أ. عادل ياسين محرر الشؤون العبرية في وكالة شهاب
يتساءل الكثيرون حول إمكانية إقدام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على عمل عسكري امام غزة أو إيران قبيل اضطراره لمغادرة منصبه رئيسا للحكومة الأحد المقبل بعد 12 عاما من تفرده بالحكم وما يترتب عليه من تداعيات سلبية على حياته السياسية وفقدانه القدرة على المناورة والتهرب من السجن بالطرق الالتفافية التي تمرس بها بناء على الصلاحيات المخولة إليه في تعيين ذوى المناصب عليا.
ولا شك بأن لدى نتنياهو رغبة جامحة للبحث عن مخرج للأزمة السياسية غير المسبوقة التي يمر بها وكابوس السجن الذي يؤرقه، لكن الرغبات والنزوات لا تكفي وحدها لاسيما وأن هناك ضوابط قد تشكل عائقا رئيسا أمامه وتمنعه من الإقدام على أي حماقة هنا أو هناك، أولها:
1- العمل العسكري يحتاج إلى مبرر وذريعة تمنحه الشرعية الدولية والغطاء لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافه السياسية أو للدفاع عن نفسه؛ وهو ما لا يتوفر حاليا في ظل التزام المقاومة باتفاق وقف إطلاق النار والمصداقية التي حظيت عليها محليا ودوليا؛ ما يعني انه سيتحمل المسئولية الكاملة عن أي مواجهة قادمة أمام المجتمع الدولي بشكل عام والإدارة الأمريكية على وجه خاص لاسيما وأنها وضعت ثقلها لإنهاء الجولة السابقة تفاديا لاتساع رقعتها ووقف الاحتجاجات التي طالت جميع انحاء أمريكا تضامنا مع الفلسطينيين.
2- وجود طرف آخر للمعادلة والادراك بانه لن يقف مكتوف الأيدي وسيرد على أي عدوان بقوة؛ ما يعني أننا سنكون امام مواجهة نعلم متى تبدأ لكن أحدا لا ولن يعرف متى وكيف ستنتهي؛ لاسيما وأن المقاومة توعدت وتعهدت بأن صورة الوضع في الشرق الأوسط ستتغير كليا في حال إقدام في أي مواجهة قادمة.
3- قرار العمل العسكري لا يقتصر على رغبات ونزوات نتنياهو فهو بحاجة إلى قرار حكومي أو قرار "كابينت" يعتمد على توصيات الأجهزة الأمنية التي تؤكد مرة تلو الأخرى بأنها تقاتل لكي لا تقاتل , بدءا من رئيس هيئة الأركان مرورا برئيس جهاز الشاباك وليس انتهاءً برئيس الموساد لاسيما وأن الصفعات والضربات المتتالية التي وجهتها المقاومة للعمق الإسرائيلي لا زالت حاضرة في أذهانهم, وقد تجلى ذلك بوضوح خلال جلسة "الكابينت" التي عقدت بالأمس حول مسيرة الأعلام لجماعات اليمين المتطرف حيث أجمعت القيادات الأمنية والعسكرية على ضرورة منعها لتجنب اشتعال المنطقة من جديد، عدا عن تصريحات قادة كبار في الأجهزة الأمنية والتي تؤكد بانهم سيحرصون على منع نتنياهو من إشعال المنطقة في هذ المرحلة الحساسة.
4- التجارب المريرة التي خاضها نتنياهو امام غزة على مدار السنوات الماضية وإدراكه استحالة تحقيق إنجازات ملموسة تسعفه وتعيد هيبته أمام جمهوره اليميني المتعطش للانتصار أو استعادة قوة الردع على أقل تقدير.
5- خشية نتنياهو من النتائج العكسية لأي عمل عسكري وتحمله المسئولية عن الخسائر البشرية والمادية في ظل انكشاف هشاشة الجبهة الداخلية، وليس أدل على ذلك هو ما حدث في عسقلان ومحيطها التي لا زالت تئن وتشكو من هول الصدمة واضطرار أعداد كبيرة لطلب المساعدة النفسية عدا عن الخسائر المادية التي بلغت ضعف الخسائر التي تكبدها الكيان خلال عدوان 2014.
أمام هذه المعطيات نستطيع القول إن نتنياهو سيتجنب تكرار هزيمته وفشله أمام غزة (مع توخي الحذر دون مبالغة) وسيركز جهوده لإسقاط حكومة لابيد المرتقبة بناء على قدرته في تأجيج الخلافات ودق الأسافين بين مكوناتها المتناقضة؛ وإما أن يسلم بالقدر والاعتراف بأن عجلة التاريخ وسنن التغيير لن تحابي أحد مهما امتلك من قدرات على الخداع والمماطلة وكما يقال "حبال الكذب قصيرة " ولكل زمن دولة ورجال.