وعَدَ أبو عبيدة بإطلاق سراحه رغمًا عن أنف السَّجان"..

من هو "تنِّين المُقاومة" في جنين الذي أعلن الاحتلال اسمه ضمن صفقة "طوفان الأحرار"؟! (شاهد)

كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، اليوم الخميس، أنه من المتوقع أن يكون زكريا الزبيدي، القائد السابق لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح في جنين ضمن الذين سيفرج عنهم يوم السبت في إطار صفقة التبادل ووقف إطلاق النار في غزة.

والأسير الزبيدي هو أحد أبطال عملية "نفق الحرية" الذين وعد أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسَّام بتحريرهم في صفقة تبادل للأسرى.

من هو زكريا الزبيدي؟

أحد قادة كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وعضو سابق في المجلس الثوري للحركة. ولد عام 1976، وله تاريخ طويل من النضال، إذ نفذ العديد من العمليات العسكرية في الضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقاد النشاط العسكري للكتائب إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000ـ2005).

عمل على تنشيط الحركة الثقافية الداعمة للمقاومة وترسيخ الفهم العميق للقضية الفلسطينية، من خلال المشاركة في تأسيس وإدارة مركز ثقافي ومسرح مجتمعي (مسرح الحرية) في مدينة جنين، لتأكيد أهمية الفن في مسار حركة النضال الشعبي.

IMG_20250123_165214_982.jpg

تعرض الزبيدي للعديد من عمليات الاغتيال الفاشلة، وكان لسنوات على رأس المطلوبين لسلطات الاحتلال، وقد واجه مرارا الاعتقال، كان آخرها حين أُعيد اعتقاله في أعقاب محاولة الهروب الكبير التي نفذها مع 5 من رفاقه من سجن جلبوع عام 2021.

وتعود جذور أسرته إلى قرية وادي الحوارث التي هجّرت قبيل النكبة عام 1947، فنزح أجداده حينئذ إلى قرية قيساريا في قضاء حيفا، ومنها إلى مخيم جنزور بالقرب من جنين، ثم استقر بهم المقام في مخيم جنين.

وانتقل والده إلى الأردن حيث تخرج حاملا شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي، وقبل عودته تزوج ابنة عمته سميرة الزبيدي التي لا تملك حق الإقامة في فلسطين المحتلة، وهو ما جعل الأسرة تعاني من التشتت لسنوات، فقد كانت الأم مجبرة على السفر كل 3 أشهر إلى الأردن لاستصدار تصريح زيارة.

شهد زكريا قهر الاحتلال منذ طفولته، وكان البيت الذي عاش فيه يعجّ بالحديث عن السياسة وحركات التحرر في العالم والنضال والثورة على الاحتلال، وكان والده يقدم دروسا مسائية في اللغة الإنجليزية، لأن الاحتلال حرمه من ممارسة مهنته بشكل نظامي، وكان أثناء تلك الدروس يوجه تلاميذه إلى كيفية مقاومة الاحتلال.

تلقى الزبيدي التعليم الأساسي في مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بمخيم جنين، وفي أواخر الثمانينيات درس المسرح والتمثيل على يد آرنا مير خميس، وهي ناشطة إسرائيلية تزوجت بفلسطيني ودعمت القضية الفلسطينية، وانتقلت مع نجلها جوليانو إلى جنين، وأسست مشروع "مسرح الحجر" لتدريس المسرح لأطفال المخيم.

وكانت والدة زكريا راعية المشروع، فخصصت الطابق العلوي من منزلها لبناء مسرح "ستون" الذي شكل زكريا وشقيقه الأكبر داود نواة فرقة التمثيل فيه.

انقطع زكريا عن المدرسة بسبب الاعتقالات المتكررة في صباه، ولكنه حرص في تلك الأوقات على تثقيف نفسه في موضوعات مثل العلوم السياسية وعلم الاجتماع، كما أتقن اللغة العبرية، وبعد الإفراج عنه التحق بجامعة القدس المفتوحة، وحصل منها على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع.

انضم إلى جامعة بير زيت في مايو/أيار 2017 لمتابعة الدراسات العليا، والتحق بقسم الدراسات العربية المعاصرة لنيل درجة الماجستير، واختار موضوعا من وحي تجربته النضالية، حمل عنوان "الصياد والتنين: المطاردة في التجربة الفلسطينية من عام 1968 إلى 2018″، وتقمص زكريا فيها شخصية التنين التي يكون لها الغلبة على الصياد، بحسب إحدى الأساطير القديمة.

وفي فبراير/شباط 2019 اعتقلته سلطات الاحتلال، ولكنه تمكن في المعتقل من اجتياز ما تبقى من مساقات، وإتمام الفصول المتبقية من الرسالة، وفي يوليو/تموز 2022 اجتاز مرحلة الماجستير بنجاح، إذ عُقدت لجنة في جامعة بير زيت ونوقشت رسالته في غيابه.

بدأت خطوات الزبيدي نحو مباشرة العمل المقاوم للاحتلال حين كان في 13 من عمره، ففي مايو/أيار 1988 أصيب بعيار ناري في قدمه أثناء مظاهرة انطلقت أمام مدرسته، وتركت له الإصابة ضررا دائما، وفي تلك الفترة أخذ اهتمامه بمقاومة الاحتلال يزداد، وسرعان ما انضم لحركة فتح بتشجيع من والده.

وفي عام 1989 اعتقل 6 أشهر وبمجرد إطلاق سراحه استأنف رحلة النضال، لكن سرعان ما أُعيد اعتقاله، ففي عام 1990 حكم عليه بالسجن 4 سنوات ونصف السنة، بتهمة إلقاء عبوات حارقة على الجيش الإسرائيلي.

وعانى أثناء الاعتقال من تكرار نقله بين السجون، فقد تنقل بين سجون طبرية وتلموند وعسقلان وبئر السبع والفارعة ومجدو وعتليت وعناتا، حتى استقر في سجن جنين المركزي.

وكانت حياته في السجن حافلة بالتعليم والتثقيف الحزبي، وشمل ذلك نشأة حركة فتح ومبادئها وأساليبها وطرق الكفاح المسلح الذي يتعارض مع الاتجاه الذي أخذ يغزو التوجه الرسمي للحركة في تلك الأيام، وهو الدعوة للسلام مع المحتل، أو "الاستسلام" على حد وصف الزبيدي.

وقد جعلته التوجهات الرسمية الجديدة يشعر "بتناقض بين عقلية الثائر الذي يدرس الثقافة الثورية القائمة على أن الكفاح المسلح هو إستراتيجية وليس تكتيكا"، وبين ما كان يصلهم في السجن من أخبار عن المرحلة المقبلة التي لا مكان فيها للمقاومة المسلحة.

وفي 24 مايو/أيار 1994، كان ما تبقى من محكوميته 5 أشهر عندما أفرج عنه مع العديد من الأسرى الفلسطينيين بموجب اتفاق أوسلو لعام 1993، وتم ترحيلهم إلى أريحا حيث فُرضت عليهم الإقامة الجبرية، وبدأ آنذاك عمله في الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية.

وفي 24 ديسمبر/كانون الأول 2001، نفذ إحدى العمليات العسكرية وتعرض أثناءها لانفجار تسبب في حروق شديدة بوجهه وعينيه، وخلفت ندوبا سوداء في وجهه، وأثرت على نظره بشكل دائم، والأدهى من ذلك أن العملية كشفت عن هويته السرية وأسلوبه في العمل المقاوم.

وأُجبر على إثرها على اتخاذ أسلوب مغاير في العمل النضالي، أطلق عليه في أطروحته "التنين والصياد"، ويعتمد على التخفي، والابتعاد عن استخدام السيارات والأجهزة الإلكترونية، واعتماد أسلوب التنقل والحركة المستمرة، وعدم المكوث في مكان واحد مدة طويلة.

وأثناء الانتفاضة الثانية كانت المدن والمخيمات حاضنة النشاط المسلح، لا سيما مخيم جنين الذي أطلقت عليه إسرائيل "عش الدبابير"، إذ كان له دور جوهري في المقاومة وإنجاح العمليات العسكرية.

ودارت في المخيم معارك ضارية مع قوات الاحتلال، كان هدفها القضاء على المقاومة، وقاد الزبيدي العديد من العمليات العسكرية في المخيم وقاتل ببسالة، وكان بيت عائلته يتحول أثناء تلك المعارك إلى نقطة تمركز عسكري للمقاومة، وفي تلك الفترة تمتع بشهرة واسعة ونفوذ كبير في الأوساط الشعبية في جنين.

وفي عام 2002 اتهمته السلطات الإسرائيلية بتدبير هجوم مسلح على مقر حزب الليكود، أدى إلى مقتل 6 إسرائيليين، فوضعته على رأس قائمة المطلوبين لقوات الاحتلال، وظل مطاردا سنوات عدة، لكنه تمكن خلالها من الإفلات من قبضة القوات الإسرائيلية.

وفي مايو/أيار 2012 اعتقلته السلطة الفلسطينية في موجة اعتقالات شملت نحو 150 شخصا، بعد إطلاق النار على منزل محافظ جنين، وتعرض الزبيدي أثناء الاعتقال لإساءة المعاملة والتعذيب من قبل شرطة السلطة الفلسطينية.

وأعلن الزبيدي إضرابا عن الطعام احتجاجا على اعتقاله من دون تهمة أو محاكمة، وبعد يومين نُقل إلى المستشفى بسبب مشاكل في الكلى، وبدأ في تناول السوائل مرة أخرى عندما بلغه أنه سيُطلَق سراحه بعد جلسة محكمة أخرى في 17 سبتمبر/أيلول، لكن المحكمة أمرت باحتجازه 19 يوما أخرى لإنهاء التحقيق.

وفي عام 2019، اعتقلته سلطات الاحتلال، بعد اقتحام قوات كبيرة من جيشها مدينة رام الله، وأعلنت سلطات الاحتلال أنه متورط في "أنشطة تحريضية جديدة"، واتهمته بتنفيذ هجومين لإطلاق النار على حافلتين خارج مستوطنة بيت إيل بالضفة الغربية في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ويناير/كانون الثاني 2019، مما أدى إلى إصابة 3 أشخاص.

وقال جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) إن الزبيدي كان يخطط لتنفيذ عملية إطلاق نار في الليلة التي اعتقل فيها، وبحسب مصادر إعلامية إسرائيلية فقد وجهت له تهم تتعلق بقضايا قديمة بدءا من عام 2003، بما في ذلك بعض الهجمات التي سبق أن نال عنها عفوا بموجب اتفاق العفو.

وشملت لائحة الاتهام -بحسب تلك المصادر- 24 تهمة، منها: التسبب في الموت عمدا، والعضوية في جماعة إرهابية، وبيع الأسلحة، وإطلاق النار على الأشخاص، وإعداد المتفجرات، ومحاولة تجنيد عدد من الانتحاريين الفلسطينيين.

 

في عملية أُطلق عليها "نفق الحرية"، استطاع الزبيدي في 6 سبتمبر/أيلول 2021 مع 5 أعضاء من حركة الجهاد الإسلامي الفرار عبر نفق كانوا قد حفروه أسفل سجن جلبوع الحصين.

 

لكن سرعان ما أعادت سلطات الاحتلال اعتقالهم جميعا في غضون أيام، وتعرضوا إثر ذلك للعنف الجسدي انتقاما لهروبهم، وكسرت الشرطة الإسرائيلية فك الزبيدي وضلعين من أضلاعه أثناء إعادة القبض عليه.

 

وكان زكريا لا يزال موقوفا من دون تحديد محاكمة أو إصدار حكم بحقه، ولكن محكمة عسكرية إسرائيلية حكمت عليه بـ5 سنوات إضافية لفراره، كما عانى من سوء المعاملة والعزل الانفرادي ومنعت عنه زيارات عائلته.

وقالت هيئة شؤون الأسرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، في بيان لها في مايو/أيار 2024، إن الزبيدي يتعرض لسياسة النقل الانتقامي كل 3 أشهر، وإنه واجه على مدى 3 أشهر في سجن عسقلان تفتيشات يومية ونقصا في الملابس والطعام مع رداءته.

وفي يناير/كانون الثاني 2025، أدرجت إسرائيل اسم زكريا الزبيدي ضمن قائمة الأسرى المقرر الإفراج عنهم في إطار اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، وستسمح له بالعودة إلى منزله في جنين.

المصدر : وكالات

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة