أكد متحدثون خلال الملتقى الدولي الأول من نوعه في قطاع غزة، تحت عنوان (حصار غزة، جريمة مستمرة)، أن الاحتلال "الإسرائيلي" يتحدى القانون الدولي باستمرار في حصار القطاع وفرض عقاب جماعي على سكانه.
وأقيم الملتقى اليوم الثلاثاء من قبل مؤسسة "أيام فلسطين" الإعلامية بالشراكة مع فريق "16 أكتوبر" وفريق "لسنا أرقامًا"، بمشاركة شخصيات دولية، سياسية وحقوقية وبرلمانية، لتسليط الضوء على استمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عام 2007.
وفي كلمته ممثلًا عن اللجنة التحضيرية، قال أحمد أبو رتيمة إن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007 انتهاك سافر لكل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، وهو عقوبة جماعية تسببت في معاناة المدنيين في كافة قطاعات الحياة.
وأضاف أن مئات المرضى ماتوا بسبب منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لهم من حقهم الطبيعي في الوصول إلى المستشفيات وتلقي الرعاية الطبية المناسبة.
وأكد الحصار تسبب في تقويض الاقتصاد الفلسطيني ومنع قيام عملية تنمية ذاتية وتفاقم معدلات الفقر والبطالة، وكذلك حرم المواطنين من حقوقهم الطبيعية في حرية الحركة والسفر.
وشدد على أن "الحصار ما كان ليستمر خمسة عشر عاماً لولا التواطؤ الدولي الذي يعطي حكومة الاحتلال غطاءً للاستمرار في انتهاكاتها وهي آمنة من المحاسبة".
وأشار إلى أن الملتقى يهدف إلى تسليط الضوء على المعاناة التي تسبب بها الحصار، "لأن تقادم المعاناة لا يلغيها ولا يعني التأقلم معها، ويعني أن هناك خسائر جديدة في النفوس والممتلكات ما زالت تسجل كل يوم".
وذكر أن "الملتقى يتطلع للإسهام في رفع الوعي الدولي بجرمة الحصار المستمرة، وتعزيز جهود التضامن من أحرار العالم في اتجاه انتصار الحق والعدالة ضد الظلم والعدوان".
بدورها، قالت آنا كونتولا، النائب والسياسية الفنلندية إن: "إسرائيل تواصل بناء جدارها حول قطاع غزة المحاصر بطريقة غير قانونية، حيث يقبع خلفه مليونا إنسان، يعيشون حياتهم كأسرى حلمهم وأملهم العيش بحرية".
وأضافت أن "الفلسطينيين يعانون من أطول احتلال في العصر الحديث، وسياسات ترتكب بحقهم تنتهك حقوق الإنسان وتخالف القانون الدولي الإسرائيلي".
وأكـدت أن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة يتناقض مع القانون الدولي ومبادئ عمل مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، وهو عقاب جماعي للمدنيين هناك، وأدى إلى أزمة اجتماعية واقتصادية وإنسانية.
من جهته، وجه ريتشارد فولك، المفوض السابق للأمم المتحدة المعنى بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، "تحية إلهام للطريقة التي يعيش بها الناس في غزة، "إذ قاوموا وثابروا بإبداع، وحافظوا على صناعة حياة ذات معنى لأنفسهم، وتمسكوا بحلمهم كجزء من مقاومتهم".
وشدد فولك على أن "السكان المدنيين في غزة كانوا وما زالوا ضحية لأشكال متنوعة من العقاب الجماعي، بدايـةً بالحصار نفسه، الذي تتفاقم حدته دورياً بالهجمات العسكرية غير القانونية والتي تنفذها إسرائيل على نطاق واسع كل بضعة سنين، موقعة بذلك عددًا هائلًا من الضحايا المدنيين".
وأكــد أن "الجوهر الأساسي للقانون الإنساني العالمي خصوصًا فيما يتعلق بالاحتلال منصوص عليها في المادة الثالثة، وهي تحرم بوضوح مثل هكذا نهج عدواني؛ فالقانون يناشد القوة الإسرائيلية المحتلة لتعامل المدنيين في جميع الظروف بإحسان".
وقال إن: "الاحتلال الإسرائيلي يتحدى القانون الدولي بأساليب عدة، وذلك بتنفيذ اغتيالات غير مشروعة وتفشل في حماية السكان المدنيين وتستخدم قواتها الحربية الجوية والبحرية والبرية ضد المستضعفين".
وأضاف "ولذلك فإنني أعتقد أن هذا يتعدى النزاع المعقول؛ لأن ممارسات إسرائيل هي مخالفة خطيرة وقاسية ومستمرة للواجبات الأساسية لدولة عضو في الأمم المتحدة ولدولة ذات سيادة تحترم طبيعة أساسيات القانون الدولي".
فيما تحدثت جينيفر بينغ مديرة برنامج فلسطين في منظمة AFSC وناشطة في العمل لفلسطين منذ 40 عامًا، في كلمتها عن دور المجتمع المدني الأمريكي في مواجهة الحصار الإسرائيلي على غزة.
وقالت بينغ: "منذ زيارتي الأولى لفلسطين والتي كانت عام 1982، وأنا أستمد الدافعية من شجاعة الأمهات، وإبداع الأطفال والتزام المزارعين بإصلاح الأرض، وقوة المجتمع الفلسطيني في تحمل تحديات لا تُحتمل".
وأكدت أنهم يسعون جاهدين لأن يدرك الأمريكيون مسؤولياتهم تجاه التحرك من أجل تغيير سياسات الولايات المتحدة، وهي السياسات التي تسبب استمرار الأذى والتي تتجنب محاسبة انتهاكات حقوق الانسان.
وأضافت "للمرة الأولى خلال عقود، تم الوقوف في وجه صفقة مبيعات أسلحة لإسرائيل داخل الكونغرس، وتحشدت مئات من فئات المجتمع المدني ضده بمن في ذلك حلفاء وأنصار حركة "حياة السود مهمة" وحركة "العدالة الخاصة بالمناخ"، وكذلك التجمعات في العديد من المجتمعات الدينية.
من جانبه، تحدث الصحفي والناشط الإيرلندي، ديفيد كرونين، عن الدور الأوروبي في تشجيع الحصار الإسرائيلي على غزة.
وقال إن من أهم الطرق التي أسهم بها الاتحاد الأوروبي في فرض الحصار الكامل على غزة أنه تكلف بالتمويل اللازم لتطوير معدات المراقبة لمعبر كرم أبو سالم والذي هو معبر البضائع بين غزة و"إسرائيل".
وأكد أن الاتحاد الأوروبي متورط ومساهم باقتراف هذه الجريمة وفرض العقاب الجماعي على قطاع غزة، ويدعي أنه معارض لذلك.
وذكر أن "سماح الاتحاد الأوروبي بمشاركة إسرائيل رسمياً في برنامج البحث العملي المعروف باسم Horizon Europe، الذي تبلغ ميزانيته أكثر من 95 مليار يورو بين العامين 2022 و2027، سيزيد من قدرة إسرائيل على قصف غزة بشكل متكرر وسرقة المياه من الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة".
وأشار إلى أن لديه "ثقة تامة في أن قوة الشعب ستساعد في رفع الحصار عن غزة ووضع حد لنظام إسرائيل الفاسد القائم على الفصل العنصري".
وفي السياق، تطرق بيتر لارسون، الباحث الحقوقي والإنساني الكندي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة أتوا الكندية المختصة بالشأن الفلسطيني الإسرائيلي، إلى أسباب ضعف التضامن الدولي مع قضية الحصار الإسرائيلي على غزة.
وقال: "أنا أعرف حول انقطاع الكهرباء، وعن طائرات الزنانة، وأعرف عن القناصين على طول السياج، وكذلك عن صيادي غزة الذي يتعرضون للمضايقة من البحرية الإسرائيلية، وأعرف أن إسرائيل ترفض السماح لمعظم الفلسطينيين من غزة الذهاب إلى القدس أو الضفة الغربية أو رؤية أقربائهم".
وفي الجلسة الثانية حول الأبعاد القانونية والإنسانية لجريمة الحصار تحدث دان كوفاليك، المحاضر والناشط الحقوقي، وأستاذ حقوق الإنسان والسلام في جامعة بيتسبرغ، عن البُعد القانوني والدولي والإنساني للحصار الإسرائيلي على غزة.
وأكد أن أكثر من 2 مليون شخص من سكان غزة يعانون من نقص حاد في المياه العذبة والأغذية والأدوية، ومن مشاكل في الصرف الصحي.
وشدد على أن "إسرائيل هي المسؤولة بشكل مباشر عن هذه المعاناة، فهي في الواقع تعرقل الحياة في غزة بمنعها دخول المعدات اللازمة والهجوم المتكرر على البينة التحتية الرئيسية ونظام المياه ونظام الصرف الصحي والمصانع والخرسانات اللازمة لإعادة بناء المنازل التي تقصفها إسرائيل في قطاع غزة من وقت لآخر".
وأضاف أن "إسرائيل تتعمد حرمان غزة من المعدات والضروريات ومستلزمات الحياة الأساسية مثل الماء والغذاء والأدوية اللازمة للمدنيين للبقاء على قيد الحياة، وأن هذه الانتهاكات ما هي إلا جرائم حرب بموجب اتفاقيات جنيف وغيرها من مواثيق القانون الدولي".
وأكد أن "على العالم أجمع أن يتدخل على الفور لوقف هذه الجرائم، وعلى الأمم المتحدة أن تعمل على وقف حصار إسرائيل من خلال توجيه تهم لها لمحكمة الجنايات الدولية، والعمل على رفع الحصار الخانق على غزة وهدم الجدار المحيط الذي يجعل من القطاع سجن مفتوح".
أما جولي بولمان، الصحفية الاستقصائية النيوزيلندية والناشطة السياسية والمجتمعية للقضية الفلسطينية، فتحدثت في كلمتها عن حصار غزة من وجهة نظر القانون الدولي.
وقالت: "ندخل في العام السادس عشر للحصار الإسرائيلي على غزة، وهو حصار ليس له أي مبرر أخلاقي أو قانوني، ونتج عنه ما وصفته الأمم المتحدة بأنه تدمير لمنطقة قطاع غزة، وهي عملية لا يتم فيها وقف التنمية فقط ولكن تدميرها، من خلال وقف إدخال البضائع ومنع الحركة من وإلى القطاع وخارجه.
وأضافت أن "حصار غزة يرقى ليكون جريمة حرب حسب القانون الدولي، إذ إن العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على غزة محظور بشدة وفق المادة 33 من معاهدة جنيف"، مؤكدة أن "إسرائيل" تخرق قانون الاحتلال أيضاً.
وتابعت أن "السلطات الإسرائيلية ملزمة وفق القانون الدولي أن تحترم حق الشعب الفلسطيني كشعب محتل دون أي تقيدات عشوائية أو شروط، وأن يضمنوا توفير الخدمات الأساسية للحياة مثل الصحة والكهرباء والماء والحاجات الأساسية الأخرى، لكن إسرائيل تستمر في انتهاك هذه الالتزامات، وكذلك العديد من اتفاقات حقوق الإنسان التي ضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثل الحق في حرية الحركة والتنقل، والتعليم والعمل والصحة".
ودعت لزيادة الضغط على المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، للمطالبة بالإعلان أن حصار غزة-بشكل لا لبس فيه- غير قانوني، وأن لدى مجلس الأمن القدرة على استخدام القوة العسكرية لإعادة إعمار غزة إذا لزم الأمر، وأن لديه القدرة على ضمان إيصال الإغاثة الإنسانية إلى غزة عبر المياه الدولية، دون تدخل إسرائيلي.
من جهته، قال المحامي صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، إن سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي تستمر في تشديد الحصار الشامل على غزة، من يناير 2006 لغاية اليوم، "وهذا يدلل على حرص الحكومات الإسرائيلية على تطبيق سياسة عقاب جماعي للفلسطينيين ساكني قطاع غزة".
وأوضح أن الإجراءات الإسرائيلية المتعاقبة والمتعددة شملت المزيد من القيود على حرية حركة الأفراد والبضائع من وإلى غزة، مما يخلق مأساة إنسانية بالغة التعقيد.
وأضاف "فقد بات نحو 2 مليون نسمة من سكان غزة، يعيشون في معزل وسجن جماعي لا تتجاوز مساحته 365 كم2".
وأشار إلى أن "هذه الممارسات تسببت في مزيد من تدهور حقوق السكان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
وشدد على أن الحصار الإسرائيلي أثر على مجمل حقوق الإنسان الفلسطيني في غزة، وخاصة لجهة ارتفاع نسب البطالة والفقر، وتقييد حرية الحركة والبضائع، وتدهور الظروف الإنسانية، وتردي مستوى الخدمات من صحة وسكن وتعليم وصحة.
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة الإسلامية محمد إبراهيم مقداد إن قطاع غزة يعاني من انهيار كبير في مؤشرات الاقتصاد مع استمرار ممارسات الاحتلال منذ العام 1967م إلى العام 2021م.
وأكد أن "الحصار يُعد أبرز معالم الممارسات الإسرائيلية في الوقت الراهن، وأدى إلى انهيار معظم مؤشرات الاقتصاد في غزة".
ولفت إلى أن "الفيتو الإسرائيلي على إنهاء الانقسام الفلسطيني كرس معاناة الفلسطينيين وزاد في انهيار مؤشرات الاقتصاد".
وأضاف أن تكلفة الحصار المتواصل والاعتداءات الإسرائيلية بلغت ستة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لغزة في العام 2018، مشيرًا إلى أنه "لولا الحصار والعمليات العسكرية الإسرائيلية لما تجاوزت نسبة الفقر في القطاع 15% حسب تقرير للأمم المتحدة".
وبلغ معدل البطالة 49% في قطاع غزة للعام 2020، كما بلغ معدل الفقر 59% حسب بيانات البنك الدولي المنشورة للعام 2022م، و75% حسب وزارة التنمية الاجتماعية في غزة.
وتخلل الملتقى كلمة لرئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية أحمد هشام حلس، تحت فيها عن الواقع البيئي في غزة بظل ممارسات الاحتلال.
وأكد أن سكان القطاع يعانون على مستوى الأسرة فيما يتعلق بكمية المياه الواصلة إلى منازلهم لأغراض الاستهلاك اليومي.
وبين أن كمية المياه التي تصل إلى المواطنين في القطاع وصلت إلى 60-70 لتر للفرد يوميًا، وقد تكون أقل بكثير من ذلك لدى الكثير من الأسر وخصوصا في المناطق الريفية والمهمشة.
وأضاف أن منظمة الصحة العالمية توصي بضرورة تزويد السكان بما لا يقل عن 100-120 لتر للفرد يوميًا حتى يتحقق مستوى الامن المائي المطلوب للأسرة بما يضمن مياهًا كافية للشرب والنظافة الشخصية وقضاء الاحتياجات المائية الأساسية لكافة الأفراد.
وأكـد حلس أن "التلوث البيئي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإحتلال الإسرائيلي على غزة، إذ شهد القطاع خلال العدوان الأخير وعبر كافة الحروب تلوثاً شديداً للبيئة.
وشدد على أن مصادر التلوث البيئي تعددت نتيجة الإعتداءات العسكرية المكثفة بإستخدام كافة أنواع الأسلحة والقنابل والصواريخ، كما أن التلوث الضوضائي أصبح يمثل مصدراً دائماً للإزعاج والضغط النفسي بسبب طائرات الإستطلاع الإسرائيلية الحربية والتي تحلق بكثافة على ارتفاعات منخفضة فوق المدن والقرى والأحياء السكنية طوال الوقت وبشكل مكثف.