في خيمة تموز الحارّة.. فتيات ونساء غزة يستقوين على الحرب بـ "جلسات سرد القرآن"

غزة - محمد هنية

في خيمة سقفها ملتهب بحرّ تموز وأرضيتها رمال وحصير، اجتمعن فتيات وسيدات من غزة في أحد مخيمات النزوح بمواصي خانيونس جنوب قطاع غزة، كُل واحدة تحمل مصحفها وتسرد بقلبها "أمان الدنيا" الذي يجتمع بآيات يسردنها كاملة على جلسة واحدة.

"بدي أحفظ القرآن كله وأُلبس أبي الشهيد تاج الوقار"، هدف اتفقت عليه نور أبو سمعان مع شقيقتها يُمنى، يتسابقن أيهن ستظفر بتحقيقه، ولا شيء يثنينهن عنه، لا خيمة النزوح الملتهبة، ولا ظروف النزوح القاسية.

تقول نور لمراسل "شهاب"، الذي حضر جلسة سرد جزئين من القرآن الكريم في مصلى من النايلون يتوسط مخيم النزوح، "والدي استشهد في اليوم 91 للحرب بغزة، واضطررنا من بعده النزوح للجنوب، كان يتمنى أن نحفظ المصحف، لم نُفرّحه بذلك في الدنيا والآن سنفعل وهو في الجنة".

IMG-20240630-WA0013.jpg


تهتم نور لميراث ستودعه عن روح والدها، تتسابق مع يُمنى في حفظ وتسميع الآيات، وقد قسّمن أوقاتهن بين مساعدة والدتهن في ظروف النزوح من ترتيب للخيمة وإشعال النار للطبخ، وبين الاهتمام بهدفهن المشترك وصولا لتحقيقه.

IMG-20240630-WA0010.jpg


​​​​​​سبعينية الحرب والحفظ

في زاوية أخرى من المُصلى، لفتتني حاجة فلسطينية كانت تسرد ما حفظت من آيات على فتاة مقابلها، قاطعتها أسأل "أنت حافظة أم مُحفّظة يما؟!"، ردت مبتسمة "الاثنين معا يما".

الحاجة أم ياسر أبو جياب (71 عاما)، النازحة من مخيم الشاطئ، والحافظة لكتاب الله في سنوات خلت، وجدت في مسابقة المخيم فرصة لاستحضار المصحف الشريف، وبدأت بتسميع آياته على جلسة واحدة.

تقول في فعلها "العمر مجرد رقم"، وتُكمل في حديثها لشهاب: "حفظت المصحف قبل 40 سنة، والآن براجع ما حفظته بسرد جزئين منه على جلسة واحدة".

غابت الأسئلة بخجل وتوارت أمامها، لتُكمل هي جوابها على اللاسؤال بحذاقة:"لا تستغرب يا ابني، لو ما أشغلنا نفسنا بما هو مفيد وفيه تطييب للقلب في هالظروف، راح تاكلنا القسوة وتقسي قلوبنا، ملناش غير رب العالمين وكلامه الحكيم".

أمومة في الخيمة والمُصلى

في مشهد آخر، كانت تجلس أُمّا تحتضن طفلتها النائمة وتحمل مصحفاً لتُسمّع لحافظة صغيرة، في مشهد يجمع بين أمومة غير عادية في ظروف الحرب المستمرة منذ 9 أشهر، وبين تطوع في ميدان روحي فريد.

IMG-20240630-WA0011.jpg


المُحفّظة نور أبو حمام، اصطحبت طفلتها "جوري" في مسابقة سرد أجزاء القرآن الكريم، حيث لا تستطيع تركها في الخيمة وحدها، فحضرت معها لتشهد في جلسة قرآنية مميزة.

تقول نور لشهاب "حفظت القرآن الكريم في عمر ال 25 عاماً، وأحببت أن أتطوع في التسميع للمتسابقات من الطلبة والأمهات".

تستيقظ نور من الفجر لتصلي وتصنع طعام عائلتها، لتكون عند التاسعة صباحا جاهزة لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم، حيث تستمر لأربع ساعات يومياً في مهمتها هذه، قبل العودة لخيمتها واستكمال مهامها المنزلية في ظروف قاسية من حطب ورمال ومعاناة لا تتوقف.

وحضر مسابقة سرد جزئي "عم وتبارك" على جلسة واحدة، عشرات الطالبات والأمهات في نهار يوم الإثنين الماضي، ليستكملن حفظ وسرد باقي الأجزاء في مسابقات محليّة بمخيم النزوح.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة