تقرير - شهاب
نشرت مصادر فلسطينية، خلال الساعات الماضية، وثائق "مُسرّبة" لأول مرة، تتعلق بمحاضر التحقيق مع شخصيات بارزة في السلطة الفلسطينية، باغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وجاء في الوثائق التي حصلت عليها وكالة "شهاب"، تفاصيل ما تحدثت به قيادات من السلطة وحركة فتح للجنة التحقيق التي تم تشكيلها برئاسة اللواء توفيق الطيراوي في أكتوبر 2010.
اقرأ/ي أيضا.. وثائق .. عباس كان على خلاف مع أبو عمار ويتحرك بحراسة إسرائيلية خلال حصاره
ووردت شُبهات حول تعرض ياسر عرفات للاغتيال عبر "مادة سامة" عام 2004، وتشكلت لجنة تحقيق بالخصوص بعد مرور 6 سنوات، لكنها لم تكشف عن نتائجها حتى هذه اللحظة.
ووفق الوثائق، فإنه تم استدعاء 302 من الأشخاص لسماع إفاداتهم في قضية اغتيال الرئيس عرفات، فيما بيّنت الشهادات المُسربة، العلاقة المتوترة بين أبو عمار ورئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس.
وكان رئيس لجنة التحقيق الوطنية الخاصة باغتيال عرفات، اللواء توفيق الطيراوي، قد صرح يوم 1 نوفمبر الجاري، أن الوثائق المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي "تمت قرصنتها وتسريبها"، موضحا أنها "وثائق سرية لضمان سلامة سير التحقيق لحين الوصول إلى الحقيقة الكاملة".
اقرأ/ي أيضا.. "دُفن بطريقة خاطئة".. رسالة مُسربة من الطيراوي لعباس حول ضريح الرئيس ياسر عرفات
"شهادة محمد رشيد"
ضمّت الوثائق المنشورة شهادة لمستشار عرفات، محمد رشيد (خالد سلام) التي تم الاستماع لها في منزل السفير الفلسطيني في قبرص في 21 أيار/ مايو 2013، بحضور الطيراوي.
وأوضح رشيد في شهادته أنه عندما عاد محمود عباس من الخارج، لم تكن العلاقة ودودة بينه وبين أبو عمار.
وقال: "أنا ذهبت على عاتقي الشخصي وطلبت سيارة مصفحة لأبو مازن، وذهبت لأبو عمار وقلت له وقّع على هذه الأوراق، قال لي لماذا؟ فقلت له سيارة مصفحة لأبو مازن، قال لي معه سيارة في تونس، فقلت له الكل يعلم أنكم لستم على وفاق، ولو تم إطلاق النار على أبو مازن سوف تكون أنت المتهم، ووقّع عليها الرئيس".
وقال مستشار الراحل عرفات، إنه ذهب لأبو مازن ليطلب منه المساعدة في فك الحصار عن أبو عمار في مقر المقاطعة ، فكان رده: "إللي طلّع الحمار على المئذنة ينزله"، و "من يعطي النقود لمن يطخطخوا يحل مشكلته لوحده وليس شأني"، في إشارة منه إلى دعم عرفات لانتفاضة الأقصى.
ولا يستبعد أن المستفيد من قتل عرفات في قمة الهرم الفلسطيني، وسواء شاركوا في قرار قتله أم لا، لكن غيابه يعود عليهم بفوائد عظيمة تنظيمية وسياسية ومالية.
ويلفت إلى أن "هؤلاء رأوا أشياء وسكتوا عنها، وأدت إلى القضاء على الرئيس أبو عمار.".
ويجزم رشيد في شهادته أن "أبو عمار قُتل ولم يمت طبيعيًا"، قائلًا إنه: "التقى خلال مرض الرئيس بمسؤول المخابرات الفرنسية في باريس، الذي أبلغه بدخول أبو عمار في غيبوبة، وعيّشه تحت الأجهزة لأن عقله مات لكن أجهزته الحيوية فتية وسليمة".
"شهادة محمد اشتية"
رئيس الحكومة برام الله الحالي وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، محمد اشتية، لفت في شهادته للجنة التحقيق بالسابع من ديسمبر 2011، إلى أن أي إنسان يخدم المصلحة الإسرائيلية، كان له مصلحة في قتل ياسر عرفات، موضحاً بأن الخدم "لإسرائيل" موجودين بكثرة في الساحة الفلسطينية.
ونفى اشتية إفادة أحد الشهود بأنه كان من المُؤيدين لرئيس السلطة محمود عباس بخصوص تقليص صلاحيات عرفات، قائلاً "أنا موقفي واضح مع توزيع الصلاحيات، لكن ضد تطور هذه المسألة واستغلالها باتجاه تهيئة مناخ سياسي، لإنهاء أبو عمار سياسيا وجسدياً".
وأشار عضو اللجنة المركزية لحركة فتح إلى الأثر الشخصي لقرار تقليص جزء من صلاحيات أبو عمار وأخذ موافقته عليه، على الرئيس الراحل، قائلاً " أن يقوم الشخص بالشئ بمحض إرادته، مختلف تماماً على أن يكون مفروض عليه، فما يجب علينا أن نقوم بإدراكه أننا شعب تحت الاحتلال."
وأشار اشتية الذي عمل مع الرئيس الراحل منذ عام 1996، إلى أنه خلال حكومة أبو علاء (أحمد قريع) عام 2005، شكّل لجنة بقيادة ذهني الوحيدي وزير الصحة وقبلها كان جواد الطيبي، ولكن اللجنتين كانتا تدرسان التقرير الفرنسي فقط، ولم يأخذ التحقيق منحى جدي".
وبيّن أن رفع الغطاء الدولي والعربي عن الرئيس الراحل، كان تمهيداً لاغتياله، بقوله "الواضح من مسلسل الأحداث أن الغطاء الدولي والعربي والفلسطيني قد انكشف وياسر عرفات أصبح في حالة حصار"، مضيفاً "هذه هي الخطوات التمهيدية التي أدت إلى أن يصبح ياسر عرفات ضحية لأي شئ كان".
اقرأ/ي أيضا.. تقرير شهادات مسربة.. عباس رفض مساعدة عرفات وقت حصاره لأنه دعم الانتفاضة
وتابع اشتية: "أنا أرى أن كل الأغطية وبالأخص الغطاء الفلسطيني، قد تكشّفت واحدة وراء الأخرى، فعندما يبقى الرئيس ياسر عرفات فترة تحت الحصار ولا يقوم أي أحد بزيارته حتى من المقربين ولا يقوم أي أحد من العرب بالاتصال عليه، فهذه كانت رسالة واضحة، وحسب رأيي أن كل مجريات الأمور من بعد كامب ديفيد إلى تاريخه هي عملياً، كانت تسير بنفس الاتجاه."
"شهادة نبيل أبو ردينة"
بدوره، كشف مستشار عرفات، نبيل أبو ردينة في إفادته للجنة التحقيق بالثامن والعشرين من يوليو 2021، عن رفع الغطاء الدولي عن أبو عمار، موضحاً أن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك كان آخر زعيم عربي قد تواصل معه، وقال له بالحرف الواحد إن الاتصال قد يكون مسجلاً، وأنصحك أن تسّلم السلطة وأنا أعرف عن ماذا أتكّلم.
وأفاد أبو ردينة بأن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول قال لعرفات: "نرجو ألا تكون هذه الزيارة الأخيرة لك، لابد من اتخاذ إجراءات"، مشيراً في ذات السياق إلى أن الرئيس الراحل قد طلب من بعض الرؤساء العرب تزويد السلطة بالمال لدفع الرواتب، وكانت "ردودهم مخجلة".
وشدد الناطق الحالي باسم رئاسة السلطة، على أن أبو عمار لم يكن عنده أي استعداد منذ كامب ديفيد للاستسلام أو التنازل عن ثوابته الفلسطينية أو القدس، لذلك رفض الانتقال إلى غزة لأنه يعلم أنه في حال ترك رام الله فستضيع الضفة الغربية والقدس.
وأضاف: " عرفات لم يتنازل ولم يوقف الانتفاضة ولم يقدم أي تنازل، لذلك كانت هناك مؤامرة إسرائيلية أمريكية بأن عرفات يجب أن ينتهي عهده".
وسرّد تفاصيل تسميم عرفات، قائلاً " تم تسميم الرئيس من خلال شخص يقدم له مشروب قهوة أو شاي بشكل منفرد"، مستبعداً أن يكون تم تسميمه عبر الطعام أو مواد مشعة لأنه اعتاد أن يأكل مع آخرين، ولو جرى ذلك لظهرت أعراض على آخرين".
وعتب أبو ردينة على عرفات أنه "كان غير حريص وكانت ثقته بالناس عالية، ويقبل عطايا الناس وهداياهم جميعًا"، مضيفاً " هناك مئات وربما آلاف، أحضروا هدايا من حلويات وأدوية لمعالجة آثار الرشح والإنفلونزا، ولوحات معدنية تذكارية".
وحول معرفته بقضية أحد طباخي عرفات الذي جنّده الاحتلال، قال: "سمعت عن اعتقال بعض الطباخين ولم يطلق سراحهم، وأحيانًا يتم اعتقالهم ويعودوا لعملهم".
وعن اكتشاف حكة في جسد أبو عمار، بعدما تم العثور على خزان مياه خاص بأبو عمار، كان يتوضأ ويشرب منه لوحده، ردّ أبو ردينة " هناك شخص مسؤول اسمه يوسف العبد الله، ومجموعة أخرى كمدير مكتب الرئيس من المفترض أن يجيبوا عن هذه الأسئلة، ولماذا تم تغيير الخزان؟ ومن الذي أتى به؟ ومن الذي غطى التكلفة المالية؟"، مؤكداً أن هذه مؤشرات خطيرة ومهمة جداً ممكن أن تؤدي لخيوط كثيرة.
"شهادة فيصل أبو شرخ"
وأوضح اللواء فيصل أبو شرخ، قائد قوات الـ17 "أمن الرئاسة" سابقاً خلال إفادته للجنة التحقيق بتاريخ الثامن من سبتمبر 2011، أن أبو عمار كان في استقبال وفد مكون من 300 شخص من سلفيت قبل مرضه الأخير بنحو العام، وبعدما أكمل السلام على "ثلاثة أرباعهم" ثم وضع يده على فمه، مما استدعى إخراجه من القاعة واستفرغ عقبها مباشرة، وبقي مريضًا بعدها لمدة أربعة عشر يومًا.
ولفت قائد "قوات 17" إلى أنه على إثر مرض "أبو عمار"، وصل وفد طبي مصري أردني لإجراء الفحوصات، لكنه لم يصل لنتيجة معينة، وبعد عام مرض عرفات مرضه الأخير، لكن لم تؤخذ عينة من الاستفراغ، مؤكداً أن هناك تشابه في الأعراض بين مرض عرفات الأول والثاني مع ظهور البقع الحمراء عليه.
ولم يستبعد اللواء المتقاعد أن يكون أحد المشاركين في وفد سلفيت وضع بيده شيئًا عند التسليم أو على خاتم عرفات، مضيفاً: "استنتاجي أنه سُمم".
وشكك أبو شرخ في احتمالية أن الإسرائيليين وصلوا لـ"أبو عمار" من خلال دوائه، ويمكنهم ذلك باستبدال علبة بأخرى، بالرغم من أن الراحل كان حريصاً على عدم معرفة أي أحد لاسم الدواء الذي كان يتداوله، إلا أشخاصاً محدودين جداً.
وأشار إلى حرص عرفات على عدم كشف نوعية الدواء الذي يتناوله، من خلال وضع حبة الدواء في "محرمة" عند تناولها أمام الحاضرين، كيلا يعرف أحد طبيعتها.
"شهادة أحمد عبد الرحمن"
ومن ناحيته، كشف أحمد عبد الرحمن، الذي كان يشغل منصب الأمين العام لمجلس الوزراء في عهد ياسر عرفات، خلال شهادته في الثاني عشر من سبتمبر 2011، عن أن أبو عمار كان يرفض تعييين محمد دحلان وزيرًا للداخلية في حكومة عباس، لكن ذلك تم بتكليف من أبو مازن، وحينها "انكسرت الجرة بين عرفات وعباس".
وبيّن عبد الرحمن، أن عرفات كان يتحسس من الاجتماعات الخاصة المنفردة التي يعقدها أبو مازن فور توليه رئاسة الوزراء، خاصة بعدما طلب عباس أن تكون الإذاعة والتلفزيون تحت إمرته.
وكشف عن حادثة غريبة حدثت في عهد الرئيس الراحل، قائلاً "عندما كان أحمد قريع رئيسًا للوزراء زار لندن وكتب بعدها تعهدات أمنية، وحينما قرأها على أبو عمار فقد عقله ومسك الورقة ورماها، ومسك قريع من رقبته، وقال له: اذهب.. وضربه برجله، وعلى إثرها قدم قريع استقالته".
ووفق عبد الرحمن، أبو عمار كان يخفي مرضه، لكن حصاره كشف ذلك، إذ شعر بالمؤامرة عليه عندما اجتمع عدد من قيادة فتح بحضور أبو مازن فيما تعرف "ببناية العار"، وهي بناية في رام الله كان بها شقة آمنة، بهدف الاتفاق على بيان يعدل من السياسة التي يسير عليها أبو عمار.
ولفت "أبو مازن كان يخشى من عرفات وقت حصاره، حتى أنه في ذات مرة كان يمشي على رؤوس أصابعه قبل الدخول لمكتب أبو عمار، ولم يستطع أن يدخل إلا عندما رافقه عبد الرحمن، وكان حينها مرتبكاً جداً".
"شهادة روحي فتوح"
وأشار رئيس المجلس التشريعي في عهد أبو عمار، روحي فتوح، في شهادته في السابع من ديسمبر2011 ، إلى أن عرفات كان خلال فترة مرضه على خلاف مع محمود عباس.
وذكر فتوح أن أقارب عرفات وقيادة السلطة اتخذوا قراراً بسفر أبو عمار إلى فرنسا للعلاج، مضيفاً: "من قيادات السلطة طالبوا بتسريع إقرار قوانين الانتخابات المحلية خلال غياب الرئيس عرفات".
ولفت فتوح إلى أن ناصر القدوة، الذي كان يرافق عرفات في باريس، تواصل مع رئيس الوزراء آنذاك محمود عباس وأبلغه أن عرفات دخل في غيبوبة، وحينها اجتمعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والمجلس المركزي، ومن ثم غادر وفد قيادي إلى باريس.
والتقى وفد يضم عباس وفتوح وأحمد قريع ونبيل شعث الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك، الذي قال لهم: "دبروا أنفسكم وضع الرئيس صعب".
وأشار فتوح في شهادته، إلى أن الأطباء الفرنسيين أبلغوهم بإجراء تحاليل طبية على جميع أنواع السموم المعروفة لديهم لكنهم لم يكتشفوا أي منها.
وشدد فتوح على أنهم كانوا على قناعة بأن "الرئيس عرفات مات مسموماً"، لكن تواصل وزارة الصحة الفلسطينية مع الفرنسيين للحصول على التقرير الطبي "لم يُفضِ لشيء".
وأوضح فتوح في شهادته أنه سمع من عزام الأحمد أن عرفات أشار له على بطنه، وقال له: "وصلولي".
وكشف في شهادته أن عرفات كان في أيام حصاره غاضبًا من بعض قيادات السلطة الذين لم يتواصلوا معه للاطمئنان عليه.
وتفاعل الفلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع هذه التسريبات التي تنشر لأول مرة، مطالبين بالكشف عن الحقيقة كاملة حول اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وتوفي ياسر عرفات "أبو عمار" في مستشفى باريس العسكري في 11 نوفمبر 2004 بعد فترة من الحصار "الإسرائيلي" له في مقر المقاطعة برام الله وسط الضفة الغربية. وكانت قناة الجزيرة كشفت في تحقيق استقصائي لها عن إمكانية وفاة عرفات بمادة البولونيوم المشعة.