تشير عمليات المقاومة إلى دخولها مرحلة الاستنزاف التي تحاول من خلالها تعويض الفارق الكبير في موازين القوى بينها وبين جيش الاحتلال.
وبالنظر لقدرات المقاومة المحدودة في جباليا التي تعرضت لأكثر من عملية إسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن تنفيذ عمليات تفخيخ متواصلة في الوقت الراهن يعني أنها جزء من تجهيز مسبق لمسرح العمليات.
ويقول الخبير العسكري العقيد حاتم الفلاحي إن قدرة المقاومة على تنفيذ عمليات في جباليا شمالي قطاع غزة الذي يتعرض لعملية إسرائيلية واسعة منذ 70 يومًا، تعكس تحول هذه المنطقة إلى بؤرة استنزاف لجيش الاحتلال.
وفي تحليل للمشهد العسكري في القطاع، أكد الفلاحي أن الألوية الثلاثة الإسرائيلية التي تقاتل في جباليا تعتبر قوة كبيرة جدا على هذه المساحة الصغيرة ومع ذلك فإن المقاومة قادرة على التسلل والتحرك وتفخيخ المنازل.
ويمكن لهذه القوة الإسرائيلية تدمير منطقة جباليا بشكل كامل، لكنها عاجزة عن إنهاء وجود المقاومة التي صعّدت من عملياتها خلال الأيام الأخيرة وبطريقة تتطلب إعدادا مسبقا ودقيقا، برأي الفلاحي.
هل أضافت عملية الاحتلال بجباليا شيئا لأهداف الحرب الإستراتيجية؟
يرى الخبير العسكري، أن العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة لم تضف شيئًا للأهداف الإستراتيجية التي أعلنتها "تل أبيب" في حربها على القطاع.
وأوضح الفلاحي، أن عملية جباليا المستمرة منذ أكثر من 83 يوما لم تتوصل إلى الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، ولكنها فصلت مناطق شمالي القطاع عن مدينة غزة.
ومن جهة أخرى، رغم الإمكانيات والقدرات التي يملكها جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإنه يفشل استخباراتيا وتنجح فصائل المقاومة الفلسطينية في نصب الكمائن له في مختلف المناطق، وآخرها في غرب مخيم جباليا شمالي قطاع غزة.
وبحسب الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي، فإن الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي يظهر من خلال عجز قوات الاحتلال الموجودة في منطقة جباليا في حماية الجنود الذين استهدفهم مقاتلو كتائب القسام.
وأعاد العقيد الفلاحي التذكير بما قاله في تحليلات سابقة بأن الإمكانيات والقدرات التي تمتلكها فصائل المقاومة في حرب العصابات تجعلها تختلف عن الجيوش النظامية من حيث الحركة والتسلل والوصول إلى الهدف، بالإضافة إلى المتابعة والرصد.
التركيز على جمع المعلومات
ومن جهة أخرى، قال الخبير العسكري العقيد ركن حاتم الفلاحي إن المواجهة بين المقاومة وجيش الاحتلال تحولت إلى حرب استخبارية بالدرجة الأولى، وذلك بسبب سعي "إسرائيل" لتقليل خسائرها.
وفي تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة، أوضح الفلاحي أن الجيش الإسرائيلي يحاول تقليل خسائره من خلال تنفيذ عمليات محدودة في مناطق معينة بناء على ما يتم جمعه من معلومات.
وخلال الفترة الماضية، أجرى لواء الجنوب العديد من العمليات التي عالجت بعض الأهداف العسكرية بما فيها كشف نفقين بطول كليومترين اثنين، حسب ما أعلنه جيش الاحتلال.
وحاليا، يركز الاحتلال على محاولة جمع معلومات تساعده على تحقيق تقدم في ملف الأسرى الذي لم ينجح في إنهائه خلال 15 شهرا من الحرب، حسب تعبير الخبير العسكري.
ولتحقيق هذا الهدف، يعتمد جيش الاحتلال بشكل كبير على المسيّرات لجمع المعلومات بينما تحاول المقاومة إسقاط أو إنزال أكبر عدد منها، كما يقول الفلاحي.
ويأتي استهداف المسيّرات الإسرائيلية في سياق العمليات المتواصلة التي تقوم بها فصائل المقاومة ردا على قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تقوم بمجازر وإبادة في قطاع غزة المحاصر.
وخلال الأيام الماضية، نفذت فصائل المقاومة العديد من العمليات النوعية ضد قوات الاحتلال، مما أسفر عن مقتل عدد من الجنود والضباط.
وزادت المقاومة من تنفيذ الأكمنة المعدة مسبقا والتي كان آخرها كمين "صيد الثعابين" الذي نفذته في دوار التعليم شمالي القطاع وأدى لمقتل ضابط وجنديين وأصابة 3 آخرين.
وأمس الخميس، أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، استهداف مقاتليها قوة إسرائيلية راجلة قوامها 7 جنود بعبوة شديدة الانفجار في مخيم جباليا، مؤكدة إيقاع جميع أفرادها بين قتيل وجريح.
كذلك أعلنت القسام عن استهداف قوة هندسية إسرائيلية بقذيفة "تي بي جي" المضادة للتحصينات خلال تقدمها لنسف عدد من المنازل غربي مخيم جباليا.
وكان جيش الاحتلال قد أعلن في 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بدء عملية عسكرية جديدة في شمال القطاع، بذريعة "منع حركة حماس وفصائل المقاومة من استعادة قوتها في المنطقة".
ومنذ ذلك الوقت، قُتل 35 جنديا وضابطا من الجيش الإسرائيلي في المعارك داخل المخيم وحوله وجُرح المئات منهم، وفق محلل الشؤون العسكرية بصحيفة "هآرتس".
وتعد هذه المرة الثالثة التي يجتاح فيها الجيش الإسرائيلي مخيم جباليا، بعد المرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2023، والثانية في مايو/أيار الماضي.
وأواخر الشهر الماضي، قالت القناة الـ13 الإسرائيلية إن القتال في مخيم جباليا وبيت لاهيا شمالي القطاع "ضار وصعب"، وقدرت وجود نحو 200 مقاوم من حركة حماس في جباليا "يقاتلون حتى الموت".
وتساءلت صحيفة "معاريف" العبرية عن سبب عودة الجيش الإسرائيلي للمرة العاشرة أو أكثر إلى مدينة بيت حانون شمالي قطاع غزة، على الرغم من أنها كانت أول مدينة يدخلها منذ 7 أكتوبر 2023.
وقالت الصحيفة: "للمرة العاشرة أو أكثر، الجيش ينفذ عملية برية في بيت حانون شمال قطاع غزة، ورغم أن المنطقة هي الأولى التي دخلتها القوات قبل عام، وأصبحت فارغة من السكان إلا أن القوات تعرضت لكمائن وجنودنا يُقتلون هناك، كيف تمكنت حماس مرة أخرى من العودة إلى بيت حانون؟".
وأضافت الصحيفة: "قُتل ثلاثة جنود من الجيش الإسرائيلي وأصيب آخر بجروح متوسطة عندما أطلقت عليهم قنبلة ثقيلة غرب بيت حانون، ولسوء الحظ فإن القتال في هذه المنطقة يحصد العديد من الضحايا: قتل 38 جنديا حتى الآن في العملية في شمال غزة التي تدخل يومها الثمانين".
وأشارت إلى أن "بيت حانون هي بالفعل المكان الأكثر استراتيجية في قطاع غزة. تقع في الزاوية الشمالية الشرقية، قريبة جدا من سديروت، وفي الواقع فإن المدينة ليست قريبة فحسب، بل تقع على تلة تهيمن على المدينة وأيضا على خط السكة الحديد المؤدي إلى نتيفوت وأوفاكيم".
وأكدت أن "التهديد القادم من بيت حانون هو سبب توقف القطار عن العمل. بيت حانون قريبة جدا من إسرائيل لدرجة أن من الممكن إطلاق صواريخ مضادة للدبابات وقذائف هاون وحتى التهديد بإطلاق أسلحة رشاشة على دولة إسرائيل".
ولفتت إلى أن "هذه هي العملية العاشرة أو أكثر التي يقوم بها جيش الإسرائيلي هناك. وفي الواقع، نظرا لقربها من مراكزنا السكانية، فإن هذا هو المكان الأول الذي دخلته قواتنا في العملية البرية في أكتوبر 2023".
وأضافت "معاريف" أنه "في العملية الحالية، تم تحديد المدينة منذ أكثر من شهر بأنها خالية من السكان، وقد قام الجيش الإسرائيلي بإجلاء جميع السكان منها، وتفاجأ الكثيرون في إسرائيل عندما سمعوا أن البلدة ومنازلها لا تزال قائمة جزئيا على أساساتها ولم تلحق بها سوى أضرار طفيفة على الرغم من العمليات العديدة".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "على الرغم من أن العملية الحالية حققت إنجازا مهما واحدا، هو إجلاء جميع السكان من المدينة، إلا أن جنودنا لا يزالون يُقتلون هناك بعد شهر ونصف، فكيف يحصل ذلك؟".
وأضافت: "كيف تمكنت حماس مرة أخرى خلال العملية من العودة إلى بيت حانون؟ منذ حوالي أسبوعين فقط، قام الجيش الإسرائيلي بإخلاء البلدة القريبة، بيت لاهيا، بشكل شبه كامل. وداهم الجيش آخر مدرسة في البلدة حيث تحصن آلاف الأشخاص وأمروهم بالتحرك إلى شارع صلاح الدين. ومن هناك يتم الإخلاء إلى الجنوب وراء محور نتساريم".