"لا فرق بين رجلٍ وامرأة"

شهادات مروعة تقشعر لها الأبدان لأسرى فلسطينيين عاشوا جحيم الاعتقال

شهاب - تقرير

منذ اللحظة الأولى لمعركة "طوفان الأقصى" حاول الاحتلال الانتقام من الصدمة الكبرى التي وجهتها المقاومة الفلسطينية له، وذلك بالاعتداء على الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات، والتي تعرضوا فيها لأبشع وأفظع الممارسات والجرائم، من تعذيب شديد وتجويع بالأيام وإهانات متواصلة وأوضاع مأساوية نفسية وجسدية، وسط غياب تام للدول والمؤسسات العالمية الحقوقية. 

وأدلى الأسرى بشهاداتٍ مُرَوِّعة حول الأوضاع المأساوية التي يعيشونها داخل سجون الاحتلال، من بينهم مُسنّون ومرضى وجرحى وأطفال ونساء، تقشعر لها الأبدان من حجم فظاعتها ومأساويتها وتأثيرها النفسي والصحي.

كما أن الحالة التي ظهر عليها الأسرى الذين أفرج عنهم جيش الاحتلال، تظهر عليهم علامات الهُزال والإنهاك الجسدي والنفسي، وآثار التعذيب الواضحة، مما يؤكد السلوك الإجرامي لحكومة الاحتلال، المتحدّية لكافة القوانين الإنسانية، والتي ترتكب يومياً جرائم حرب موصوفة، دون أن تجد أي رادع.

"لا فرق بين رجل وامرأة"

الأسيرة المُحررة فادية البرغوثي، أفادت أن الاحتلال "الإسرائيلي" لا يفرق بين معتقل رجل أو امرأة، موضحة أن كليهما يواجهان ظروف اعتقال وسجن صعبة، من ضرب وتنكيل وإهانة وتفتيش عاري.

وذكرت البرغوثي في تصريح خاص لوكالة "شهاب" للأنباء، أن واقع الأسيرات ليس بأفضل من واقع الأسرى إذا وضعنا بعين الاعتبار ما تتعرض له أسيرات قطاع غزة في معسكرات النازية.

وقالت: "في الاعتقال لا يفرق الاحتلال بين المرأة والرجل، حيث تمر الأسيرة بالضرب والتنكيل والإهانات البذيئة والتفتيش العاري المهين على أيدي مجندات ساديات".

وأضافت: "كما تخضع بعض الأسيرات لمراحل تحقيق صعبة وطويلة".

وتابعت البرغوثي: "تعاني الأسيرات الشح في كل شيء؛ في الطعام والشراب واللباس، وتجاهُل للظروف الخاصة الصحية لبعض الأسيرات الجريحات أو ذوات الأمراض المزمنة أو النفسية".

ووفق الأسيرة المحررة، يتعرض المعتقلون لعمليات تنكيل مختلفة تم الحديث عنها وعن تفاصيلها المرعبة من الأسرى أنفسهم، ومن محاميين، وتم نشر تقارير موثقة من قبل الأمم المتحدة، ومؤخراً نشرت منظمة بيتسيلم تقريراً موثقاً بشهادات تقشعر لها الأبدان.

وعقبت قائلة: "ما كشفه المحاميين والمؤسسات غيض من فيض من معاناة الأسرى".

واعتبرت البرغوثي أن الصمت الدولي الحالي والتخاذل الحكومي والشعبي من دول العالم الإسلامي والعربي أعطى ضوءاً أخضراً للاحتلال لمواصلة سياسته تجاه أسرانا وأسيراتنا.

ولفتت الناشطة إلى أن الاحتلال يحاول واهماً كسر إرادة المرأة الفلسطينية من خلال التضييق عليها طوال فترة الاعتقال، مستدركة: "لكنه وفي كل مرة يلقى منها صلابة وصمود تثبتان أن كل ممارساته غير قادرة على كسر روح نساء وطننا العظيمات".

"صاحب الصورة الشهيرة"

صاحب الصورة الشهيرة، الأسير إبراهيم سالم الذي ظهر فيها معذبا عبر إيقافه على سياج معتقل سديه تيمان الإسرائيلي، خرج من السجن في حالة صحية صعبة، بعد أن خسر 40 كيلوغرامًا من وزنه، وتعرضه لشتى أنواع التعذيب على أيدي جنود الاحتلال.

وفي تفاصيل الصورة، قال الأسير المحرر، إن قصة الصورة وقعت قبل أشهر، عندما احتجّ على منع جنود الاحتلال، لأحد الأسرى المسنين، المصابين بداء السكري، من الذهاب إلى الحمام، ما اضطره إلى التبول على نفسه.

وقال: "حين رأيت ما جرى للأسير المسن، من وضع مهين، استفزني المنظر وبدأت بالصراخ على الجنود والاحتجاج، وهنا ثارت ثائرتهم، وقاموا بالاعتداء علي، وسحبي إلى غرفة بها مكيف يعمل بطاقته القصوى في فصل الشتاء، وجردوني من ملابسي، وأجلسوني على كرسي وصعقوني بالكهرباء، وبعدها أوقفوني على السياج لمدة 4 ساعات". 

وأشار سالم إلى أنه اعتقل من مستشفى كمال عدوان، لدى اقتحامه من قبل قوات الاحتلال، حيث كان يرافق أطفاله المصابين في العناية المركزة. 

وقال، إن "شقيقه وشقيقته دفنا في ساحة مستشفى كمال العدوان، وخلال التحقيقات، قام ضباط الاحتلال، بتعذيبه نفسيًا عبر إجباره على مشاهدة مقطع مصور لجرافات الاحتلال، وهي تنبش قبورهم وتجرفها، وقال شاهدت جثثهم تستخرج بالجرافة من المكان الذي دفنتهم فيه". 

"غيض من فيض"

ويقول أحد الأسرى في سجون الاحتلال والتي روت مؤسسة "بتسيلم" الحقوقية شهادته، إن جيش الاحتلال اقتاده برفقة أسرى آخرين إلى غرفة بعثر فيها الكثير من الملابس والأحذية والخواتم وساعات اليد. 

ويضيف: "عرونا تماماً، أجبرونا على خلع السروال الداخلي، وفتشوا أجسادنا بواسطة جهاز يدوّي لكشف المعادن. أجبرونا على فتح أرجلنا. بعد ذلك راحوا يضربوننا بالجهاز على أعضائنا الحساسة، ضربات سريعة ومن دون توّقّف. بعد ذلك، أمرونا بأن نؤدي تحية لعلم إسرائيل الذي كان معلقا على الحائط". 

وفي شهادة أخرى صادمة، يسرد أحد الأسرى أنه "بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت إدارة السجن تعاقبنا بشكل جماعي على نحو دائم. كان الأمر الأول زيادة عدد المسجونين في كل زنزانة من ستة سجناء إلى 14 سجيناً. وهذا يعني انتهاك خصوصيتنا والانتظار مدة أطول بكثير من أجل استخدام المرحاض في الزنزانة. بالإضافة إلى ذلك، اضطُر المعتقلون الجدد الذين جُلبوا إلى الزنزانة للنوم على الأرض، لأّنّه لم يكن فيها سوى ثلاثة أسرة ذات طابقين".

 

ويصف أحد الأسرى، الذي عانى من التعذيب، وضعًا مروعًا في زنزانة ضيقة لا تتسع إلا لأربعة أشخاص، حيث حُشر فيها 11 أسيرًا، ولم تحتوي الزنزانة على أي تجهيزات، سوى فرشات وبطانية واحدة لكل أسير. 

وكان أربعة أسرى ينامون على أسرة ضيقة بينما السبعة الآخرون ينامون على الأرض، وتم حرمانهم من جميع المرافق الأساسية مثل بلاطة التسخين، السكر، القهوة، السجائر، المواد التنظيفية، الشامبو، المحارم الورقية، ومعجون الأسنان. وأوضح الأسير أن كل هذه الأشياء لم تكن متوفرة. 

وأضاف: "كما أغلقوا الكانتين، مما منعنا من شراء أي احتياجات، وأيضًا أُغلقت غرفة الغسيل وغرفة الطعام، فتعرّضنا لحرمان كامل، وبعد أسبوع، جلبوا لنا شامبو، ولكن نصف كأس صغيرة لكل زنزانة، مما اضطرنا لاستخدام نقطة واحدة من الشامبو لكل أسير." 

وتابع الأسير موضحًا: "كانت النوافذ بلا زجاج، مما جعل البرد قارسًا لدرجة أنني لم أشعر به من قبل. أصابعي تجمدت وشُقّت وتحولت إلى اللون الأزرق، لكن حالتها تحسنت بعد إطلاق سراحي." 

وفي شهادة أخرى، يروي أسير آخر تغييرًا في طريقة العد: "أجبرونا على الركوع مع انحناء الرأس، وأي شخص يرفع رأسه يتعرض للضرب، وكانوا يجبروننا على الوقوف ووجوهنا نحو الحائط أثناء العد، وعند المغرب، كنا نقف وجوهنا نحو السجانين".

ويُتابع، "يقتحم الزنازين حوالي 30 من عناصر وحدة 'كتار' في كل عد، وكنا في حالة نفسية سيئة، كل ما شغلنا هو البقاء بأمان، والانتظار لسماع أخبار عن انتهاء الحرب. كنا بدون أي مصدر معلومات، وعندما كنا نسأل السجانين، كان الرد هو المزيد من الضرب والإهانة. تم الإفراج عني، بينما بقي آلاف الأسرى في جحيم السجون الإسرائيلية."

 

"أهلاً بكم في جهنم"

بدورها، أصدرت مؤسسة "بتسيلم" الحقوقية "الإسرائيلية" تقريرا يتناول مُعاملة الأسرى الفلسطينيّين وحبسهم في ظروف لا إنسانيّة في سجون الاحتلال منذ 7 تشرين الأول 2023، بعنوان: (أهلًا بكم في جهنم.. تحول السجون الإسرائيلية إلى شبكة من معسكرات التعذيب).

واستوحت المنظمة عنوان تقريرها من محادثة بين أحد الأسرى من مدينة نابلس وأحد السجانين، إذ أشار الأسير الفلسطيني في شهادة له إلى أنه مع وصوله إلى سجن مجدو، ونزوله من الحافلة، قال له أحد السجانين: "أهلًا بكم في جهنم"، وهو العنوان الذي قررت المنظمة استخدامه لوصف السجون الإسرائيلية وعمليات التعذيب التي تجرى فيها.

وقالت المنظمة الحقوقية، إنّه "في إطار البحث والإعداد لهذا التقرير، سُجّلت إفادات أدلى بها 55 فلسطينياً وفلسطينية ممّن احتُجزوا في السّجون ومرافق الاعتقال الإسرائيليّة خلال هذه الفترة. الغالبية الساحقة من الشهود لم تُحاكَم".  

وأظهرت الشهادات، بحسب التقرير، تحوّل أكثر من اثني عشر من مرافق الاعتقال الإسرائيليّة، مدنيّة وعسكريّة، إلى شبكة معسكرات هدفها الأساسيّ التنكيل بالبشر المحتجزين داخلها. كلّ من يدخل أبواب هذا الحيّز محكوم بأشدّ الألم والمُعاناة المتعمّدين وبلا توقّف، حيز يشغل عملياً وظيفة مُعسكر تعذيب. وكشف التقرير الحقوقي أن (إسرائيل) استخدمت سجونها أداةً للقمع والتحكم بالسكان الفلسطينيين. 

وبحسب التقرير، بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين عشية اندلاع الحرب على غزة 5192 أسيراً، منهم 1319 أسيراً إدارياً من دون محاكمة. لكن منذ بداية شهر يوليو/ تموز 2024، ارتفع عدد الأسرى في سجون الاحتلال إلى 9623، بينهم 4781 أسيراً من دون محاكمة، حيث لا يُبلغون بالتهم الموجهة ضدهم أو منحهم حق الدفاع عن أنفسهم. 

كما أن سلطات الاحتلال اعتقلت، خلال الأيام الأولى بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، آلاف العمال الفلسطينيين من قطاع غزة الذين كانت بحوزتهم تصاريح عمل قانونية، ونُقل مئات منهم إلى أماكن غير معلومة. ولا تزال عائلات هؤلاء المعتقلين من دون معلومات عن أماكن احتجازهم.

وتشير "بتسيلم" إلى أن معاناة الأسرى الفلسطينيين ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى ما هو أبعد من 7 أكتوبر 2023 أو تعيين الوزير المتطرف "ايتمار بن غفير" كوزير للأمن القومي. 

وتوضح المنظمة أن نظام السجون الإسرائيلي يشكل جزءاً من سياسة دولة الاحتلال التي تسعى للحفاظ على التفوق اليهودي من النهر إلى البحر، وهو من أكثر الآليات عنفاً وقمعاً. 

وتضيف المنظمة: "على مدى عقود، استخدمت إسرائيل السجون كوسيلة لقمع الفلسطينيين، مما أدى إلى تفتيت النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني". 

ومنذ عام 1967، سُجن نحو 800 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وغزة، ما يعادل حوالي 20% من إجمالي السكان و40% من الرجال الفلسطينيين. هذه الأرقام تعكس حجم القمع والتعذيب الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني على مر السنين، وفق المنظمة.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة