بقلم: د. باسم نعيم
رئيس مجلس العلاقات الدولية ووزير الصحة الفلسطيني الأسبق
من المؤكد أن حجم العنف داخل الأسر في مجتمعنا الفلسطيني أكبر بكثير مما هو منشور وموثق رسمياً، بل ومن المؤكد أيضا أن نصيب المرأة منه كبير، ولكن لماذا تخصيص الحديث عن العنف ضد المرأة فقط؟ فمجتمعنا تحت الاحتلال، وفي ظل حصار خانق وانقسام مدمر، يتعرض لضغوطات هائلة، إقتصادية واجتماعية ونفسية وسياسية، وبدون أي فرص حقيقية للتفريغ، فنحن جميعا نعيش في سجن كبير. في مثل هذه الحالة، والتي طال أمدها، من المتوقع إرتفاع منسوب العنف المجتمعي عموما (في العمل، في المدرسة، في الحزب، في الشارع ... الخ)، والأسري على وجه الخصوص. ولكن لماذا يصر البعض على تخصيص المرأة في هذا الاطار؟ العنف الذي تتعرض له المرأة، سواء داخل الأسرة أو خارجها، مرفوضٌ جملة ًوتفصيلاً، وبأي شكل كان نفسيا أو جسديا، ولكنه جزء من حالة مجتمعية عامة، قد يكون نصيب الشرائح الضعيفة فيه أكبر. ولذلك هذا التخصيص، مع إحترامي، ليس بريئا، وللأسف هو يشّخص المشكلة جزئيا، ويطرح حلولا إما أنها مدمرة لأصل البناء المجتمعي دون طرح بدائل حقيقية مستندة لرؤية قادرة على إستيعاب تداعيات هذه الحلول، أو غير متناسبة مع ثقافة وعقيدة المجتمع مما قد يؤدي الى ردود فعل أكثر ضرراً. بينما قد يجادل البعض في هذه الجزئية بالذات، بيد أني أؤكد على كوننا مجتمعا شرقيا وهويته الحضارية بناها #الإسلام العظيم، وكلنا فخر بذلك، وهذا الواقع الحضاري لن يغيره محاولات بائسة هنا أو هناك لاستيراد حلول جاهزة من الشرق أو الغرب. ولكن هنا لابد من وقفة، فهل الدين هو المسؤول عن هذه الحالة من العنف المجتمعي؟ نقولها وبالفم المليان، لا ونكررها ألف مرة لا ثم لا. فبعد أن حددنا أعلاه بعض الأسباب المؤدية للعنف المجتمعي، نقول ليس ذنب الإسلام أن البعض يخلط بين عاداته المجتمعية البالية وقيم الإسلام العظيمة، فكثير مما يمارسه الناس اليوم ليس من الإسلام في شيء ولا يقبل به الدين الحنيف. والمقام هنا لا يتسع كثيرا لتعداد المعاني السامية والقيم الراقية التي جاء بها الاسلام في سياق الحديث عن الإنسان عموما، والأسرة والمرأة على وجه الخصوص، فقد توفي المصطفى (ص) وكان آخر كلامه "أوصيكم بالنساء خيراً"، وهو الذي يقول "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم" ويقول "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". هذا بعضٌ من منهجه (ص) في الرحمة والبر والحب بالمرأة وللمرأة، أمّاً وأختا وبنتاً وزوجة، كما قال تعالى "ما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين". نعم هناك مشكلة، وتحتاج إلى معالجة جذرية، ولكن العلاج يجب ان يكون: شمولياً لكل الحالة المجتمعية، منسجماً مع هوية المجتمع، يراعي التدرج والأهم ألا تكون أضراره أكبر من منافعه، ولا سيما أن أمامنا شواهدٌ كثيرةٌ من مجتمعات حاولت علاج بعض المشاكل التي تمر بها المرأة (هذا إن صحت الرواية والنوايا)، فماذا كانت النتيجة، هدم البنيان الأساس للمجتمع ولبنته الأولى "الأسرة"، وانكشاف المرأة تماما أمام تحديات كبيرة، لم تتمكن من معالجتها أو احتوائها، فدفعت أثمانًا باهظة من أمنها وسكينتها وحاجاتها الفطرية، بل وحتى من جسدها، لتتمكن من البقاء في هذه الغابة الموحشة، ودفع معها المجتمع كذلك فاتورة ضخمة من تماسكه وتراحمه وسكينته، وبدأت هذه المجتمعات، بكل مكوناتها ومقدراتها، في البحث عن حلول مكلفة جداً لتداعيات هذه السياسات والرؤى.
مرةً أخرى هناك مشكلةٌ تحتاج حلاً، ولكن لا يمكن أن يكون الحل مستورداً أو يفرض فرضاً على المجتمع بإرادات عليا، خاصة وأن الكثيرين ممن يتبنون هذه الرؤية، هم أكثر الناس حديثًا عن الديموقراطية والمشاركة المجتمعية، ولكن يبدو أن أجندات التمويل هذه المرة ليس لديها الوقت لانتظار التغيير البطئ من أسفل إلى أعلى، فاستقوى أصحاب هذا المنهج بأدوات، أقل ما يقال عنها أنها ديكتاتورية ولا تتمتع بأي شرعية وفاسدة بإمتياز، لن تفلح هذه المحاولات وفروا على أنفسكم التعب والجهد والتكاليف، ولا تكونوا كما قال الشاعر:
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنها**فلم يضرها وأوهى قرنه الوعلُ.
خالص التحية والتقدير والتكريم، اليوم وكل يوم، للمرأة التي نحبها ونجلها أمّا وأختًا وزوجاً وبنتاً وشريكة في مشوار الحياة بكل تفاصيله العامّة والخاصة.