تقرير / شهاب
الناظر لتصريحات قادة الاحتلال ومراكز الأبحاث الإسرائيلية خلال الأشهر والسنوات القليلة التي سبقت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر عام 2023، يتضح أن الاعتقاد السائد كان أن حركة "حماس" مردوعة ولا تسعى إلى التصعيد العسكري في قطاع غزة.
وكان من بين المؤشرات التي عززت هذا التصور، عدم مشاركة كتائب القسام في معركة "ثأر الأحرار" إلى جانب "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، فضلًا عن دعوة الهيئة العليا لمسيرات العودة إلى تجديد المسيرات الكبرى ونصب الخيام على الحدود الشرقية، مما دفع الاحتلال إلى الظن بأن "حماس" لا تريد الحرب.
بهذه الاستراتيجية، تمكنت المقاومة الفلسطينية، خلال الفترة التي سبقت "طوفان الأقصى"، من توجيه تفكير الاحتلال الإسرائيلي إلى زاوية محددة، مفادها أن كسر الحصار سيتم عبر الوسائل الشعبية فقط.
وكان هذا التصور الخاطئ هو ما خدع الاحتلال الإسرائيلي، وجعله يتلقى "أكبر ضربة منذ تأسيسه"، وهو استنتاج أجمع عليه الإسرائيليون على مختلف المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والاجتماعية.
"الخداع الإستراتيجي"
رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس، الدكتور باسم نعيم، تحدث عن "الخداع الإستراتيجي" الذي مارسه رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة، الشهيد يحيى السنوار، ضد الاحتلال الإسرائيلي قبل معركة "طوفان الأقصى".
وأوضح نعيم، خلال برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة، أن السنوار استخدم عدة خطوات لتنفيذ هذا الخداع، أبرزها "مسيرات العودة"، التي بدأت عام 2017، وحققت أكثر من الهدف المعلن لها، وهو فك الحصار.
وأضاف أن "مسيرات العودة" كانت ضربة استباقية من السنوار لمنع انفجار الفلسطينيين داخل المدن، حيث عمل على توجيه الغضب الشعبي نحو الحدود، مشيرًا إلى أن جهات إقليمية ودولية سعت خلال تلك الفترة إلى تفجير الأوضاع الداخلية في غزة، لإحداث تمرد ضد الحركة.
وفي إطار الخداع الإستراتيجي، قرر الشهيد السنوار في عام 2022 عدم الدخول في معركة جديدة مع الاحتلال، كما قرر عدم مشاركة حماس في المواجهات التي خاضتها حركة الجهاد الإسلامي، رغم الانتقادات التي وُجّهت للحركة نتيجة هذا القرار، وفق ما ذكره نعيم.
وأشار رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس إلى أن الإسرائيليين قرأوا هذا المشهد بطريقتهم الخاصة، فخلصوا إلى أن "غزة غير معنية بالتصعيد"، وأن "غزة مردوعة"، وهو ما أكدته تقاريرهم الأمنية والاستخبارية.
وكشف نعيم أن قيادة حماس كانت تعاني من ضغط نفسي شديد بسبب الانتهاكات في المسجد الأقصى، لكن الشهيد السنوار كان يطالبهم بالصبر، مؤكدًا لهم: "اصبروا.. نحن ذاهبون إلى خطوة كبيرة، سنجعل العالم بأسره يقف على قدم واحدة".
وأضاف أن السنوار، خلال مهرجان انطلاقة حماس في ديسمبر/كانون الأول 2022، أصر على أن يكون شعار الاحتفال "آتـون بطوفان هادر". كما أصر على أن يظهر تصميم الخلفية المسجد الأقصى في المنتصف، وخلفه جماهير الأمة تحمل الأعلام العربية والإسلامية.
"لماذا الطوفان؟"
وحول الأثر الذي أحدثته عملية "طوفان الأقصى" على الكيان الإسرائيلي، أكد نعيم أن الخسائر التي تكبدها الاحتلال توازي الخسائر الفلسطينية، حيث كانت هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها الفلسطينيون من تحديد زمان ومكان المعركة، وتوجيه ضربة مباشرة إلى أحد أهم أسس العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وهي الردع.
وأضاف أن الطوفان هزَّ الاعتقاد السائد بأن "إسرائيل" هي "واحة الأمن والأمان" لليهود، كما ضرب مخططها للهيمنة على المنطقة كـ"شرطي إقليمي" بالنيابة عن الولايات المتحدة، إذ كشف أن الجيش الإسرائيلي غير قادر حتى على السيطرة على بلدة بيت لاهيا في قطاع غزة.
وتابع: "بينما حاول الاحتلال تصوير نفسه على أنه دولة ديمقراطية مدنية تحمل قيم الغرب، بات هناك إجماع عالمي، على الأقل على المستوى الشعبي، بأن إسرائيل كيان مجرم يمارس الإبادة الجماعية".
كما أشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت طلب اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مما شكل ضربة دبلوماسية كبيرة للكيان.
وشدد نعيم على أن أحد أهم الإنجازات التي حققها "طوفان الأقصى" هو انهيار الجيش الإسرائيلي، وحدوث حالة تفكك داخله، مشيرًا إلى أن "إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لن تعود كما كانت قبله".
كما أكد أن هذه العملية وجهت "ضربة قاصمة" لمسار التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، لافتًا إلى أن "أي زعيم عربي سيواجه صعوبة في استئناف هذا المسار بعد الطوفان".
وفي السياق ذاته، وصف "اتفاقات أبراهام" بين إسرائيل وبعض الدول العربية بأنها "انقلاب على قيم وموروثات المنطقة".
وعن توقيت العملية، شدد نعيم على أنها جاءت في لحظة حاسمة، قائلًا: "لو تأخرنا بضعة أشهر فقط، لكنا وصلنا إلى مرحلة يتم فيها تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، ولأصبحت فلسطين مثل الأندلس".
"صندوق أسود"
الخبير العسكري والإستراتيجي، اللواء فايز الدويري، أكد أن "الخداع الإستراتيجي" الذي تحقق في 7 أكتوبر/تشرين الأول ليس الأول من نوعه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن سيناريو مشابه حدث في حرب أكتوبر 1973 على الجبهة المصرية.
وأوضح الدويري أن الاحتلال كان ينظر إلى غزة باعتبارها "جبهة ثانوية"، وركز اهتمامه على إيران، مرجعًا ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها الحصار المفروض على القطاع منذ عام 2006، رغم وجود الأنفاق، بالإضافة إلى الفارق الكبير في القدرات بين حماس وحزب الله، من حيث عدد المقاتلين والإمكانات العسكرية.
وأشار إلى أن "إسرائيل" كانت تتعامل مع حماس على أنها "صندوق أسود" لا تعلم عنه شيئًا، لأن الحركة لم تكن تكشف عن قدراتها العسكرية، على عكس حزب الله، الذي كان يعلن عن تطور إمكانياته بشكل دوري.
ولفت إلى أن التقديرات حول عدد مقاتلي حماس غير دقيقة، حيث تتراوح وفق تقارير صحفية عالمية بين 35 ألفًا و50 ألف مقاتل، كما تختلف التقديرات بشأن ترسانة الصواريخ التي تمتلكها الحركة.