يومًا بعد يوم يزيد السلوك العدواني لقطعان المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني، في الضفة الغربية تحديدًا، وكأن لسان حالهم يقول: "صاحب البيت أصيب بالجنون"، مع تفاقم الجدل بينهم حول الأداء الأكثر جدوى لتحقيق تطلعاتهم الإجرامية: هل هو بناء مزيد من المستوطنات؟ أم زيادة حدّة الاعتداءات على الفلسطينيين؟ في ضوء وجود حكومة يمينية فاشية تدفعهم إلى الجمع بين كلا الخيارين، الأكثر سوءً.
صحيح أن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية ليس وليد الشهور الستة الأخيرة من عمر حكومتهم الحالية، بل يعود إلى سنوات سابقة، ولا ينعكس فقط في عدد العدوانات، وحجم المتورطين فيها، بل في الدعم الذي يتلقونه، سواء بشكل فاعل، أو بالصمت عنهم، ما يعدونه إشارة ضمنية تسمح لهم بتصعيد أعمال العنف ضد الفلسطينيين، وهم مطمئنون لعدم ملاحقتهم قانونيًا، والتحقيق معهم أمنيًا.
بعد العدوانات العديدة التي ارتكبها المستوطنون في ترمسعيا وعوريف وسواهما من البلدات الفلسطينية، تزعم غالبيتهم المطلقة أن الدافع لهذه الجرائم هو شعورهم بانعدام الأمن لديهم، زاعمين أن ردّ فعل الجيش على الهجمات الفدائية الفلسطينية لا يوفر الحماية المرجوة لهم، ما جعلهم في بعض الأحيان يفرضون على أنفسهم من الناحية العملية نوعًا من حظر التجول خشية من العمليات الفلسطينية، وبعضهم لا يتمكن من مغادرة المستوطنة، أو دخولها.
يسوق المستوطنون هذه التبريرات والذرائع في إعطاء "شرعنة" لجرائمهم ضد الفلسطينيين، وهم الذين يحظون بدعم غير محدود من الجيش، الذي يعمل طوال الوقت لحمايتهم من العمليات الهجومية، لكن فشله لا يعطي بالضرورة أي مسوّغ لهم لتنفيذ جرائمهم المرفوضة بكل المعايير والمقاييس.
لا يحتاج أحدنا ليكون مؤرخًا كي يستعرض تاريخ الجرائم الاستيطانية ضد الفلسطينيين منذ ما يزيد عن قرن مضى، ويتركز في المسارين ذاتهما: توسيع الاستيطان والاعتداء على الفلسطينيين، معًا، قد يتقدم أحدهما على الآخر في مرحلة ما، لكنهما لا ينفصلان أبدًا، بالرغم من أن مستوطنة "يتسهار" المتطرفة شكلت باكورة العنف الموجه ضد الفلسطينيين، إذ نشأت فيها الشخصيات الحاخامية الأيديولوجية الكامنة وراء العنف في النصوص الدينية المكتوبة.
الحاخام إيتسيك شابيرا، أحد الحاخامات البارزين في المدرسة الدينية، صاحب الفتوى الزاعمة أنه "إذا تضررت بؤرة استيطانية واحدة في الضفة الغربية، فيجب أن تستجيب المستوطنة المجاورة لها، وضرورة وجود عمل مشترك لكل المستوطنات ليس فقط في الضفة الغربية، ولكن في القدس والجليل والنقب أيضًا، انطلاقًا من أحكام توراتية وتلمودية تبيح استهداف الفلسطينيين، وممتلكاتهم ومنازلهم، بزعم أن ذلك سيردّ أيديهم عن استهداف المستوطنين عبر عمليات المقاومة، وليس عجيبًا أن يقود هذه الاعتداءات طلاب المدارس الدينية الحاخامية المدعومين من الحكومة والجيش في الوقت ذاته.