"في أيام معدودة تفككت العلاقة السرية"..

"ميدل ايست آي": هكذا أجبر ترامب ونتنياهو محمَّد بن سلمان على تغيير خطابه

"ميدل ايست آي": هكذا أجبر ترامب ونتنياهو محمَّد بن سلمان على تغيير خطابه

تسببت التصريحات المثيرة للجدل التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول تهجير أهالي قطاع غزة إلى دول أخرى، غضبا واسعا في المنطقة، لا سيما مع التكرار المستمر لهذه الدعوات من قبل ترامب ونتنياهو.

وبعدما كان ترامب يردد اسم مصر والأردن فقط، دخلت السعودية على قائمة تصريحاته المثيرة للجدل، وقال؛ إنه يأمل في أن تقوم هي وغيرها من الدول الغنية  في الشرق الأوسط بإعادة تمويل بناء قطاع غزة المنكوب، بعدما يتم شراؤه من قبل الولايات المتحدة.

تصريحات ترامب الجديدة جاءت بعد ساعات من تصريحات مثيرة للجدل أطلقها نتنياهو، قال فيها؛ إنه يدعو السعودية لإقامة دولة فلسطينية على أراضيها "الواسعة".

أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا شديد اللهجة ضد تصريحات نتنياهو، واصفة إياها بـ"التصريحات الصادرة عن عقلية متطرفة محتلة، لا تستوعب ما تعنيه الأرض الفلسطينية لشعب فلسطين".

وقال البيان؛ إن "هذه التصريحات تستهدف صرف النظر عن الجرائم المتتالية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأشقاء الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك ما يتعرضون له من تطهير عرقي".

وأضاف: "الشعب الفلسطيني الشقيق صاحب حق في أرضه، وليسوا دخلاء عليها أو مهاجرين إليها يمكن طردهم متى شاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم".

ونوهت الخارجية إلى أن "أصحاب هذه الأفكار المتطرفة هم الذين منعوا قبول إسرائيل للسلام، من خلال رفض التعايش السلمي، ورفض مبادرات السلام التي تبنتها الدول العربية، وممارسة الظلم بشكل ممنهج تجاه الشعب الفلسطيني لمدة تزيد على (75) عاما، غير آبهين بالحق والعدل والقانون والقيم الراسخة في ميثاق الأمم المتحدة، ومن ذلك حق الإنسان في العيش بكرامة على أرضه".

من جانبه، يرى رئيس تحرير موقع "ميدل ايست آي" البريطاني، ديفيد هيرست، أن "خطط التطهير العرقي في فلسطين التي أعلن عنها ترامب ونتنياهو أجبرت السياسة الخارجية السعودية على العودة إلى أيام الخطاب القومي العربي في عهد الملك فيصل".

وقال هيرست، في مقال له، إنه "وفي أيام معدودة تفككت العلاقة السرية التي كان نتنياهو يزعم وجودها مع السعودية وهي علاقة استغرق بناؤها سنوات".

وأشار إلى تفاخر نتنياهو في مقابلة مع القناة الرابعة عشر خلال زيارته إلى واشنطن الأسبوع الماضي، بالقول: "لدينا علاقات سرية منذ ما يقرب من ثلاث سنين. من جانبنا، كان يعلم عنها بالإضافة إلي شخصياً ثلاثة أفراد. وفي جانبيهم كان عدد صغير جداً من الناس ضالعين بهذا الأمر، وكذلك الحال في الجانب الأمريكي."

وعلق هيرست على حديث نتنياهو، "إنه لو كان ذلك صحيحاً، وإذا لم تكن تلك فرية أخرى من افتراءات نتنياهو، يمكن أن يكون الكشف عن مثل هذه العلاقة إما بموافقة الطرف الآخر أو لأنها قد انتهت. والاحتمال الثالث هو أن يكون هذا التصريح واحداً من محاولاته للتنمر، مثل كثيرات أخرى سبقتها خلال الأسبوع الماضي".

لم يطل المقام بالرياض فجاء ردها خلال 45 دقيقة فيما بات يعرف بتصريح الفجر، تاركة المجال مفتوحاً أمام المناورة.

كان البيان جلياً بما لا يدع مجالاً للشك، حيث جاء فيه: "إن هذه العقلية المتطرفة للاحتلال لا تفهم ماذا تعني الأرض الفلسطينية للشعب الفلسطيني الشقيق ولا تفهم ارتباطهم العاطفي والتاريخي والقانوني بهذه الأرض". يقول هيرست.

ومضى يقول: "إن للفلسطينيين حقاً في أرضهم، فهم ليسوا دخلاء عليها ولا مهاجرين إليها بحيث يتسنى طردهم منها كلما رغب في ذلك الاحتلال الإسرائيلي الوحشي."

ويشير هيرست، إلى أنه كل هذا فرض على السياسة الخارجية للسعودية العودة إلى الوراء خمسة عقود إلى أيام القومية العربية في عهد الملك فيصل، مردفًا، أنه "وللمرة الأولى خلال 15 شهراً، تلوح في الأفق الآن فرصة حقيقية لقيام جبهة عربية تتشكل من البلدان التي طالما كانت مستكينة لإسرائيل".

ويتابع، "ولعل من المثير للاهتمام ظهور الأمير تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودية الأسبق، بالكوفية ليحذر من "فعل جماعي" ليس فقط من قبل العالمين العربي والإسلامي، بل وكذلك من قبل أوروبا".

كما أعلنت مصر في وقت متأخر من يوم الأحد أنها سوف تستضيف قمة عربية يوم السابع والعشرين من فبراير لمناقشة "التطورات الجديدة والخطيرة" بعد مقترح ترامب إعادة توطين الفلسطينيين خارج قطاع غزة.

بالإضافة إلى ذلك، يجد محمد بن سلمان نفسه في موضع مختف. يقول هيرست، "فهو اليوم يسيطر بشكل حازم على مملكته، ويُنظر إليه من قبل من هم أصغر منه سناً من أبناء الشعب باعتباره زعيماً مصلحاً يتمتع بالشعبية. وما لجأ إليه من قمع كوسيلة للارتقاء إلى سدة الحكم بات، على الأقل حتى هذه اللحظة، شيئاً من الماضي".

وذكر رئيس تحرير "ميدل ايست آي"، أن محمد بن سلمان يعلم الآن مدى شعبية القضية الفلسطينية بين أبناء شعبه. فطبقاً لما أوردته ذي أتلانتيك من تقرير حول محادثاته مع وزير الخارجية الأسبق أنطوني بلينكن، فقد قال إنه على الرغم من أنه شخصياً لا يعبأ بالقضية الفلسطينية إلا أن 70 بالمائة من الناس في بلاده، وهم الأصغر منه سناً، يعبأون.

ونقلت الصحيفة عن محمد بن سلمان القول: "بالنسبة لمعظمهم، لم يعرفوا بتاتاً، في الواقع، الكثير عن القضية الفلسطينية. ولذلك فهم يتعرفون عليها للمرة الأولى من خلال هذا الصراع. وتلك مشكلة كبيرة. هل أعبأ شخصياً بالقضية الفلسطينية؟ لا، لا أعبأ، ولكن شعبي يعبأ، ولذلك أحتاج لضمان أن يكون ذلك ذا معنى".

ويضيف هيرست،  أن تداعيات السماح لإسرائيل بمسح غزة، وطرد ما يزيد عن مليوني نسمة، وإجبار الأردن ومصر على القبول بهم، وإجبار الدول العربية الثرية على إعادة بناء القطاع، من شأن ذلك كله أن يبدل الشرق الأوسط بحيث تغدو ملامحه غير مألوفة. ونتنياهو محق في ذلك.

ويبين، أن ذلك سوف يورط الولايات المتحدة في صراع ديني سوف يستمر في الغليان لوقت طويل يمتد حتى إلى ما بعد دفن جثة ترامب أو جثة نتنياهو تحت الثرى.

ويخلص بالقول، إن الدرس الوحيد المستلهم من الحروب العبثية التي شنتها أمريكا هذا القرن تحت قيادة رؤساء جمهوريين وديمقراطيين هو أنها تبدأ في حالة من اليقين وتنتهي إلى حالة من الفوضى، وأنها تستمر إلى أطول بكثير مما قد تكون أمريكا خططت له أو رغبت فيه. ولهذا السبب فإن من مصلحة أمريكا المتوجهة نحو الانعزال والقومية والتركيز على الذات أن تتخلى اليوم عن نتنياهو وعن أحلامه في إقامة إسرائيل الكبرى. لأنه غداً قد يكون فات الأوان.

المصدر : وكالات

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة