من مقابر الأحياء.. كيف يقضي الأسرى الفلسطينيون رمضان؟

تقرير/ شهاب
يعيش الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي أصعب أيامهم خلال شهر رمضان المبارك، إذ تعتبره إدارة السجون موسمًا للقمع والحرمان والإهمال، حيث تُمارس بحقهم شتى أنواع القمع في محاولة لثنيهم عن ممارسة طقوسهم الدينية وعباداتهم.

كما يعاني الأسرى معاناة مضاعفة خلال هذا الشهر، بين مطرقة الحرمان والشوق والحنين للأهل، وسندان ظروف الاحتجاز القاسية وما يتعرضون له من تعذيب وحشي واعتداءات وضرب وتنكيل، إضافة إلى سوء الطعام وقلته، وتردي أوضاعهم الصحية نتيجة استمرار سياسة الحرمان من العلاج والإهمال الطبي المتعمد بحقهم.

وتحرص إدارة سجون الاحتلال خلال شهر رمضان المبارك على انتهاك قدسية هذا الشهر الفضيل وعدم مراعاة طقوسه الدينية، فلا تتيح للأسرى حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية، بل تعرقل ذلك عمدًا وتفرض قيودًا على قراءة القرآن جهرًا وأداء الصلاة الجماعية.

وتسعى إدارة سجون الاحتلال إلى طمس مكانة شهر رمضان لدى الأسرى الفلسطينيين، إذ تدرك ما يمثله هذا الشهر لهم، فتضغط عليهم بطرق مختلفة عبر إجراءات تعسفية تهدف إلى تعكير صفو الشهر الكريم وصرفهم عن العبادة، حتى لا يشعروا بخصوصيته.

"قطعة من جهنم"


ومنذ بدء معركة "طوفان الأقصى"، حول الاحتلال السجون إلى "جحيم كبير"، حيث ازدادت الظروف قسوة وتفاقمت سوء المعاملة، وسط استمرار التحريض الإسرائيلي الرسمي ضد الأسرى، في ظل انقطاع زيارات الأهالي والقيود المشددة على زيارات المحامين، ومنع ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر من دخول السجون، ورفض الاحتلال تزويدها بأعداد معتقلي غزة وأسمائهم، ما جعل الآلاف منهم في عداد المختفين قسرًا.

ويقول الأسير المحرر محمد فلنة: "كل سنوات السجن التي عانينا خلالها الألم والفراق عن الأهل والأحبة، لا تساوي شيئًا مقارنة بما عشناه خلال شهور الحرب على غزة، وخاصة في شهر رمضان الماضي".

ووصف فلنة رمضان الماضي الذي قضاه أسيرًا في سجون الاحتلال بأنه كان أشبه بـ"قطعة من جهنم"، مضيفًا: "جاء رمضان ومازلنا نعيش الألم، فهذا العدو المجرم لا يعرف الرحمة، بل ضاعف تعذيبنا، حتى إنني كنت أتمنى أن أنام ولو لمرة واحدة شبعانًا طوال شهور الحرب".

وأشار الأسير، الذي قضى 34 عامًا في سجون الاحتلال، إلى أن رمضان الماضي، الذي جاء في خضم العدوان الإسرائيلي على غزة، كان الأشد معاناة من بين كل الأشهر التي قضاها في السجن، مؤكدًا أن الأسرى لم يسلموا من ويلات الحرب، بل تعرضوا لتعذيب جسدي ونفسي مضاعف.

ولفت الأسير المحرر، الذي فقد نحو 30 كيلوغرامًا من وزنه خلال شهور الحرب، إلى أن السجون قبل 7 أكتوبر ليست كما بعده، إذ تغيرت الأوضاع كليًا، قائلًا: "كان الاحتلال يعاملنا وكأننا من نفذ عملية طوفان الأقصى".

وأوضح أنه قبل الحرب، كان للأسرى في رمضان طقوس خاصة، حيث كانوا يخرجون إلى الساحة "الفورة" من الصباح وحتى قبيل المغرب، ثم تبدأ كل مجموعة في إعداد طعام الإفطار من السلع والخضار المتوفرة في "الكانتينا" (مقصف السجن)، والتي يشترونها من أموالهم بأسعار مضاعفة، لكنها كانت متاحة.

وأضاف: "عند مغيب الشمس كنا ندخل الغرف، وكل غرفة تضم ستة أسرى، فنُحضّر مائدة الإفطار، ثم نصلي التراويح ونقرأ القرآن"، مشددًا على أن "كل ذلك كان قبل أن يمنعونا منه، بل حتى المصاحف سُحبت من الغرف".

"الشوق للعائلة"


يبقى شوق الأسرى إلى لمة العائلة هاجسًا يؤرقهم خلال شهر رمضان، حيث يستذكرون موائد الإفطار العائلية التي تغيبوا عنها، ومنهم من لم يجلس على مائدة الإفطار مع أهله منذ 40 عامًا، في حين أن المئات لم يجلسوا مع عائلاتهم منذ ما يزيد عن 20 عامًا، بينما يتحرق ذووهم شوقًا للاجتماع بهم، خصوصًا في مثل هذه المناسبات.

ويروي الأسير المحرر إسماعيل الردايدة أنه كان ينام بجوار جدار زنزانته في سجن رامون، يطيل النظر إليه، ويتخيله صحنًا من وجبة "الدوالي"، التي كانت المفضلة لديه، خاصة في رمضان، وخصيصًا عندما تعدها والدته التي توفيت خلال اعتقاله، ولم يحظَ بفرصة توديعها.

وأضاف الردايدة أن أكثر ما كان يشتاق إليه خلال رمضان في السجن هو "لمة العائلة"، مؤكدًا أن رمضان كان الأصعب بين شهور السنة، فهو يستعيد خلاله ذكريات الطفولة والشباب، ومائدة الإفطار مع الأهل، والسهرات الرمضانية بعد صلاة التراويح.

وأوضح أنه رغم تأقلم الأسرى على أجواء رمضان داخل السجون، إلا أن رمضان الماضي كان قاسيًا للغاية، حيث كانوا يصومون ساعات طويلة ولا يجدون ما يشبعهم عند الإفطار، في ظل سياسة التجويع، إضافة إلى أن الغرف كانت مظلمة طوال الوقت، وقوات الاحتلال ضاعفت أعداد الأسرى داخل الزنازين من 6 إلى 12 أسيرًا، أو أكثر، كما سحبت المصاحف والفرش والأغطية وأدوات الطعام البسيطة.

وشدد على أن "رغم ظلام الزنزانة، فإننا لا نفقد الأمل، فالأسير الفلسطيني يعيش على أمل الحرية لمجابهة جبروت السجن والسجان، ونعلم أنه إذا استسلمنا لليأس فإننا نحقق للعدو غايته، ونصبح مجرد أشباح بلا روح في مقابر الأحياء".

"مستويات صادمة"


من جانبه، أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن صدمته البالغة إزاء الحالة الصحية الجسدية والنفسية المروعة التي ظهر بها الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون المفرج عنهم بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وأكد المرصد أن آثار التعذيب بدت واضحة على أجساد الأسرى الهزيلة، ما يعكس حجم الجرائم الممنهجة والمعاملة اللاإنسانية التي تجاوزت كل الحدود الأخلاقية والقانونية، ويؤكد استمرار إسرائيل في استخدام التعذيب سلاحًا لترهيب الأسرى وكسر إرادتهم حتى اللحظات الأخيرة من احتجازهم.

وأوضح المرصد أن الإفراج عن الأسرى والمعتقلين بأوضاع صحية صعبة يدل على أن التعذيب الوحشي والإهمال الطبي المتعمد بلغا مستويات صادمة، مشددًا على أن ما يجري في سجون الاحتلال يفوق كل ما وثقته منظمات حقوق الإنسان بشأن فظائع السجون حول العالم.

وأكد أن إدارة سجون الاحتلال تصعد عمليات الاقتحام والتفتيش خلال رمضان، وتضاعف سياسة الاستنفار بذريعة واهية لإرباك الأسرى وإحداث التوتر، حيث تستمر عمليات الاقتحام أحيانًا من الصباح حتى موعد الإفطار، أو تبدأ بعد الإفطار وتنتهي قبيل الفجر، إضافة إلى حرمان الأسرى من صلاة التراويح الجماعية، مما يضطرهم إلى أدائها بشكل منفرد داخل الزنازين.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة