أ. عادل ياسين محرر الشؤون العبرية في وكالة شهاب
الحديث عن تأثير عملية الهروب البطولية من سجن جلبوع على الخطة التي أعدتها حكومة الاحتلال "الإسرائيلية" للقيام بعملية عسكرية واسعة ضد غزة خلال الأسابيع القادمة، غير مُقنع ولا ينطلي على أحد خصوصا إذا كان متابعا لمجريات الأحداث في الحلبة السياسية والعسكرية في الكيان "الإسرائيلي".
ما يعني أن ما ذكره مراسل القناة 12 العبرية عميت سيجال أمس لا يعدو عن كونه حلقة من حلقات الحرب النفسية التي يحاول الاحتلال من خلالها التغطية على فشله وعجزه المتراكم أمام غزة على مدار عقدين متتالين. كما لا يجب ننسى أن سيجال وغيره يعملون كأبواق للناطق العسكري وبناء على تعليماته.
ومن اللافت للانتباه أن حديث سيجال يحمل عدة تناقضات، إذ أنه أشار في البداية إلى أن الخطة جاهزة وأتبعها بكلمة "على ما يبدو"!. وانتقل بعدها للحديث عن الطلب الذي تقدمت به الحكومة "الإسرائيلية" من الإدارة الأمريكية لمساعدتها بملء مخزون الاحتياط لصواريخ الاعتراض التي تستخدمها القبة الحديدية وذلك خشية الانجرار للتصعيد أو لجولة قتالية في ظل حالة التوتر السائدة حاليا أمام غزة ونقص المخزون بعد عملية "حارس الأسوار" كما تسمى "إسرائيليا".
بالإضافة إلى ذلك فإن المراسل العسكري للقناة 12العبرية نير دفوري نوه إلى أن أجهزة أمن الاحتلال تستعد لإمكانية التصعيد وليس للمبادرة بعملية عسكرية؛ بل أنها حريصة على تجنب مثل هذا السيناريو في هذه المرحلة وهو ما يفسر إقدام الحكومة على إقرار تسهيلات لتخفيف الحصار ولخفض حدة التوتر أمام غزة ما يعني أن الاستعدادات دفاعية وليس هجومية لاسيما وأن الأحداث الأخيرة تؤكد وتجسد حقيقة أن "إسرائيل" فقدت زمام المبادرة.
وبالعودة للخطة العسكرية – نقول إن إعداد الخطط هي إجراء روتيني دائم، لكن هناك فرق كبير بين إعداد خطة نظرية وتطبيقها على أرض الواقع؛ فكم من خطة أُعِدت لقصف المفاعل النووي في إيران منذ 12 عام، بل أن بعض الخطط تم إقرارها بشكل شبه نهائي وخصص لها الميزانيات، إلا أن أيا منها لم يخرج إلى حيز التنفيذ وقد تبين لاحقا أنها مجرد تلويح بالعصا دون استخدامها لما لها من تداعيات قاسية على الجبهة الداخلية للاحتلال.
ولنسأل أنفسنا سؤالاً – ماذا ستحقق الآلة العسكرية من أهداف حال إقدامها على عمل عسكري أمام غزة، وهل ستختلف المعركة القادمة عن سابقاتها خصوصا في ظل اجماع العسكريين والأمنيين على أن معضلة غزة لن تُحل بالطرق العسكرية وقد وصفت المعركة الأخيرة بأنها أفشل معركة في تاريخ الكيان، بل أنها ما زالت غارقة في التحقيقات والكشف عن الإخفاقات المتتالية بدءا من الفشل الاستخباري في معرفة نوايا العدو مرورا بالفشل العملياتي والسياسي وهو ما دعا العميد احتياط تسفيكا فوجل للقول : نمتلك القدرة والخبرة على الدمار لكننا نسينا معنى الانتصار.
عدا عن ذلك فإن الاعتبارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمنع هذه الحكومة الضعيفة من الإقدام على أي عمل عسكري لا تزال قائمة فما بين الرغبة في إقرار الميزانية في الوقت المحدد وتجنب سقوطها بسبب تشكيلتها الحزبية المتناقضة وبين أزمة كورونا وما يترتب عليها من أزمات صحية واقتصادية عدا عن حالة الانقسام التي باتت متجذرة في المجتمع "الإسرائيلي" والتشتت والمناكفات في الحلبة السياسية.
أما الحديث عن عمل عسكري فإنه يتطلب عمل متكامل وشبه متزامن بين سلاح الجو والذراع البري؛ إلا أن العمليات العسكرية والجولات القتالية السابقة كشفت سوءة كليهما – بسبب تراكم الأعباء وتعدد المهام وتنوعها امام سلاح الجو بدءا من المهام الدفاعية والهجومية ومتابعة التطورات للكشف عن الأهداف المتحركة وعجزه عن وقف إطلاق الصواريخ أو الكشف عن مرابضها.
أما الذراع البري فحدث ولا حرج – فهل يمكن لهذا الجيش الذي وُصف بالقدم العرجاء أن يمتلك الجرأة للدخول إلى غزة مرة أخرى والاكتواء بنيران مقاومتها في ظل تراجع الدافعية للقتال والبحث عن ذرائع للتهرب من الخدمة – وهل يمكن للجندي الذي يخشى الاقتراب من غزة وهو محصن بأكثر الدبابات تطورا وبمنظومة معطف الريح ان يُقدم أو يغامر ويخاطر بحياته مرة أخرى وهو يرى ما حدث لرفاقه بارئيل أو وهدار وشاؤول.
فضلا عن ذلك كله فإن هناك فرق بين الاستعدادات والخطط الهجومية والدفاعية، إذ أن الهجومية تعني المبادرة وما يترتب عليها من ضرورة لتوفير مبررات وشرعية محلية ودولية وإمكانيات مادية وبشرية تضمن تحقيق الأهداف السياسية لأن الفشل سيحقق نتائج عكسية وسيفقد التهديدات "الإسرائيلية" فعاليتها ويفاقم من مشكلة تآكل قوة الردع ويكشف اكذوبة الجيش الذي لا يُقهر، وفي المقابل فإن الاستعدادات والخطط الدفاعية تتمحور حول كيفية التعامل مع التهديدات وحماية الجبهة الداخلية ومحاولة إيلام الطرف الآخر لوقف القتال في أقرب وقت ممكن.
إن ما ذكرناه آنفا يؤكد مقولة أحد الضباط الكبار إن "الهدف الرئيس الذي تسعى إليه هيئة الأركان العامة هو الحفاظ على صورتها النمطية واستعراض قوتها دون الاهتمام بالمشاكل والاخفاقات التي يعاني منها الجيش البري على وجه الخصوص".
على أي حال فإن الأحداث تؤكد أن حلم "إسرائيل" على الأقل في هذه المرحلة هو تحقيق حالة الهدوء؛ لكنها لن تنعم به ما لم ينعم به ويلمسه الشارع الفلسطيني.