والعالم في غياهب الجُب!

الأقصى والإبراهيمي يواجهان تهديدًا وجوديًّا غير مسبوق بموسم الأعياد التوراتيَّة

شهاب - تقرير

يواجه المسجد الأقصى المبارك بالعاصمة الفلسطينية القدس، والمسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، تهديًا وجوديًا غير مسبوق مع بداية الأعياد التوراتية، التي تأخذ منحنى تصاعديًا أكثر وأشد خطورة على هويتهم الإسلامية، في ظل مساعي الحركة "الصهيونية الدينية" إلى فرض ما يسمى بـ"الهيكل" المزعوم مكان الأقصى، وتمويل حكومة الاحتلال للاقتحامات، وزيادة أعداد المقتحمين لهما.

وتتخذ "جماعات الهيكل" المتطرفة، في كل عام، موسم الأعياد كمحطة رئيسية ومهمة لتصعيد عدوانها على الأقصى والإبراهيمي ليبلغ أعلى ذروته، وتُحوله إلى مناسبة لتكريس حقائق جديدة فيه عبر إدخال ما يسمى "الأدوات الدينية التوراتية، ونفخ البوق، وفرض القربان، وإدخال القرابين النباتية".

كما تعكس الشعارات التي تتردد على ألسنة أبرز القادة والحاخامات الإسرائيليين، ما يخطط للأقصى والإبراهيمي خلال موسم الأعياد اليهودية، وهي كثيرة مثل: "سنبني فيه كنيساً" و"لعل صاروخاً يسقط عليه" و"جنودنا يقاتلون من أجل الهيكل" و"جبل الهيكل في أيدينا" فالمسجد الأقصى في نظرهم بوابة معركة التصفية التي يخوضونها على كل الجبهات، وما يجري في غزة والضفة الغربية يتجلى في مدينة القدس وساحات المسجد الأقصى.

ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تصاعدت حدة الاعتداءات والإجراءات الاحتلالية في المسجدين المباركين بشكل غير مسبوق، في محاولة لفرض "السيادة الإسرائيلية" الكاملة عليه وتحويله إلى "مقدس يهودي".

"عيد الأنوار" بالأقصى

الخبير في شؤون القدس والمسجد الأقصى زياد ابحيص، قال إن المسجد الأقصى على باب عدوان صهيوني جديد بصفته أحد العناوين المركزية لمعركة الحسم، فيما يسمى بـ "عيد الأنوار العبري" والذي يمتد ما بين يوم الأربعاء 25 ديسمبر الجاري لـ 2 يناير المقبل.

وأضاف ابحيص في تصريح صحفي لوكالة "شهاب" للأنباء، أن هذا العدوان يشمل إشعال الشمعدان حول المسجد الأقصى ليلاً وأداء طقوس توراتية مع تعزيز الاستفراد بسوق القطانين وساحة الغزالي إلى حد بات يجعلها أقرب إلى كُنُس مؤقتة في ليالي هذه الطقوس مرتكزة في ذلك إلى قرار لمحكمة الاحتلال العليا في العام 2017، بالسماح للمستوطنين بأداء كامل طقوسهم على أبواب المسجد الأقصى.

وبين أن المستوطنين يسعون إلى تعزيز الاقتحامات نهار تلك الأيام الثماني ومحاولة إشعال الشمعدان ولو رمزياً داخل المسجد الأقصى في إطار المحاولة المستمرة لنقل كامل الطقوس التوراتية إلى داخله، على الرغم من أن وقت إشعالها دينياً هو بعد غروب الشمس وليس في ساعات النهار.

وذكر أنه جرت محاولتين بشكل رمزي سابقًا، كمقدمات تحاول الصهيونية الدينية التأسيس عليها للوصول تدريجياً إلى أداء الطقس الديني الكامل وإدخال جميع الأدوات التي يتطلبها.

المسجد الإبراهيمي

وأما في المسجد الإبراهيمي، فأوضح ابحيص أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على تحويل "عيد الأنوار" إلى مناسبة لتكريس السيادة الصهيونية المزعومة عليه، حيث يحاول مسؤولوه فرض حضور مركزي في إشعال الشمعدان داخل المسجد الإبراهيمي.

ولفت إلى أنه كان هناك سابقتين في اشعال الشمعدان في المسجد الإبراهيمي، كانت الأولى عام 2019 حيث أشعل الشمعدان فيه نفتالي بينيت وكان حينها وزير حرب الاحتلال، ثم في 2021 حيث أشعل الشمعدان فيه رئيس الكيان الصهيوني يتسحاق هرتسوغ، أما في العام الماضي 2023 فقد كان معظم المشاركين في هذا الاحتفال داخل المسجد الإبراهيمي من عائلات الأسرى الصهاينة في قطاع غزة أو من جنود الاحتلال العائدين من مهامهم في حرب الإبادة المستمرة منذ ذلك الحين.

وبحسب ابحيص فإن الاحتلال الإسرائيلي يجمع بكل تياراته على جعل هذا العيد عنواناً لضم الخليل وإعلان السيادة المزعومة على مسجدها الإبراهيمي.

وأوضح أن المقاومة تقف سداً وحيداً مُجدياً في مواجهة هذه المخططات، وهو ما يفرض العمل بكل جهد ممكن على تحويل هذه المناسبات من مناسبات تختص بنخبة محدودة من المرابطين والمقاومين يصطفيهم الله لخوض معركته إلى عنوان مركزي لاستنهاض الأمة بأسرها وإشراكها في هذه المعركة التي هي بحق المعركة المركزية لإرادتها وهويتها ووجودها، وهي مهمة لم تتحقق رغم أولويتها.

الإحلال الديني

وقال ابحيص إن الاحتلال الصهيوني يتطلع اليوم إلى الإحلال الديني في المسجد الأقصى المبارك، وإزالته من الوجود وتأسيس الهيكل المزعوم في مكانه وعلى كامل مساحته البالغة 144 ألف مترٍ مربع.

وأضاف أن الاحتلال يعمل على تحقيق ذلك عبر خطة مرحلية قائمة على فكرة الاشتراك، أي تحويل المسجد الأقصى إلى مقدسٍ مشترك بين المسلمين واليهود كمقدمة ضرورية لتهويده بالكامل، لنقله من خانة المقدس الإسلامي الخالص التي كان عليها إلى خانة المقدس اليهودي الخالص التي يعمل الصهاينة بجدٍّ على فرضها.

وأوضح ابحيص أنه يجري العمل على فرض هذا التغيير الحاسم في هوية المسجد الأقصى عبر ثلاث أشكالٍ من الاشتراك، أولها التقسيم الزماني بمحاولة فرض أوقات اقتحام مخصصة للمقتحمين الصهاينة موازية للوجود الإسلامي الأصيل فيه، والتقسيم المكاني بمحاولة عزل جزء من ساحته ومبانيه وتخصيصها للمستوطنين لتصبح مقرهم الدائم وتتركز هذه المحاولة اليوم في الساحة الشرقية للأقصى.

وأما الشكل الثالث، فهو التأسيس المعنوي للهيكل بفرض كامل الطقوس التوراتية فيه، أي بالتعامل معه وكأنه قد بات هيكلاً حتى وإن كانت مبانيه ما تزال المباني الإسلامية ذاتها، في محاولة لتحويل فرض الطقوس فيه إلى "تأسيس معنوي" يمهد للتأسيس المادي للهيكل المزعوم.

موسم للعدوان

وأوضح ابحيص أنه على مدار 21 عاماً من اقتحامات المسجد الأقصى المبارك التي كرسها الاحتلال من بعد انتفاضة الأقصى، وتحديداً بدءاً من شهر 8-2003، فإن الأعياد التوراتية الدينية والأعياد الصهيونية القومية تحولت إلى مناسبات للعدوان على المسجد الأقصى المبارك ومحاولة التقدم في تغيير هويته.

وذكر أن جماعات الهيكل محاكم الاحتلال وجهاز شرطته ومؤسساته السياسية كانت تتبادل الأدوار أحياناً وتتكامل فيما بينها أحياناً أخرى لتمرير هذا التغيير المستمر في الوضع القائم في المسجد الأقصى.

وأشار ابحيص إلى أن هناك أربع مواسم عدوان مركزية على المسجد الأقصى، هي: "الفصح العبري" ومدته ثماني أيام وغالباً ما يتحرك ما بين الشهر الثالث والرابع من العام الميلادي، والذكرى العبرية لاحتلال القدس وهي مناسبة قومية مدتها يوم واحد وتتحرك ما بين الشهر الخامس والسادس من العام الميلادي، أما موسم العدوان الثالث فهو "ذكرى خراب الهيكل" التوراتية ومدتها يوم واحد وعادة ما تتحرك ما بين الشهر السابع والثامن من السنة الميلادية، وأخيراً يأتي موسم الأعياد الطويل الذي يمتد ما بين الشهر التاسع والعاشر من العام الميلادي ويتألف من أربعة أعياد متتالية على مدى 22 يوماً ويشكل موسم العدوان الأعتى والأخطر.

وتابع ابحيص، مع تعاقب السنوات والتجارب، بدأت جماعات الهيكل المنبثقة عن تيار الصهيونية الدينية تدرك أن هناك فراغاً طويلاً في تقويمها السنوي؛ فأعيادها المركزية تقع ما بين الشهر الرابع والعاشر من العام الميلادي وتتركز في ستة أشهر من السنة، ولذلك بدأت بالعمل على إدخال مناسبة خامسة تكسر هذا الانقطاع ومن هنا جاء اهتمامها بـ "عيد الحانوكاه" أو "عيد الأنوار العبري" ليصبح موسم التهويد المركزي الخامس، وهو يأتي في الشهر الثاني عشر للسنة الميلادية.

وأوضح ابحيص أن عيد الأنوار العبري في أصله عيد هامشي من الناحية الدينية؛ إذ أنه من آخر الأعياد دخولاً للرزنامة العبرية وليس فيه أي يوم للصيام أو الامتناع عن العمل وفق الشريعة التوراتية، إلا أن مجموعة من الخصائص زادت من مكانته في العقود الأخيرة.

وبين أن الخاصية الأولى هي طول مدته لكونه يمتد على مدى ثمانية أيامٍ كاملة، والثانية هي التزامن النسبي مع موسم الأعياد المسيحي الغربي ما بين عيد الميلاد ورأس السنة –وهو تزامن متحقق هذا العام- ما يسمح بتعزيز مقولة "التراث اليهودي-المسيحي المشترك"؛ رغم أنه في التطبيق موسم تضييق على المصلين والمحتفلين المسيحيين في القدس باسم تأمين الأعياد اليهودية، وهذا السبب كان يعزز مكانة هذا العيد إبان انتشار اليهود في أوروبا.

وأما الخاصية الثالثة، فأشار ابحيص إلى معناه التاريخي إذ تزعم التوراة أنه يعود إلى عهد انتصار الثورة المكابية لليهود على السلوقيين واحتلالهم القدس وإعادة "تأسيس الهيكل" في القرن الثاني قبل الميلاد، وهو ما يجعله مرتبطاً بفكرة الهيكل وبالقتال لاستعادته.

وفيما يتعلق بالخاصية الرابعة والأخيرة، فهي ارتباط هذا العيد بالشمعدان الذي اتُخذ شعاراً مركزياً للكيان الصهيوني عند تأسيسه، فللشمعدان تسعة أذرع، أربعة من كل جهة ترمز للأيام الثمانية لمعجزة إنارة الهيكل بعد "استعادة" اليهود له من السلوقيين وفق الزعم التوراتي، أما الذراع الوسطى العلوية فهي "الشاهد" وهي شمعة إشعال بقية أذرعه، ومن هنا فإن الاحتفاء الصهيوني المعاصر بهذا العيد أخذ يتحول إلى احتفاء بالدولة والجيش باعتبارهما الثورة المكابية الحديثة التي لا بد أن تنتهي بتجديد الهيكل المزعوم، ومن هنا باتت أهمية "عيد الأنوار" القومية المعاصرة أكبر بكثير من أهميته الدينية التاريخية.

مقدمة لمواسم كبرى

ومن جهته، اتفق المختص في شؤون القدس عبد الله معروف مع سابق، حيث قال، إن عيد "الحانوكاه" (الأنوار) يعتبر من مواسم الاقتحامات والاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك سنوياً.

وأضاف معروف في تصريح لوكالة "شهاب" للأنباء، أنه في هذا الموسم هذا العام بالذات نرى أن الاختلاف بينه وبين ما سبقه هو أنه الموسم الأول الذي يتم في ظل قرار وزير الأمن الإسرائيلي "بن غفير" بالسماح بكافة الطقوس الدينية اليهودية داخل المسجد الأقصى دون قيود إطلاقاً.

وتابع: "من خلال ذلك فإن جماعات المعبد المتطرفة أعلنت بالفعل عن برامج دينية تتضمن طقوساً ومواعظ وصلوات في المسجد الأقصى المبارك طوال هذا الموسم، وهو ما يعني أن كافة الطقوس الدينية لهذه الجماعات باتت تتم في المسجد الأقصى دون حسيب أو رقيب ودون أدنى رد فعل من العالم العربي والإسلامي الرسمي والشعبي".

ونوه إلى أن هذا الموسم يعتبر مقدمةً لمواسم كبرى ستكون في العام القادم أخطرها بعد أربعة أشهر هو عيد الفصح.

وبين معروف أن هذه الاعتداءات تؤكد ما حذرنا منه مراراً من أن الاحتلال بات يتعامل مع المسجد الأقصى المبارك على أنه معبد قائم بالفعل.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة