زوبعة من التساؤلات أثيرت في الأيام الماضية بعد أن فقد الفتى سليم النواتي من غزة حياته في انتظار حقه بالعلاج من مرض السرطان على أبواب مستشفيات الضفة المحتلة.
أنظار المواطنين الغاضبين على مماطلة وزارة الصحة في رام الله بمنح "النواتي" موافقة عاجلة للحصول على تحويلة طبية تبقيه على قيد الحياة، تركزت بشكل مكثف حول مستشفى خالد الحسن لعلاج السرطان وزراعة النخاع بعد ست سنوات من الإعلان الرمسي عن انطلاقه ولم يرَ النور حتى اللحظة.
وكان الموت أسرع إلى النواتي من حوالة طبية، وبعد عمليات بحث حثيثة عن المستشفى، لم يجد أحد سوى حفريات الموقع.
وبحسب مزاعم وزارة الصحة في رام الله، فإنّ سبب عدم تنفيذ المشروع راجع "لعدم توفر الأموال اللازمة وبالتالي تم تجميده في الوقت الحالي، حيث تعمل الوزارة والحكومة على توفير الدعم المالي لإنشاء المركز.
وتعقيبا على مبررات وزارة الصحة، قال الناشط السياسي، أشرف بدر، إنه وبعد مرور 6 سنوات على جمع المال والعجز عن استكمال المبلغ المطلوب "على ماذا يراهن المسؤولون، هل يتوقعون مثلاً تبرع جهة ما بتكاليف المشروع؟ إذا كان كذلك، فلماذا لم يتم السعي لتحقيق ذلك خلال 6 سنوات؟".
وأكد بدر أنه إذا لم تستطع الحكومة توفير المبلغ اللازم خلال فترة زمنية معلومة يعلن عنها بعد الضجة الحالية، فالمنطق يقول بأن الواجب عليها أن تعلن عن عجزها وفشلها وتوكل الأمر إلى جهة أخرى، كمؤسسات المجتمع المدني أو عبر إقامة شراكة مع القطاع الخاص، بدل صرف الملايين على التحويلات الطبية الخارجية.
حق الجمهور بالمعرفة
وقال الناشط الإعلامي والحقوقي ماجد العاروري، إن حجم المعلومات التي يتم تدوالها على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن مستشفى خالد الحسن للسرطان، والردود المقتضبة الواردة من بعض الجهات الرسمية، وصمت جهات أخرى عن الإبداء برأيها، يجعل من موضوع كشف حقيقة مستشفى خالد للسرطان أولوية للجمهور.
وأكد العاروري أن الحقيقة هي المطلب والتي تبين إن كان هناك أي شبهات فساد أو سوء إدارة أو قصور في متابعة ملف المستشفى، وبناء على الحقيقة تتحدد مطالب المساءلة والملاحقة.
وشدد على ضرورة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بعيدة عن كل الأطراف ذات العلاقة خاصة مجلس الوزراء ووزارة الصحة، ويجب أن تستمع هذه اللجنة إلى شهادات كل الأطراف ذوي العلاقة، وأن تمنح صلاحية الوصول إلى كل المعلومات المطلوبة.
وأضاف أنه "من حقنا أن نطلع على الحقيقة كاملة، وأظن أنه يقع على عاتق كل المؤسسات ذات العلاقة كشف التفاصيل المتوفرة لديها بهذا الشأن، خاصة هيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة المالية والإدارية".
ودعا الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومؤسسة أمان بالشراكة مع باقي مؤسسات المجتمع المدني المباشرة بتشكيل فريق موحد لتقصي الحقائق بشأن مستشفى خالد للسرطان وإعلان الحقيقة من وجهة نظرها للجمهور.
جهات متنفذة
وقال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، حسن خريشة، إن هناك جهات متنفذة تسعى لدعم القطاع الخاص على حساب القطاع العام.
وطالب خريشة بتشكيل لجنة تحقيق وطنية تبحث موضوع مستشفى الحسن للسرطان للوصول إلى نتائج حقيقية ومحاسبة كل من قَصَّر.
فيما أكد مدير مركز "مساواة"، إبراهيم البرغوثي، أن لجنة مهنية مستقلة تمتلك سلطة التحقيق وقراراتها ملزمة ونافذة الإجراءات "هو الواجب لكشف حقيقة مركز خالد الحسن للسرطان".
فيما رأى الخبير في الشؤون القانونية، عصام عابدين، أنه "دون معالجة حاسمة في النظام السياسي لن يتغير شيء".
وهو ما أكده الحقوقي د. أحمد الأشقر مبينا أن المشكلة ليست باللجنة وإنما فيمن يريد تعيينها ومن بيده القدرة على جعل قراراتها ملزمة.
وأشار الصحفي جهاد بركات، إلى البيان المقتضب لوزارة الصحة حول المستشفى، وخلاصته أن التبرعات موجودة ومحفوظة في حساب بنكي خاص بمؤسسة خالد الحسن، وأنه قد تم تجميد المشروع نتيجة لعدم توفر الأموال اللازمة للمشروع وهي ١٦٠ مليون دولار.
وقال بركات تعقيبا على البيان: "هذا أول إبلاغ للناس والمتبرعين خصوصا عن تجميد المشروع، فلماذا لم تعلن الوزارة عندما اتخذت القرار، ولماذا تأخرت بإبلاغ الناس، حتى اضطرت اليوم تحت ضغط الرأي العام؟".
وتابع: "لم تتحدث الوزارة عن الخطط البديلة التي يتم الحديث عنها في أروقة القطاع الصحي، خصوصا وأن هناك أحاديث عن مشروع آخر على شكل قسم داخل أو بجانب المستشفى الاستشاري خاص بالسرطان، بالتشارك أو بدون التشارك مع وزارة الصحة؟ هل هو بديل مؤقت أو دائم؟ أم مشروع استثماري جديد سيعتمد على التحويلات الطبية؟".
وتساءل بركات عن تغيير الجهة المشرفة على تنفيذ المشروع أكثر من مرة؟ بكدار، صندوق الاستثمار!، وهل ستظل الأرض مخصصة لمشروع المستشفى؟.
بداية المركز
وبدأت القصة حينما تبرع السيد حسيب الصباغ بأرض تبلغ مساحتها 220 دونما في قرية سردا القريبة من رام الله، لإنشاء مدينة طبية، حيث بلغت قيمة تلك الأرض نحو 120 مليون دولار أمريكي.
وتم تسليم الأرض في حينه للجمعية العربية الطبية التي كانت الجهة المخوّلة بإدارة المشروع، لكن تم حل الجمعية والاستيلاء على الأرض كاملة، وتشكيل مجلس إدارة للمركز الطبي يضم مسؤولين من السلطة، كما تم لاحقا بناء "قصر الضيافة" بقيمة 13 مليون دولار أمريكي والذي تحوّل إلى مكتبة فيما بعد.
ونتيجة للضغط الشعبي، أصدر رئيس السلطة محمود عباس عام 2016 مرسوما بإنشاء المركز، وحضر حفل وضع حجر الأساس وأزاح الستارة الحمراء، وتم الإعلان عن مشروع مستشفى خالد الحسن للسرطان وزراعة النخاع بقيمة 140 مليون دولار، على مساحة 20 دونما فقط من الأرض، وتم جمع ما يقارب 11 مليون دولار أمريكي من الموظفين ومن متبرعين عبر حملات شعبية ورسمية.
الأموال التي تم جمعها، جرى صرف بعضها على التصاميم والحفريات بقيمة 4 ملايين دولار تقريباً، وكل ذلك تم بترتيب من مجلس إدارة مؤسسة خالد الحسن لعلاج السرطان وزراعة النخاع الحالي، والذي يتكون من رئيس الصندوق القومي محمد مصطفى رئيساً وعضوية كل من رئيس ديوان الرئاسة، وزير الصحة، ونقيب الأطباء، وصبيح المصري، وسهيل الصباغ وهاشم الشوا وطلال ناصر الدين ومالك ملحم.
والآن وبعد مرور 6 سنوات على وضع حجر الأساس على جزء بسيط من أرض المشروع، ما تزال التصميمات المقترحة منشورة على صفحة المركز على شبكة الانترنت، ودون أن يتم إضافة ولو حجر واحد، في الوقت الذي تتسرب في أرض المشروع شيئا فشيئا لصالح استثمارات عقارية تذهب عائداتها لجيوب مسؤولين متنفذين في السلطة وخارجها.