قال الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، إن عقد جلسة المجلس المركزي الفلسطيني بدل عقد المجلس الوطني تمثل "قصة موت معلن".
وحذر المصري في مقال سابق من خطورة المشاركة في اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير، في السادس من شهر شباط المقبل، داعيًا الفصائل والمستقلين إلى مقاطعته، باعتباره غير شرعي واعتبار كل مشارك يغلب مصالحه الفردية والفئوية على المصلحة الوطنية، ومسؤولًا عما سيجري من تغطية على سياسة الإمعان في تجويف منظمة التحرير، بمختلف مؤسساتها، وإفراغها من دورها كممثل شرعي وحيد وتجاوز برنامجها، وتهشيم نظامها الأساسي، وتحويلها إلى تابعة للسلطة بدلًا من أن تكون مرجعيتها، وتحويل مؤسساتها إلى استشارية تستخدم للتغطية على ترتيبات سياسية وتنظيمية تعد لتناسب مرحلة التعاطي مع ما يسمى "السلام الاقتصادي" ومحاولة تأبيد سلطة التنسيق الأمني والوضع الراهن.
وأضاف "لا يستطيع أي شخص أو فصيل أن يقول لتبرير مشاركته إنه لم يدر بما يجري، وإنه كان يتصور أن المشاركة يمكن أن تحقق شيئًا، أو حتى تمنع المزيد من التدهور".
وقال "ما يجري معلوم ويشبه ما تضمنته قصة "موت معلن" لغابرييل غارسيا ماركيز، حيث النهاية معروفة منذ البداية، لذا دموع الصياد لا يجب أن تحجب ما تفعل يداه، والحديث عن "تكبيل" قرارات المجلسين المركزي والوطني السابقة، و"ملاحقة الكذّاب لباب الدار" لا يجب أن ينطلي على أحد، ولا يستطيع أن يخفي أن ارتباط السلطة بالاحتلال يتعمق، والتعاون الأمني معه يزداد مقابل مجرد فتات".
وأشار إلى أنه لا يستطيع أحد أن يبرر مشاركته بأن العمل من داخل المنظمة أفضل من المقاطعة، وضروري المحافظة على المنظمة بحجة أن المنظمة هي الإنجاز التاريخي الأكبر، ولا بديل لها حتى الآن، فالمقاطعة ليست للمنظمة، ولا لإيجاد بديل منها، بل تستهدف إنقاذها من المصير الذي تقاد إليه، وخصوصًا في ظل عدم وجود مؤسسة لكي يتم العمل والنضال من داخلها، فلا بد من إعادة بناء مؤسسات المنظمة لتكون تجسيدًا للتعددية والمشاركة، وقولًا وفعلًا الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
وتابع "أن مسيرة تهميش المنظمة مستمرة منذ اتفاق أوسلو، وتحديدًا منذ وقوع الانقسام، وكان يمكن وقفها واعتماد مسار جديد بعد فشل قمة كامب ديفيد في العام 2000، وانقلاب الحكومات الإسرائيلية على اتفاق أوسلو، وتعمّقت بشكل خاص ونوعي منذ الدورة الأخيرة للمجلس الوطني التي أجهزت بقرارها تفويض المجلس المركزي بكل صلاحيات المجلس الوطني عليه، لدرجة كما يظهر في أن المجلس المركزي سيختار في جلسته القادمة رئيسًا للمجلس الوطني، وسينتخب أعضاء اللجنة التنفيذية، وهذا من صلاحيات المجلس الوطني التي لا يجوز تفويضها، فلا أحد ينهي دوره بنفسه.
وقال المصري: "لا توجد مؤسسات حتى يقال إن النضال من داخلها أفضل، والبديل ليس مقاطعة المنظمة، بل مقاطعة جلسة المجلس المركزي، وخصوصًا أنه مغيب"
وأشار إلى أن المجلس المركيز لم يُعقد لا هو ولا الوطني أي جلسة منذ ثلاثة أعوام، خلافًا لما هو وارد في النظام الأساسي الذي ينص على عقد المجلس الوطني كل عام، ومفترض بالمركزي أن يُعقد مرات عدة في العام الواحد، وينصّ النظام الأساسي على تشكيل مجلس وطني جديد كل ثلاثة أعوام.
وقال مستهجناً: "المثير للسخرية أن مبرر تفويض المجلس المركزي بمهمات المجلس الوطني هو لتمكينه من الانعقاد بانتظام لم يتحقق، حيث تباعدت اجتماعاته، ولم تحترم قراراته، ولا قرارات الوطني، والمؤمن لا يلدغ من الجحر الواحد مرتين، فكيف عشر مرات.
وأضاف حتى اللجنة التنفيذية المفترض أن تكون القيادة التنفيذية العليا أصبحت آخر من يعلم، وتعقد اجتماعات متباعدة، وتحوّلت إلى هيئة استشارية لا يحضر الرئيس معظم اجتماعاتها، ولا يقر معظم توصياتها.
واعتبر أن الدعوة لعقد المجلس المركزي قطعت الطريق على حوار الجزائر لإفشاله قبل أن يبدأ، ومثّلت انقلابًا على الاتفاقات والحوارات والقرارات الوطنية السابقة التي تنص على مشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، إذ لم يسبقها حوار ومشاورات واتفاق مسبق على مخرجاتها، بل استبعدت من الدعوة حركتي حماس والجهاد، مع أنهما دُعِيَتَا لحضور الاجتماعات السابقة.
وتساءل كيف لمجلس مركزي تقاطعه فصائل عديدة من فصائل المنظمة، وأخرى غير مدعوّة لحضوره من تنظيمات وازنة، مثل حركتي حماس والجهاد، وتعارض عقده أوساط سياسية وشعبية كبيرة؛ أن يدعي شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني؟
مؤكدا أن الحل يكون عبر وقف التحضيرات لعقد المجلس المركزي، والشروع في حوار تمثيلي واسع تنبثق عنه رؤية وإستراتيجيات وقيادة واحدة، وتغيير السلطة، وتشكيل لجنة تحضيرية مهمتها عقد مجلس وطني جديد بالانتخابات حيثما أمكن، وبالتعيين وفق معايير يتفق عليها، حينما يتعذر إجراء الانتخابات.
وحذر المصري من الدعوات العدمية لتشكيل منظمة تحرير جديدة بديلة، لأنها تقفز عن الحاجة إلى الشراكة بين مختلف مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية.
كما حذر من الدعوات الخيالية الحالمة غير القابلة للتطبيق بالدعوة إلى انتخابات للمجلس الوطني في جميع أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، لأن ظروف تحقيق هذه الدعوة، وأدواتها غير متوفرة، بما فيها عدم وجود تحرك وازن يبررها وقادر على تحقيقها، وخاصة أنها ستُقاوَم كونها ستُغيّر قواعد اللعبة جوهريًا.
وأضاف "لأن شعبنا في الداخل والأردن وغيرهما من أماكن تجمعاته لا يستطيع المشاركة فيها، جراء أن ممارسة حقه الانتخابي في هذه التجمعات يؤدي إلى ازدواجية الجنسية، وله تداعيات سلبية ومخاطر كبيرة ووجودية. فالمطلوب إجراء انتخابات للمجلس الوطني حيثما أمكن"
وتابع أن هذا أيضًا ليس سهلًا، وبحاجة إلى حراك شعبي وسياسي كبير ومتعاظم ووازن لفرضه، وإلى وفاق وطني، كوننا في مرحلة تحرر وطني، وإلى الاتفاق على رؤية شاملة، وإنهاء الانقسام ضمن رزمة شاملة تطبق بالتوازي والتزامن.
اعتبر تبرير ما يجري عبر منح عقد المركزي الشرعية والغطاء خطأٌ فادحٌ، والاكتفاء بالتبشير بالمستقبل الوردي الآتي فقط خطأ فادح أيضًا، لأنه يمثل تخليًا عن خوض المعارك الراهنة، ومحاولة لإرضاء النفس، وإراحة الضمير، وتسجيل موقف للتاريخ، ويساعد بحسن نية على تحقيق عكس ما يرغب في تحقيقه.
ودعا للاعتراف بالواقع والتعامل معه لتغييره، والتمسك بالأحلام والمبادئ والأهداف النهائية، وليس الخضوع له ولا القفز عنه.