الثوابتة، لوكالة "شهاب" إن "الاحتلال منع إدخال أكثر من رُبع مليون شاحنة مساعدات وبضائع منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، في إطار تعزيز سياسة التجويع واستخدامها كسلاح حرب ضد المدنيين".
وتفاقمت الأوضاع على نحو خطير خلال الشهر الجاري، جراء إحكام الاحتلال الإغلاق التام لجميع المعابر والمنافذ الإنسانية التي كانت تدخل منها بعض المساعدات الإنسانية والبضائع.
ومنذ توغل الجيش "الإسرائيلي" الثالث بمحافظة الشمال في 5 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يعاني سكان غزة والشمال من "مجاعة" في ظل شح شديد فرضته إسرائيل على إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود ما تسبب في وفاة عدد من الأطفال وكبار السن.
ويتواصل التوغل والقصف "الإسرائيلي" لمناطق مختلفة من محافظة شمال غزة بالتزامن مع استمرار مساعي الجيش لإفراغ المنطقة من ساكنيها عبر التجويع والإخلاء والتهجير القسري.
وبدعم أمريكي، تشن "إسرائيل" منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، حرب إبادة جماعية على غزة خلفت أكثر من 143 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
ويواصل الاحتلال هذه الحرب متجاهلا قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة