في يناير 2022، وجهت المناضلة أم ناصر أبو حميد، التي عُرفت بلقب "خنساء فلسطين"، نداءً إنسانيًا مؤثرًا إلى القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، تناشد فيه تحرير أبنائها الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وبعد ثلاث سنوات من الانتظار والأمل، وفي يناير 2025، استجابت المقاومة الفلسطينية لهذا النداء ضمن صفقة طوفان الأحرار، حيث تم الإفراج عن ثلاثة من أبنائها: نصر، محمد، وشريف أبو حميد.
معاناة الأم وصمود العائلة
أم ناصر أبو حميد، سيدة فلسطينية من سكان مخيم الأمعري قرب رام الله، عُرفت بتضحياتها وصبرها، حيث اعتُقل معظم أبنائها في سجون الاحتلال، وحُكم عليهم بالسجن المؤبد. فقدت أحد أبنائها، ناصر أبو حميد، شهيدًا داخل السجن نتيجة الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة السجون الإسرائيلية، حيث أُصيب بالسرطان وحُرم من العلاج المناسب حتى استُشهد، ليصبح رمزًا للأسير الشهيد.
لم يتوقف استهداف الاحتلال لعائلة أبو حميد عند الاعتقال فقط؛ ففي مايو/أيار 1994، اغتالت قوات الاحتلال ابنها عبد المنعم أبو حميد عقب تصفيته لأحد ضباط جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) في منطقة بيتونيا، ومنذ ذلك الحين أطلق عليه لقب "صائد الشاباك"، ليبقى اسمه محفورًا كرمز للمقاومة والتحدي.
رغم الفقد والفراق، بقيت أم ناصر تجسد صمود الأمهات الفلسطينيات، متنقلة بين السجون والمحاكم، مطالبةً بالحرية لأبنائها ولجميع الأسرى الفلسطينيين.
المحررون: نصر، محمد، وشريف أبو حميد
أمضى نصر، محمد، وشريف أبو حميد سنوات طويلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث واجهوا أحكامًا بالسجن المؤبد بتهم تتعلق بالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، تعرضوا خلال فترة اعتقالهم لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وعانوا من ظروف قاسية داخل الزنازين، بما في ذلك العزل الانفرادي والإهمال الطبي.
ورغم كل هذه المعاناة، لم تفقد العائلة الأمل، كان الأبناء الثلاثة يمثلون نموذجًا للصمود داخل السجون، حيث قادوا إضرابات عن الطعام وشاركوا في تنظيم الحراك داخل المعتقلات، رفضًا لسياسات الاحتلال التعسفية.
الإفراج عنهم في صفقة طوفان الأحرار لم يكن مجرد انتصار شخصي للعائلة، بل كان انتصارًا رمزيًا للأسرى كافة، الذين ينتظرون حريتهم خلف القضبان.
صفقة طوفان الأحرار
صفقة طوفان الأحرار جاءت في إطار رد المقاومة على جرائم الاحتلال، حيث شملت الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، بينهم أبناء أم ناصر أبو حميد.
هذه الصفقة لم تكن مجرد تبادل للأسرى، بل كانت تعبيرًا عن وفاء المقاومة لتضحيات الأسرى وعائلاتهم، واستجابةً لنداء الأمهات اللواتي لم يفقدن الأمل رغم طول سنوات الفراق.
فرحة الحرية وجرح الفقد
لحظة تحرير أبناء أم ناصر كانت لحظة تاريخية مؤثرة، حيث امتزجت الدموع بالفرح، كانت والدتهم تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، لكن غصة الفقد بقيت حاضرة بغياب ابنها ناصر أبو حميد، الذي استُشهد داخل السجن بعد صراع طويل مع المرض والإهمال الطبي المتعمد، وغياب ابنها عبد المنعم، الذي اغتالته قوات الاحتلال قبل أكثر من عقدين.
مشاهد لقاء أم ناصر بأبنائها المحررين جسدت قوة الأمل والإيمان بقضية الحرية، لكنها كانت أيضًا تذكيرًا بالثمن الباهظ الذي تدفعه العائلات الفلسطينية نتيجة استمرار الاحتلال وسياساته القمعية.
وقد عمّت أجواء الفرح أوساط الشعب الفلسطيني، حيث خرجت مسيرات في عدة مناطق احتفالاً بالإفراج عن الأسرى، مؤكدين دعمهم للمقاومة وصمود العائلات، خاصة عائلة أبو حميد التي أصبحت رمزًا للتحدي والثبات.
قصة أم ناصر أبو حميد ليست مجرد حكاية أم فلسطينية، بل هي رمز لصمود شعب بأكمله في وجه الاحتلال، تحرير أبنائها ضمن صفقة طوفان الأحرار يعكس قوة الإرادة الفلسطينية والتزام المقاومة بواجبها تجاه الأسرى، ورغم الفرح بالحرية، يبقى الحلم الأكبر هو الإفراج عن جميع الأسرى ورفع الظلم عن شعب يعيش تحت الاحتلال، في انتظار يوم تتحقق فيه العدالة والكرامة.