إعلان عبَّاس "الدُّستوريِّ" وخليفته "المؤقَّت".. إصلاحات داخليَّة أم اشتراطات خارجيَّة؟ محلِّلون يجيبون

إعلان عبَّاس " الدُّستوريِّ " وخليفته " المؤقَّت ". إصلاحات داخليَّة أم اشتراطات خارجيَّة؟ محلِّلون يجيبون

تشهد الساحة الفلسطينية نقاشات وجدل وتفسيرات متباينة بشأن أهداف وتداعيات ومدى قانونية "الإعلان الدستوري" الذي أصدره رئيس السلطة في رام الله محمود عباس (89 عامًا) الأربعاء، وأثار تحذيرات من احتمال تعزيز الانقسام الفلسطيني.

وأصدر عباس، مساء  الأربعاء، إعلاناً دستورياً يقضي أنه في حال شغور مركز رئيس السلطة، يتولى مهامه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مؤقتاً لحين إجراء الانتخابات الرئاسية وفق قانون الانتخابات الفلسطيني، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية.

ويتضمن الإعلان الدستوري: "إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في حالة عدم وجود المجلس التشريعي، يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً، لمدة لا تزيد على تسعين يوماً، تجري خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني، وفي حال تعذر إجراؤها خلال تلك المدة لقوة قاهرة تمدد بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لفترة أخرى، ولمرة واحدة فقط".

ما هو المجلس الوطني الفلسطيني؟

يمثل المجلس الوطني الفلسطيني السلطة العليا للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وهو الذي يضع سياسات منظمة التحرير الفلسطينية ويرسم برامجها؛ من أجل "إحقاق الحقوق الوطنية المشروعة، والمتمثلة في العودة والاستقلال والسيادة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس."

ومن مهامه، يقوم المجلس الوطني بوضع السياسات والمخططات والبرامج لمنظمة التحرير الفلسطينية وأجهزتها، وبحث التقرير السنوي الذي تقدمه اللجنة التنفيذية عن إنجازات المنظمة وانتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وتعديل النظام الأساسي للمنظمة والميثاق الوطني.

يذكر أن المجلس الوطني في دورته الأخيرة عام 2018 فوض المجلس المركزي بجميع صلاحياته.

أين مكامن الجدل في إعلان عباس؟

تنص المادة رقم 37 من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 أن مركز رئيس السلطة الوطنية يعتبر شاغراً في أي من الحالات الآتية: الوفاة، أو الاستقالة المقدمة إلى المجلس التشريعي الفلسطيني إذا قبلت بأغلبية ثلثي أعضائه، أو فقد الأهلية القانونية وذلك بناء على قرار من المحكمة الدستورية العليا وموافقة المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي أعضائه.

وإذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات السابقة يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمدة لا تزيد عن 60 يوماً تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني.

وتم حل المجلس التشريعي في 23 من ديسمبر 2018، عقب صدور قرار يقضي بذلك من المحكمة الدستورية العليا.

ويشار إلى أن عزيز دويك وهو رئيس المجلس التشريعي السابق معتقل منذ بداية الحرب ثم أفرج عنه في الأسابيع الأخيرة وعاودت القوات الإسرائيلية اعتقاله من منزله في مدينة الخليل.

وتقول المادة ١٢٠ من القانون الأساسي: "لا تعدل أحكام هذا القانون الأساسي المعدل إلا بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني."

لخلط الأوراق

من الناحية القانونية، قال المحامي الفلسطيني صلاح علي موسى إن إعلان عباس"يمثل نسفا لأبسط القواعد الدستورية التي استقرت عليها المنظومة الدستورية في الأنظمة السياسية في العالم".

وتابع، في مقال له، أن الإعلان الدستوري "أسس لنقل الحكم بطريقة غير دستورية لموقع ليس له أي شرعية قانونية وفقا للقانون الأساسي الفلسطيني (…) وأسس لحجب الحق في اختيار الشعب الفلسطيني لرئيسه عن طريق صندوق الاقتراع".

وأضاف، أن "الإعلان الدستوري يشير إلى أن من سيشغل منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية هو رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، وهذا يرسل رسائل قانونية وسياسية، تتعلق بمن سيكون فقط رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية، وليس رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وليس رئيسا لدولة فلسطين".

وخلص إلى، أن "الإعلان الدستوري هو بمثابة تعديل على القانون الأساسي الفلسطيني، ولا يجوز أن يعدل إعلان دستوري قانونا أساسيا (…) ولا يمكن للرئيس أن يعدل القانون الأساسي".

ومن جانبه، يقول المحلل السياسي عمر عساف إن الإعلان "غير دستوري، لأن الرئيس نفسه يفتقد لأي شرعية قانونية أو توافقية أو نضالية أو انتخابية، إنما يستمد شرعيته من الدعم الخارجي والأمن والإعلام والدعم العربي الرسمي".

وينتخب الرئيس -وفق القانون الأساسي الفلسطيني- مباشرة من الشعب لمدة 5 سنوات يجوز تجديدها لمرة واحدة، وينظم قانون الانتخابات أحكام انتخابه. وأجريت آخر انتخابات فلسطينية عام 2005 فاز فيها الرئيس عباس.

وعن تفسيره لصدور الإعلان في هذا الوقت، طرح عساف عدة تقديرات، في مقدمتها وضع الرئيس الصحي "المتدهور أصلا، وقد يتعرض لضغوط بضرورة تهيئة الوضع السياسي لمنع أي تنازع مستقبلي مع رئيس المجلس التشريعي باعتباره الأحق بالمركز في حال شغور منصب الرئيس".

وأشار إلى، أن حل المجلس التشريعي "جاء من خلال محكمة شكلت أصلا لهذه الوظيفة"، وبالتالي وتجنبا لأي تنازع جاء الإعلان.

التقدير الآخر، وفق عساف، هو أن الإعلان الدستوري "جاء في سياق ترتيبات بين التيارات والرؤى والتباينات داخل صفوف حركة فتح التي يرأسها الرئيس".

ولم يستبعد أيضا أن يكون الإعلان قد جاء في إطار الحديث عن اليوم التالي في غزة "وهناك حديث عن ضغوط أميركية وإسرائيلية وعربية لإصدار مرسوم بتشكيل اللجنة الإدارية التي تريدها واشنطن في القطاع".

ويتابع المحلل الفلسطيني أن الإعلان وبغض النظر عن مبرراته وسياقاته يصب في خانة "استمرار إدارة الظهر وتغييب الشعب عن المشاركة في انتخاب من يقوده ويكون مسؤولا عنه، في ظل استطلاعات لا تعطي الرئيس وفريقه إلا نسبا ضئيلة جدا".

يلفت عساف إلى خلط للأوراق بين المنظمة والسلطة "لأن المفترض أن يتولى رئاسة السلطة هو رئيس المجلس التشريعي" كمؤسسة من مؤسسات السلطة وليس المجلس الوطني المنبثق عن المنظمة.

وخلص إلى أن الغاية القصوى هي "أن يظل فرد أو مجموعة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تسيطر على القرار الفلسطيني، بعيدا عن القوى والفعاليات والمؤسسات وأي مشاركة شعبية".

 انتقال للسلطة

وفق الخبير في الشأن الفلسطيني جهاد حرب، فإن الرئيس عباس يفكر في عملية انتقال السلطة في حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية، ووفق القانون يكون رئيس المجلس التشريعي رئيسا مؤقتا للسلطة، ولكن بعد حله لا توجد آلية واضحة لانتقال السلطة.

وقال "حرب"، للأناضول إن "الرئيس ذهب إلى السلطة التشريعية الموالية له، وهي المجلس الوطني".

ورأى أن "الإعلان محاولة لكي لا يكون هناك فراغ في رئاسة السلطة (...) وهذا الإعلان تعديل للمادة 37 من القانون الأساسي ويمكن وصفه قرارا لتعديل القانون وليس إعلانا".

"حرب"، أضاف أن هذا "الإعلان سيثير نقاشا حادا بين أطراف الانقسام؛ فتح وحماس، وسيغير طبيعة السلطة لأنه جاء بمنصب من خارج السلطة، أي من منظمة التحرير، ووفق ما هو متعارف فإن المجلس الوطني أعلى من المجلس التشريعي".

و"ما جرى هو خلط بين المؤسستين (المنظمة والسلطة) ونظامين قائمين، وهذا سيخلق إرباك مستقبلا"، كما أضاف "حرب".

استكمال إصلاحات

أما مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات، فرأى أن "هذا الإعلان في هذا التوقيت يعطي مجموعة من المؤشرات، أولاها استكمال ما أُعلن عنه سابقا من بدء الإصلاحات وتجديد السلطة الفلسطينية، والتي كانت واحدة من المطالب الدولية مع بعد السابع من أكتوبر".

وفي السياق، نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مصادر فلسطينية وصفتها بالمقربة أن الإعلان الدستوري من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بتعين خلفا له في حال شغور منصبه لحين اجراء الانتخابات الرئاسية وفق قانون الانتخابات الفلسطيني، يأتي بعد ضغوط كبيرة عليه لإعلان استقالته.

وأوضح المصدر وفقًا للصحيفة الإسرائيلية بأن عباس تعرض لضغوط كبيرة لإعلان استقالته أو تحديد من سيحل محله في حالة فشله في القيام بمهامه، في إشارة إلى مستقبل الحكم في قطاع غزة.

وبالعودة إلى مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات، يردف: "حيث تم تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة محمد مصطفى، وهذه الخطوة (الإعلان) استكمالية بما يتعلق بمؤسسة الرئاسة باعتبار هذه المؤسسات المرجعيات الرئيسية للسلطة الفلسطينية".

وتتصاعد منذ أشهر ترتيبات وخطط وتكهنات بشأن طبيعة الحكم في قطاع غزة بعد انتهاء حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بدعم أمريكي.

والأمر الثاني، حسب بشارات، أن "هناك تصاعدا في حدة الاستقطابات داخل أقطاب السلطة الفلسطينية وفتح في السنوات القليلة الماضية حول خليفة الرئيس".

وأردف أنه "على إثرها أيضا تم انتخاب نائبا لرئيس حركة فتح، وهو محمود العالول، بهدف ترتيب البيت الداخلي الفتحاوي والبيت الداخلي للسلطة الفلسطينية لمرحلة ما بعد الرئيس عباس".

واستطرد: ويحدث هذا "سواء أكان ذلك متعلقا بوضعه الصحي أو محاولة عدم ترك فراغ يمكن أن يمهد للدخول بحالة من الجدال أو الصراع الداخلي في حال غيابه لأي من الأسباب".

بشارات، اعتبر أن "هذه الإجراءات لقطع الطريق على إمكانية أن يكون هناك فراغا سياسيا ودستوريا للسلطة الفلسطينية في أي مرحلة مقبلة، خصوصا ما بعد حل المجلس التشريعي".

وأشار إلى "الاشتراطات الدولية كواحدة من الاشتراطات لاستمرار الدعم للسلطة الفلسطينية، والتي كانت تدفع باتجاه ضرورة إجراء إصلاحات، وقد يكون واحدة من هذه الاشتراطات الذهاب بهذه الخطوة"، في إشارة إلى ما تضمنه الإعلان.

وأردف: "وإذا أخذنا بعضا مما سُرب بوسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الرئيس الفلسطيني قد يكون تعرض لضغوط دولية وإقليمية وربما عربية في إطار الإسراع بهذه الخطوة".

وهذه الخطوة "تمهد لأي ترتيبات سياسية مقبلة، خصوصا مع قدوم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب (يناير/ كانون الثاني 2025)، والذي قد يسعى إلى تقديم مسار سياسي شاما للقضية الفلسطينية بعد الحرب على غزة يرتكز على بناء هيكلية فلسطينية جديدة تتناغم والمنظور الدولي"، وفق بشارات.

غير أنه استدرك: هذا الإعلان سيضيف مزيدا من الغموض على مستقبل الواقع السياسي الفلسطيني والعلاقة الفلسطينية الداخلية بين السلطة كمظلة سياسية وبين منظمة التحرير كمرجعية لها".

وأضاف: "وكذلك العلاقة بين السلطة والأحزاب الفلسطينية، ابتداء من حركة فتح التي تعتبر منخرطة بشكل كامل في السلطة أو إمكانية إدماج حركتي حماس والجهاد الإسلامي مستقبلا في النظام السياسي، إذا ما تم التوصل إلى تفاهمات سياسية لمرحلة ما بعد الحرب على غزة".

ينص القرار على أن رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سيتولى مهام رئيس السلطة الوطنية مؤقتًا لمدة أقصاها 90 يومًا، يتم خلالها إجراء انتخابات حرة ومباشرة لاختيار رئيس جديد.

في حال تعذر إجراء الانتخابات بسبب ظروف قاهرة، يُمدد العمل بهذا الترتيب لفترة أخرى لمرة واحدة فقط بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني.

من هو روحي فتوح ؟

  • وُلد في قرية برقة عام 1949 وانتقل مع أسرته إلى مدينة رفح بعد نكبة 1948.
  • تلقى تعليمه الأساسي في مدارس الأونروا، وأكمل الثانوية العامة في الأردن، ثم حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة دمشق عام 1979، والماجستير في العلوم السياسية عام 2002.
  • انضم إلى حركة فتح عام 1968، وعمل في مواقع قيادية داخل الحركة، حيث شغل مناصب عدة، أبرزها أمين سر تنظيم فتح في سوريا وعضو الهيئة التنفيذية لاتحاد طلبة فلسطين.
  • عاد إلى فلسطين بعد اتفاقيات أوسلو، وأصبح مشرفًا على تنظيم فتح، وتقلد عدة مناصب وزارية وبرلمانية.

مناصب سياسية تولاها روحي فتوح

  • وشغل روحي فتوح عدة مناصب سياسية في السلطة الفلسطينية والتي جاءت على النحو التالي:
  • أصبح عضوا في المجلس التشريعي منذ انتخابات 1996.
  • وانتخب رئيسًا للمجلس التشريعي عام 2004.
  • تولى رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية مؤقتًا عام 2004 عقب وفاة الرئيس ياسر عرفات، قبل انتخاب محمود عباس رئيسًا.
  • تورط فتوح في فضيحة فساد في عام 2008 عندما تم القبض عليه عند معبر اللنبي بين الأردن وإسرائيل وبحوزته 3000 هاتف محمول في سيارته. وبحسب صحيفة جيروزاليم بوست ، فإن فتوح كان يقوم بتهريب الهواتف، التي تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدولارات ، واستخدم بطاقة VIP التي أصدرتها له "إسرائيل" لتسهيل مروره عبر المعبر مع الهواتف. ونفى فتوح الاتهامات الموجهة إليه وقت الحادث، وألقى باللوم على سائقه في محاولة تهريب الهواتف.
  • ينظر إلى فتوح، وهو عضو في الجيل المؤسس للسلطة الفلسطينية، على أنه "شخصية منخفضة المستوى". ويفسر قرار عباس على أنه جهد لتجنب صراع الخلافة، وخاصة مع شخصيات رئيسية مثل أمين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ وكبار أعضاء فتح جبريل الرجوب ومحمود العالول.
  • انتُخب رئيسًا للمجلس الوطني الفلسطيني في فبراير 2022.
  • وفي عام 2022، قال المحلل في صحيفة هآرتس جاك خوري إن فتوح يُنظر إليه على أنه "بليد ويفتقر إلى النفوذ السياسي أو القدرة على الحكم الفعلي" أثناء النظر في خلفاء محتملين لعباس، وهو توصيف تسبب في غضب الدوائر السياسية الفلسطينية والنخبة الحاكمة.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة