مع بدء العام الجديد 2023 رأينا العالم فرحًا، وقد احتفلت الدول بقدومه، ما عدا فلسطين الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأن معاناة الشعب الفلسطيني ليست فقط في 2022، الذي يعدُّ أسوأ الأعوام منذ الانتفاضة الثانية في عام 2000, التي انطلقت إثر اقتحام شارون للأقصى، بل إن المعاناة الحقيقية للشعب الفلسطيني تمتد إلى أكثر من ثمانية عقود، منذ أن وطِئت أقدام الصهاينة أرض فلسطين، وقد ارتكبوا أبشع المجازر، وهجَّروا المئات، وهدموا القرى، واستولوا على المدن والأراضي وهودوها، وأقاموا المستوطنات عليها، وما يزال هذا المسلسل قائمًا إلى هذا اليوم.
إن العام المنصرم وقد تخلله عدوان آخر على قطاع غزة، كان الأكثر دموية بعد عدوان 2021، الذي عُدَّ حدثًا دراماتيكيًا في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، فقد كان عامًا ثقيلًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وفلسطيني الداخل، لما شهده من مجازر ارتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، أبرزها جريمة قتل مراسلة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة في 11 مايو/ أيار، وكذلك سياسة هدم المنازل والغلو في الاستيطان والتهويد، والاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى، وإقامة شعائر تلمودية، بهدف تقسيمه زمانيًا ومكانيًا، تمهيدًا لتهويده وبناء الهيكل المزعوم، بقصد استفزاز مشاعر الفلسطينيين.
كل هذه الاستفزازات التي يمارسها الاحتلال أثارت غضب الشعب الفلسطيني، وأدت إلى تدحرج كرة الثلج إلى ما لا تُحمد عقباه، فجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فما لبثت أن انطلقت شرارة المقاومة في الضفة من جنين القسام ونابلس جبل النار، وتوالت ضرباتها للاحتلال من كل حدبٍ وصوب، وقد توسعت رقعتها أفقيًا ورأسيًا، فشملت كل مدنها وقراها بعد سنوات من المراوحة في المكان، بسبب هاجس التعاون الأمني، إذ كسره العمل المقاوم الفردي، الذي يصفه الاحتلال بـ"الذئاب المنفردة"، في إشارة إلى العمليات الفدائية الفردية، وقد تمثلت في عملية النقب المحتل نفذها الشهيد محمد أبو العقيان، في 23 مارس/ آذار، إذ قتل 4 إسرائيليين طعنًا في مدينة بئر السبع المحتلة، تبعها عملية مزدوجة بتاريخ 27 مارس/ آذار، قُتل فيها ضابطان من قوات ما يسمى "حرس الحدود" برصاص فلسطينيين من سكان أم الفحم، هما أيمن وإبراهيم اغبارية، في عملية إطلاق نار بالخضيرة. وفي 29 مارس/ آذار الماضي، قُتل 5 إسرائيليين في عملية إطلاق نار بمدينة “بني براك”، نفّذها الشاب ضياء حمارشة من سكّان جنين، وفي 7 أبريل/ نيسان قُتل 3 إسرائيليين في عملية إطلاق نار في شارع “ديزنغوف” بمدينة (تل أبيب)، قام بها الشهيد رعد خازم من سكّان جنين.
وعلى الرغم من كل محاولات الاحتلال لوقف أعمال المقاومة في الضفة بكل ما لديها من قوة وعدة وعتاد وخطط ومسميات لعمليات أمنية، مثل: ما يسمى “كاسر الأمواج”، و “جز العشب”، أو “السور الواقي”.. إلخ، لم يستطع منع وصول منفّذي العمليات إلى الداخل المحتل، ووقف عمليات المقاومة في مدن الضفة المحتلة، بل توسعت أعمال المقاومة التي حملت أسماء تدل على وحدة العمل المقاومة، مثل عرين الأسود، ولواء جنين.
وعلى المستوى ملف الشأن الفلسطيني الداخلي، فلم يشهد العام المنصرم أي تقدم في ملف المصالحة وإنهاء الانقسام، على الرغم مما شهدته الساحة الميدانية من وحدة وطنية للمقاومة في الضفة والقطاع، وكنا نأمل أن ينعكس هذا بالمثل على اتفاق الجزائر من أجل المصالحة، والرجوع إلى وحدة الصف الفلسطيني، وإجراء انتخابات، وتشكيل حكومة منتخبة، وإجراء إصلاحات سياسية على كل المستويات الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها إصلاح منظمة التحرير والمجلس الوطني.
يأمل كل فلسطيني أن يكون هذا العام الجديد عام الوحدة واللُحمة الوطنية وإنهاء الانقسام، وإنقاذ الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بالذات في غزة بسبب الحصار والانقسام، بدلًا من المشروع السياسي بعيد المنال -كما وصفه الرئيس الأمريكي- مع التنكُّر الإسرائيلي المستمر لذلك، وغياب الدور الأمريكي الضاغط على الاحتلال.
أخيرًا أقول: المطلوب إنهاء الانقسام، والرجوع إلى وحدة الصف الفلسطيني، للتصدي لمخططات الاحتلال، مع صعود حكومة يمينية متطرفة إلى أبعد الحدود بزعامة نتنياهو، وهي إحدى العقبات التي تنتظر المشهد السياسي الفلسطيني، وتتوعد بزيادة وتكثيف الاستيطان، وتكريس الاحتلال في الضفة والقدس، وتوسيع صلاحيات المستوطنين، وسن قوانين عنصرية، مثل: إعدام الأسرى، وترحيل فلسطينيي الداخل، وتشديد القبضة على غزة.