يرى مراقبون، أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعثت برسائل قوية خلال تسليم الاسيرات الثلاث ضمن المرحلة الاولى في إطار اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، كما كشفت عن قدرات استخباراتية عالية.
في الساعات الأولى لسريان وقف النار من جانب المقاومة الفلسطينية وشعبها في غزة، وهو مشهد على واقعيته لم يخل من ملحمية واضحة. خرج مقاتلو كتائب القسام بكامل عتادهم العسكري مرتدين زيهم الأخضر الشهير، نظيفا ومرتبا وزاهيا، وكأنهم متوجهون إلى مهرجان أو احتفالية، وسرعان ما انتشر هؤلاء المقاتلون في جميع أنحاء غزة ببراعة ودقة وتنظيم فائقَين، وظهرت معهم سيارات الدفع الرباعي البيضاء ناصعة.
بالنظر إلى أن ذلك كله حدث مباشرة بعد 470 يوما من حرب الإبادة التي لم تتورع فيها إسرائيل عن استخدام طريقة مهما كانت لإخضاع شعب غزة ومقاومتها، يبدو ذلك المشهد سينمائيا بامتياز. وللحقيقة، من الواضح أن حركة حماس والمقاومة الفلسطينية تعمدت إظهاره بتلك الصورة لتمرير رسائل مبطنة إلى العالم وبشكل أكثر تحديدا إلى الإسرائيليين.
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا، فإن هذا المشهد يؤكد "فشل دولة الاحتلال في القضاء على كتائب القسام"، وأكد القرا أن "الظهور القوي لمقاتلي الكتائب يؤكد فشل الأهداف العسكرية التي أعلن عنها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو".
وتحدث المحلل العسكري، نضال أبو زيد، عن "الدلالات العميقة" التي حملتها مشاهد تسليم عناصر حركة حماس للأسيرات الإسرائيليات الثلاث، اللائي أُفرج عنهن اليوم، ضمن صفقة التبادل مع (إسرائيل).
وأشار أبو زيد إلى، أن "ما بدا من استعدادات حماس من خلال الأسلحة والذخائر التي كانت بحوزة عناصرها". واعتبر أن هذا دليل على "جاهزية الحركة"، التي أعدت خطة محكمة مسبقاً لتسليم الأسرى، مع استعداد تام للسير بخطة إطلاق سراحهن، وفق حديثه.
وأشار أبو زيد أيضاً إلى "العناصر الملثمة" التي كانت ترتدي لباساً مدنياً، "ما يعكس التزام حماس بالتشكيلات العسكرية الموزعة والمهام المحددة بين المقاومة، الحماية، والتسليم".
وفيما يتعلق بالبعد الإعلامي، أوضح أبو زيد أن حركة حماس استطاعت من خلال وجود عناصرها إلى جانب الغزيين في ساحة السرايا، "أن تبعث برسالة قوية لإسرائيل مفادها: التماسك بين المقاومة والحاضنة الشعبية بعد 471 يوماً من المعركة التي شهد خلالها الغزيون القتل والدمار". وبيَن أن المشهد كان بمثابة "إثبات لقوة التلاحم بين المقاومة والشعب رغم الصعوبات".
وأضاف أن أبرز الرسائل التي حاولت حماس إيصالها كانت من خلال "الاستعراض العسكري الذي تلا عملية التسليم"، والذي ألقى الإعلام الإسرائيلي الضوء عليه بشكل واسع.
وبحسب أبو زيد، فقد طرح الإعلام الإسرائيلي تساؤلاً ملحاً في افتتاحياته: "ماذا كنا نفعل في غزة طوال 471 يوماً؟"، في إشارة إلى "تعاظم" قوة حماس على الرغم من "المزاعم الإسرائيلية السابقة التي ادّعت أنها قضت على 75% من قدرات الحركة".
وعن مكان التسليم، أوضح أبو زيد أن العملية تمت في ساحة السرايا وسط قطاع غزة، حيث "أطلقت حماس ثلاثة مواكب من شمال ووسط وجنوب القطاع، في خطوة تهدف إلى التمويه والتأكد من أن عملية التسليم لم تكن تخضع لأي مراقبة إسرائيلية".
وأضاف أن تسليم الأسرى تم في وسط القطاع، بخلاف ما جرى في الصفقة السابقة عندما تم التسليم في الجنوب. وخلص إلى أن هذه الخطوات تعكس أن قدرات حماس الاستخباراتية لا تزال "عالية ومتماسكة".
بينما أشارت التحليلات الإسرائيلية إلى الأثر العميق لهذا الحدث، حيث قال المحلل آفي يسسخاروف: “صور الإفراج عن الأسيرات تعكس حجم الهزيمة السياسية لإسرائيل”، مضيفاً أن “حماس لا زالت تحتفظ بمكانتها بعد 15 شهراً من الحرب”.
وأوضح المحلل العسكري الإسرائيلي أمير بوحبوط أن “بقاء أبو عبيدة، الناطق باسم الجناح العسكري لحماس، يُعتبر فشلاً للمنظومة الأمنية”. كما تحدث مراسل إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تأثير هذا الحدث، مشيراً إلى أن “حماس تستغل هذه اللحظات لتعزيز قبضتها وحكمها”.
وفي السياق، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمراسلها آدم راسغون، قال فيه إن استعراض حماس في غزة أثناء تسليم الأسيرات الإسرائيليات الثلاث في أول دفعة من تبادل الأسرى بين الحركة وإسرائيل، قُصد منه إرسال رسالة أنها تسيطر على الوضع في غزة.
ومن خلال إرسال مقاتليها في استعراض واضح للقوة، كانت حماس تحاول توصيل رسالة لا لبس فيها إلى الفلسطينيين في غزة، وإلى إسرائيل والمجتمع الدولي، مفادها أنه على الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها خلال الحرب بين مقاتليها وضباط الشرطة والقادة السياسيين ومسؤولي الحكومة، فإنها تظل القوة الفلسطينية المهيمنة في القطاع.
ونقل الكاتب عن إبراهيم المدهون، وهو محلل سياسي يقيم في تركيا قوله إن “الرسالة هي أن حماس نفسها اليوم التالي للحرب”. وأضاف: “إنهم يرسلون رسالة مفادها أن حماس يجب أن تكون جزءا من أي ترتيبات مستقبلية، أو على الأقل، يجب التنسيق معها”.
وأشارت الصحيفة إلى أن مكتب الإعلام الحكومي في غزة، أعلن عن نشر آلاف من عناصر وضباط الشرطة في أنحاء القطاع، لـ”الحفاظ على الأمن والنظام”. وقال المكتب إن الوزارات والمؤسسات الحكومية مستعدة لبدء العمل “وفقا لخطة الحكومة لتنفيذ جميع التدابير التي تضمن إعادة الحياة الطبيعية”.
اهتمَّت وسائل الإعلام العبرية بمشهد ظهور عناصر كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في ساحة السرايا، بمدينة غزة، ضمن عملية تسليم الأسيرات "الإسرائيليات الثلاث.
وقد وصفت القناة الـ12 الحدث بأنه دليلٌ على أن حماس "احتفظت بقوتها وموجودة في كل مكان وتفرض سيطرتها على القطاع رغم الحرب الطويلة".
وقال موقع "روتر" الإسرائيلي، "لقد أظهرت حماس أداءً وحوكمة استثنائيين منذ صباح اليوم وحتى الآن - وكأنها لم تمر بعام ونصف من الحرب".
فيما علق الصحفي الإسرائيلي "عميحاي أتالي" على مشاهد انتشار جيبات وعناصر الشرطة في قطاع غزة: "للأسف، بعد حرب استمرت 15 شهرا ودفعنا فيها أثمانا لا تصدق، نحن لسنا المنتصرين، يجب أن تعلم كل أم عبرية: أن مصير أبنائها أُوكل إلى سياسيين غير قادرين على تحقيق النصر".
كما تساءلت منصات المستوطنين، "من أين خرجوا ومن أين اتى عددهم هذا وأين كانت كل هذه المركبات وماذا كان يفعل جنودنا منذ أكثر من سنةً هناك هذا جنون ولا يستوعبه العقل".