مجتمع في دائرة التهديد

تقرير 38 جريمة في اللد والرملة بعد هبة الكرامة

جرائم في الداخل المحتل

نهار الثامن من آب/ أغسطس 2021، كان يومًا عاديًا يمر على عائلة الوحواح من مدينة اللد، اتجه خلاله الفتى أنس (17 عاما) عائدًا إلى منزله بعد مشاركته في فعالية تربوية.

كان يحمل قلمًا في جيبه وبعض المستندات التي كان يجمعها استعدادًا للتسجيل في الجامعة ليبدأ مشواره الأكاديمي.

تقدم القاتل نحوه حتى صار قريبًا منه، أطلق عليه النار مستهدفا القسم العلوي من جسده، ليُرديه قتيلًا على الرصيف بالقرب من المسجد الكبير في البلدة القديمة في اللد.

لم تقترف هذه الجريمة نتيجة خطأ في التشخيص، المستهدف كان شابًا يبلغ من العمر 17 عامًا، اسمه أنس الوحواح، قتل، بحسب الشبهات، على خلفية نزاع عائلي لا صلة له فيه.

لم يكن أنس ضمن قائمة المطلوبين للشرطة، أو أنه ضالع في نزاعات جنائية ولم يكن من أصحاب السوابق وسجله "نظيف" لدى الشرطة، هو شاب حالم واعد كما قال والده قدري في حديث صحفي.

ومثل أنس، كمثل غالبية ضحايا جرائم القتل في مدينتي اللد والرملة، معظمهم من الأشخاص الذين لا تربطهم صلة بعالم الجريمة أو الجنائيات، قتلوا كانتقام في إطار نزاعات دموية سواء بين العصابات الإجرامية أو العائلية.

يأتي ذلك وسط غياب تام للشرطة وسلطة القانون، فضلًا عن نسبة فك لغز الجرائم المتدنية خصوصًا عندما يتعلق الأمر في المجتمع العربي.

38 جريمة قتل وقعت في مدينتي اللد والرملة ما بعد أحداث هبة الكرامة في أيار/ مايو 2021، أي خلال عامين ونصف العام، لتصل نسبة الجريمة في المجتمع العربي في اللد والرملة، إلى نحو 90% من مجمل الجرائم التي ارتكبت في البلدين.

يذكر أن نحو 23% من أهالي الرملة، هم من المواطنين العرب، أي ما يصل إلى نحو 18 ألف مواطن، أما في مدينة اللد، وصلت نسبة السكان العرب نحو 28%، وعددهم يقدر بنحو 28 ألف مواطن.

وبدا واضحًا انفلات الجريمة في اللد والرملة بعد أحداث هبة الكرامة، وخاصة النزاعات العائلية المسلحة، والتي وصلت ذروتها خلال العام الجاري، الذي شهد تسجيل 19 جريمة حتى شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.

جثث تكدّست في الشوارع

"لا يوجد حي إلا وطاولته الجريمة"، يشير الناشط غسان منيّر بيده إلى الموقع الذي قتل فيه شاب من مدينة اللد خلال العام الجاري. لم يكن هذا القتيل الذي قصده منيّر هو الأول في الصراعات الدموية في اللد والرملة.

ويروي أهالي من اللد والرملة أن شوارع في المدينتين التاريخيتين إلى "معترك تكدّست فيه الجثث"، ويشددون على أنه "حتى في أسوأ فتراتها لم تشهد المنطقة هذا التصاعد الخطير في الجريمة، ولا حتى في مظاهرها الدموية".

بين هبة الكرامة والنزاعات الدموية

في الوقت الذي تحولت فيه شوارع اللد إلى ساحة معركة خلال هبة الكرامة، حين انتفض الأهالي للدفاع عن بيوتهم بعدما هوجموا من قبل مستوطنين مسلحين بحماية الشرطة، توقفت الجريمة بشكل قاطع.

ويؤكد الأهالي أنه "لم يبلغ في وقتها عن جريمة إطلاق نار واحدة على خلفية جنائية في مدينتي اللد والرملة". ولكن بعد انتهاء الأحداث، بدأت تشهد المنطقة جرائم قتل متتالية.

نكبة جديدة

كان "ياسر" (اسم مستعار) من مدينة اللد، يمارس حياته الطبيعية بشكل اعتيادي، يذهب إلى العمل صباحا يسترزق، ويعود إلى زوجته وأولاده آمنا، كان يمارس نشاطاته اليومية دون اكتراث، بحسب ما أكد في حديث صحفي.

كل ذلك تغيّر في اليوم الذي تورّط فيه أحد أقارب "ياسر" بجريمة قتل، وانقلبت الحياة رأسا على عقب.

ويروي أنه "بتت لا أخرج من البيت، ولا افتح بابه لأى أحد، الخوف والرعب تسللا إلى غرف الأولاد. العائلة بأكملها باتت تعيش في حالة رعب شديد، مستقبل مجهول ولا حلول في الأفق".

"بمجرد أن تكون من العائلة فاسمك سيكون على لائحة المطلوبين والمهددين بالقتل" يقول "ياسر"، ويضيف أن "كل حياتنا تغيّرت إلى الأسوأ، عدا عن الخوف والتوتر الدائم، تعطلت أعمالنا، لا نستطيع الخروج الى العمل، ولا قضاء حاجاتنا".

وتابع "لا يمكنك معرفة هوية الضحية القادمة ولا يمكن ضمان ألا تكون أنت بنفسك هذه الضحية، لذلك التزمت البيت، أنا والكثير من أبناء عائلتي".

واعتبر أن "هذا ما تريده السلطة، أن تشتت شملنا، وأن تفتت كل نسيج مجتمعنا في اللد والرملة على وجه الخصوص، وخاصة بعد الصحوة التي شهدتها مدينة اللد في أحداث هبة الكرامة".

ويؤكد الناشط منيّر الصورة التي عكسها "ياسر" (اسم مستعار) في حديث صحفي، وقال: "في اللد والرملة هناك عشرات الأشخاص الذين لا يخرجون من بيوتهم منذ شهور بسبب الجريمة، لا إلى العمل، ولا حتى يفتحون باب بيتهم".

وأضاف "الجريمة تفتك بالمجتمع، الأمر لا يقتصر على الجريمة نفسها، إنما لها تداعيات اجتماعية كبيرة في اللد والرملة، هي تفرق بين العائلات بل وإنها تضعف من العمل السياسي والاجتماعي لأن الناس باتت منشغلة بنفسها".

وأوضح منير أن "لكل جريمة في اللد والرملة، هناك أسباب مختلفة، ولكن الهدف هو واحد، هو تهجير أهل اللد والرملة من البلدات التاريخية بصورة ناعمة. الجريمة فتّتت المجتمع".

وتابع "الحارات والأحياء تقسّمت والعائلات تفككت بسبب الجريمة، وكل هذا بدأ يتصاعد منذ هبة تشرين الأول/ أكتوبر 2000 (ضمن أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية)، ولكن اليوم الحكومة تجمي ثمار ما زرعته، خاصة بعد أحداث هبة الكرامة".

وأضاف أنه "منذ هبة أكتوبر 2000 حتى عام 2020 قبل هبة الكرامة كانت الجريمة في اللد والرملة كباقي البلدات العربية، ولكن ما بعد أحداث هبة الكرامة، هناك قرار اتُخِذ في الغرف المظلمة لتفتيت المجتمع في المدن الساحلية".

وشدد على أن الجريمة وتصاعدها الأخير يأتي في ظل قرار إسرائيل بـ"بتلقين المجتمع درسا على خلفية صحوته خلال أحداث هبة الكرامة، الأرقام تشير إلى ارتفاع غير مسبوق في نسب الجريمة بعد عام 2021".

"الجريمة برعاية الشاباك والشرطة"

ومن جهته قال عضو اللجنة الشعبية في مدينة اللد، المحامي خالد زبارقة، إن "هناك مخططا لاستهداف العرب في المناطق الساحلية وتحديدا مدينة اللد".

وأضاف "نلاحظ في السنوات الأخيرة أن مدينة اللد بدأت تأخذ حيزا في أروقة السياسية الإسرائيلية، لأن الميزان الديموغرافي فيها رجَح لصالح للعرب، قبل 20 عاما كنا 17% أما اليوم فنحن نشكل 30% من السكان في المدينة".

وشدد على أن هذه "الدالة (التصاعدية، بالنسبة لعدد السكان العرب في اللد) بالنسبة للسياسيين الإسرائيليين هي معطى مقلق، لذلك يسعون إلى تغيير هذا الواقع".

وقال زبارقة إنه "بات واضحا أن زرع الجريمة ورعايتها وتحريض الناس على بعضهم البعض، وضرب العائلات كله برعاية المخابرات والشرطة. إضافة إلى أن القاتل يعلم أنه بنسبة أكثر من 90% سيفلت من العقاب إذا قام باقتراف جريمة ما".

وعن الأجواء في المدينة قال إنها "صعبة جدا، هناك شعور بعدم الأمان"، واستدرك قائلا: "لكن اعتقد أننا نملك القدرة على تجاوز هذه المرحلة، وعلى الدولة أن تفهم أننا نعلم دور كل مؤسسة فيها لنشر الجريمة".

وختم بالتشديد على أنه "واثق من أننا سنتجاوز هذه المحنة لأننا مجتمع متماسك قادر على تجاوز هذه الأعراض المرضية".

المصدر : شهاب

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة