تقرير خاص| تكتيكات متطورة.. كيف تحوّلت بيت حانون إلى فخّ محكم لجيش الاحتلال؟

تقرير/  شهاب

يتلقى الاحتلال الإسرائيلي صفعات متواصلة منذ بدء عمليته البرية الأخيرة في شمال قطاع غزة، رغم الدمار والقوة النارية غير المسبوقة التي يستخدمها في تلك المناطق بهدف القضاء على المقاومة وتفريغ الشمال من أهله.

وبعد ما يقارب الشهرين ونصف من عمليته العسكرية في جباليا وبيت لاهيا وما لحق بها من خسائر، أعلن بدء عملية عسكرية في بلدة بيت حانون التي زعم القضاء على كتائب المقاومة فيها خلال الشهور الأولى من حرب الإبادة الممتدة منذ أكثر من 15 شهراً.

وأثبتت بيت حانون، البوابة الشمالية لقطاع غزة مع الأراضي المحتلة عام 1948، مرة تلو الأخرى عبثية عدوان الاحتلال على قطاع غزة وعجزه عن اقتلاع المقاومة، على الرغم من الإبادة التي قام بها، وتحويلها إلى ركام بالكامل، لتخرج له في الوقت الذي تختاره وتفتك بجنوده.

وتسبب كمين اليوم الاثنين بصدمة في أوساط الاحتلال، الذي أعلن مراراً خلال 464 يوماً سيطرته على بيت حانون، لتفاجئه المقاومة في كل مرة بكمين قاتل، يخضع قبله ضباطه وجنوده لعملية رصد دقيقة من أصحاب الأرض، قبل الفتك بهم في ساعة الصفر وتكبيدهم خسائر تعيدهم إلى مربع اللحظة الأولى لشن العدوان.

وسبق كمين المقاومة، الذي لا تزال تفاصيله غير واضحة بشكل رسمي، انهيار مبنى على قوات الاحتلال نتيجة تفجيره من قبل المقاومة، حيث شهد يوم السبت الماضي كميناً صعباً أسفر عن مقتل وإصابة آخرين جراء تعرض جيش الاحتلال الإسرائيلي لإحدى أصعب العمليات الأمنية في شمال قطاع غزة.

وكشفت وسائل إعلام عبرية تفاصيل الكمين، حيث قالت القناة 12 إن 4 جنود قُتلوا في "حادثة صعبة" شمال غزة، بعد أن نصب مسلحون كميناً قاتلاً لقافلة في بيت حانون. وأضافت: "فجّر المسلحون عبوة ناسفة قوية وبدأوا بإطلاق النار على القافلة. كما أُصيب 5 جنود في الهجوم، اثنان منهم في حالة خطرة". ووصفت عملية الإنقاذ بأنها كانت "معقدة للغاية" بسبب النيران المستمرة من المسلحين.

تكتيكات متنوعة

تعتمد المقاومة الفلسطينية على تكتيكات الكرّ والفرّ، حيث تنفذ عمليات نوعية ثم تنسحب لإعادة تموضعها، مما يضع جيش الاحتلال في حالة استنزاف دائم.

الخبير الاستراتيجي العميد إلياس حنا أشار إلى أن العملية في بيت حانون تُظهر قدرة المقاومة على استغلال الفجوات الأمنية وتنفيذ هجمات نوعية في مناطق يعتقد الاحتلال أنها خالية من التهديدات. وأكد أن القتال في غزة يتسم بطابع استنزافي يضع الاحتلال في مأزق مستمر.

وأشار إلى أنّ كمائن بيت حانون تمثل ضربات قوية لجيش الاحتلال، حيث كشفت نقاط ضعفه الميدانية وأربكت خططه العسكرية.

وشدد على أنّ الخسائر الكبيرة والارتباك الواضح يعكسان تحديات غير مسبوقة تواجه "إسرائيل" في حربها على غزة، بينما تستمر المقاومة في توجيه ضربات نوعية تُثبت قدرتها على إدارة المعركة بفعالية واحترافية.

من جانبه، قال الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي إن الخسائر التي تكبدها لواء ناحال الإسرائيلي مؤخراً في بيت حانون شمال قطاع غزة تكشف عن تطور نوعي في أساليب المقاومة الفلسطينية وقدرتها على التكيف مع ميدان المعركة.

وأوضح الفلاحي في تحليله للمشهد العسكري في قطاع غزة أن العمليات الأخيرة تظهر قدرة المقاومة على التكيف مع ظروف الحرب، رغم مرور أكثر من 100 يوم على المعركة.

توظيف التكنولوجيا

في ذات السياق، نشرت القناة 12 الإسرائيلية شهادات لجنود إسرائيليين بشأن المعارك التي يخوضها جيش الاحتلال في بيت حانون شمال قطاع غزة.

وقال جنود الاحتلال للصحيفة العبرية: "نقاتل في بيئة مراقبة بالكاميرات من قبل المقاومين. لقد زرعوا عبوات ناسفة في كل زقاق ويفعّلونها من داخل الأنفاق"، مضيفين أن "شبكتهم تحت الأرض فعّالة بكامل طاقتها".

وأضافوا: "لا نراهم بالعين المجردة. منذ أسبوع ونصف لا يوجد أي تحديد مباشر لمكان المقاومين. زرعوا بيت حانون بالكامل بكمية هائلة من العبوات الناسفة ومخلفات قنابل سلاح الجو".

وأكد عدد من الجنود في شهاداتهم أن "كل زقاق وكل تقاطع مليء بأحدث الكاميرات، ومنها كاميرات حرارية تغطي 360 درجة"، مشددين على أن المقاومين يختارون الأهداف بدقة ويرصدون الحركة عبر الكاميرات.

وأوضحوا أن المقاومين في بيت حانون "يفعّلون العبوات الناسفة، وبمجرد الإعلان عن وصول فرق الإنقاذ، يخرجون لإطلاق النار على هذه القوات".

ووفق الصحيفة العبرية، فإن الاحتلال يعزو الخسائر الكبيرة إلى زرع معظم ميدان المعركة بالمتفجرات من مخلفات الصواريخ والقذائف الإسرائيلية، والمموهة بطرق معقدة، حيث تُفجّر عند تقدم دوريات الجيش، مع تعمد استهداف القوات الراجلة فقط والاقتصاد بالمواد المتفجرة.

خسائر غير معلنة

في ذات السياق، صرّح الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة أن المقاتلين، بعد أكثر من 100 يوم على عملية التدمير الشامل والإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال شمال قطاع غزة، لا يزالون يكبّدونه خسائر فادحة، ويسددون له ضربات قاسية خلفت خلال الساعات الـ 72 الأخيرة أكثر من 10 قتلى وعشرات الإصابات.

وأكد في تصريح صحفي أن الخسائر في صفوف جيش الاحتلال أكثر بكثير مما يعلنه، وأن الاحتلال سيندحر عن شمال القطاع خائباً يجر أذيال الخزي دون أن يتمكن من كسر شوكة المقاومة، وأن الإنجاز الوحيد الذي حققه هو الدمار والخراب والمجازر بحق الأبرياء.

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 قُتل 835 جندياً، بينهم 400 قتلوا في المعارك البرية داخل قطاع غزة التي بدأت في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأضاف أن منذ بداية الحرب أُصيب 5606 جنود، بينهم 2550 في المعارك البرية في قطاع غزة، مشيراً إلى أن 16 جندياً ما زالوا يتلقون العلاج من جروح خطيرة، و170 جروحهم متوسطة، و11 طفيفة.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة