منبع النضال النوعي..

"الخليل".. تجدّد مفاجآتها وتُربك حسابات الاحتلال

شهاب - تقرير
"الشهد في عمليات الخليل".. هكذا أصبح العنوان الأبرز في التغطيات الإخبارية لأي عمل فدائي من مدينة الخليل أكبر المحافظات الفلسطينية مساحةً وأكثرها إيلامًا للاحتلال الإسرائيلي بالمقاومة والعمليات الفدائية والتفجيرية على مدار الأعوام والعقود الماضية، وخلال الانتفاضات الفلسطينية السابقة.

الخليل تخرج عن صمتها وتصفع الاحتلال صفعة تلو الأخرى، وتجدد من مفاجآتها الكبرى، فبعد ساعات من استهداف مستوطنتي "عتصيون" و"كارمي تسور"، جاءت عملية حاجز ترقوميا صباح أمس الأحد، لتوجه الأنظار من جديد إلى المحافظة الفلسطينية الأكبر جنوبا، ولتكسر شهورا من الهدوء المخادع.

هذه العمليات تشكل ضربة قوية للمنظومة الأمنية للاحتلال وأجهزة أمن السلطة، التي تحاول ليل نهار لوقف سيل المقاومة واعتقال كل من له علاقة بها، إلا أن المقاومة أبدعت وتجاوزت الملاحقة الأمنية وأعدت نفسها لمجابهة قوات الاحتلال بكل السبل والطرق بشكل مدروس وممنهج.

وبحسب مراقبون، فإن العمليات الثلاث الأخيرة في الخليل، التي نُفّذت في أقل من 48 ساعة، تدلّ على صحوة "أسد الجنوب"، وانتقال التصعيد إلى جنوب الضفة الغربية، وهو لطالما شكّل أحد هواجس المنظومة الأمنية للاحتلال.  

ووفقاً للتقديرات الأمنية الإسرائيلية، فإن انفجار الأوضاع في الجنوب سيكون مدوّياً وذات تداعيات خطيرة، نظراً لوفرة السلاح في أيدي الفلسطينيين هناك، فضلاً عن الانتشار الكثيف للمستوطنين وجنود الاحتلال، الذين يوفّرون حمايةً للمستوطنات والمواقع العسكرية، إلى جانب كثرة الشوارع الاستيطانية التي يسلكها المستوطنين ويمكن أن تشكّل أهدافاً محتملة.

وجاءت عمليات الخليل بعدما تعهّدت المقاومة، وتحديداً "كتائب القسام"، بتكثيف العمليات الفدائية رداً على العدوان الإسرائيلي في غزة والضفة التي يستمر العدوان على شمالها، مسفرا حتى الآن عن استشهاد نحو 22 فلسطينياً، إلى جانب مقتل وإصابة جنود إسرائيليين في جنين.

"منبع للعمل النضالي"..

المختص في الشأن الإسرائيلي ناصر حمامرة، قال إن مدينة الخليل كانت ومازالت منبع للعمل النضالي الفلسطيني النوعي، مشيراً إلى أن عمليات المقاومة في الآونة الأخيرة مدروسة وممنهجة. 

وأضاف حمامرة في حديث خاص لوكالة "شهاب" للأنباء، أن كل المؤشرات على أرض الواقع كانت تؤكد أن حالة الغليان التي تعيشها الضفة الغربية سيكون مخرجاتها أو نتائجها الرد الحقيقي.

ولفت حمامرة إلى أن المأمول من بداية الحرب أن تكون الضفة محور عمليات في مواجهة الاحتلال أكثر من الفترات السابقة لذلك كان رهان القسام في بيانه وكذلك رهان المقاومة في مسألة المقاومة بشكل عام على أنه سيكون هناك عمل منظم يتجاوز العمل الفردي.

وتابع: "عمليات الخليل جاءت من خلال عملية تنظيمية مبنية أو بنائية لذلك كان بيان القسام وفق رهان حقيقي مبني على جمع عام للمعلومات والمؤشرات والوقائع والممارسات الإسرائيلية إلى أن أصبح الوضع مؤاتي بشكل كبير جدا لأن يكون هناك ليس فقط ردة فعل بقدر ما هو سيرورة العمل النضالي والجهد".

وأردف: "الخليل منبع بشكل كبير جدا للعمل الجهاد وعمل المقاومة والعمل النوعي الذي يدفع الاحتلال لتحمل أثمان كبيرة". 

وبين أن بيان القسام الاستباقي فيه رسالة من المقاومة للاحتلال بأنه لا يمكن الاستفراد في غزة كما لا يمكن الاستفراد في منطقة دون الأخرى، ولا يمكن للعمل الجهادي الفلسطيني أن يأتي على نطاق جغرافي معين دون المناطق الأخرى.

"دفعة كبيرة للمقاومة"..

وقال حمامرة: "إن الجغرافيا الفلسطينية باتت تمتلك الإمكانات والقدرات والتراكمات بما يجعلها مؤهلة للقيام بدورها النضالي كما قدمت الخليل".

وأشار في حديثه عن عملية غوش عتصيون بالقول: "العملية أبعادها أكبر من مجرد عمل عسكري كون المنطقة التي حدثت فيها العملية تسمى مثلث الموت لما فيها من نقاط مراقبة عسكرية وتجمع للمستوطنين الأشد عداوة للفلسطينيين". 

وتابع: "كأن عملية كرمي تسور بمثابة حافز بشكل كبير جدا للفلسطيني إنه بالإمكان الوصول إلى هذه المناطق على الرغم من التشديدات الأمنية الإسرائيلية وممارسة العمل النضالي الفلسطيني، وبالتالي فإن غيرها من المناطق ستكون أسهل وبواقع أجرأ".

وأردف: "رسائل عمليات الخليل أن يد المقاتل الفلسطيني تصل لأي موقع تحت أي تجهيزات أمنية من جهة ومن جهة أخرى كذلك رسالة للمجتمع الإسرائيلي بأن التشديدات الأمنية لم تحميك فما بالك إذا دخلت في حرب ثالثة وبالتالي تآكل الجبهة الداخلية".

وبين أن منهجية القتل والاقصاء لن تثني الفلسطيني عن ممارسة الدور النضالي وأن تقطيع أواصر الجغرافية لا تعيق التواصل الروحي والهدف النضالي المشترك في التصدي للاحتلال وصولاً لتحقيق التحرير".

تحدياً مُربكاً للاحتلال

الكاتبة والناشطة السياسية لمى خاطر، قالت إن عودة عمليات المقاومة إلى محافظة الخليل أو انطلاقا منها تشكّل تحدياً كبيراً ومُربكاً لكل حسابات الاحتلال على مستوى المنظومتين العسكرية الأمنية. 

وأشارت خاطر، إلى أن الخليل هي المحافظة الأكبر من حيث المساحة وعدد السكان في الضفة الغربية، وحضور المقاومة فيها يعني إمكانية تمددها وانخراط عناصر جديدة فيها بشكل مستمر، سواء أكانت مقاومة منظمة أو على نمط الذئاب المنفردة.

واعتبرت أن جبهة جنوب الضفة كانت تاريخياً تشكل إضافة نوعية ومهمة لمختلف مراحل المقاومة وخصوصا منذ التسعينات، لأنها حين تشتعل فإنها تسجل إنجازات نوعية للمقاومة، وخسارات على جبهة الاحتلال.

وبينت الناشطة السياسية، أن جبهة جنوب الضفة تشغل الاحتلال أمنياً وعسكرياً ويضعف تركيزه على الجبهات الأخرى التي يواجه عليها تحديات كبيرة مثل غزة وشمال الضفة وشمال فلسطين.

ولفتت إلى أن عمليات الخليل الأخيرة كان فيها تنوع على مستوى الأسلوب والعناصر المنفذة وأماكن التنفيذ، وهي تشي بأن هذه الساحة الواسعة والمهمة قد انخرطت في المواجهة بشكل فاعل، وبدأت تستعيد دورها التاريخي والمعروف في المقاومة ومواجهة الاحتلال.

في الوقت المناسب

ومن جهته، قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد ركن حاتم الفلاحي، إن العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال "الإسرائيلي" غربي الخليل بجنوب الضفة الغربية نوعية، وتم التخطيط لها بشكل جيد. 

وأكد الفلاحي في تحليل عسكري لعملية "ترقوميا"، إن المنفذين تدارسوا العملية، واستندوا إلى معلومات استخباراتية دقيقة في التنفيذ والانسحاب إلى جهة آمنة. 

ويثير توقيت العملية العسكرية "الإسرائيلية" في الضفة الغربية الكثير من علامات الاستفهام، وفق العقيد الفلاحي، الذي يربط التوقيت بالمشروع "الإسرائيلي" الهادف إلى إنهاء الوجود الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وفرض واقع جديد يعيق إقامة الدولة الفلسطينية. 

وقُتل ثلاثة عناصر من شرطة الاحتلال، صباح أمس الأحد، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة الشرطة قرب حاجز ترقوميا في الخليل.
وفي التفاصيل، قال مصدر عسكري لإذاعة جيش الاحتلال، إنّ المنفذين يمتلكون مستوى عال من القدرات، ونتوقع أنها خلية منظمة تابعة لحماس أو لحركة الجهاد أو مشتركة.  

وأشارت الإذاعة العبرية، إلى أن المسلحين الفلسطينيين أطلقوا 11 رصاصة على سيارة الشرطة معظم الرصاصات أصابت عناصر الشرطة.
 

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة