محمد القيق

الترويض والواقع المزمن

‏تعيش القضية الفلسطينية منعطفا مهما يرسم معالم تاريخية وجغرافية وسياسية، وتعتمد في هذا المنعطف على مرتكزات إقليمية وكذلك فلسطينية داخلية.

مضمون كل المشهد الآن هو حالة ترويض ممنهجة تقوم بها أمريكا وإسرائيل وتدعمها بعض الأنظمة العربية وتسير وفق برنامج يهدف إلى إبقاء الأمر الواقع برغم مراره على الفلسطينيين؛ وكأنه الوضع الطبيعي للحياة الفلسطينية ومعه بعض التسهيلات الاقتصادية وتارة الاجتماعية وأخرى الدينية، وهذا ينطبق كثيرا على مشهد المخيمات الفلسطينية خارج فلسطين وعلى قطاع غزة وعلى الضفة الغربية في المدن والمخيمات والقرى وعلى الداخل المحتل الذي يعيش على وقع الجريمة وعلى القدس المحتلة في المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة حيث التهويد والتقسيم والإذلال والإهانة مصحوبا ذلك كله بمعادلة أمنية تحمي وتحفظ وتقوي الفكرة الاستيطانية التي تأخذ مربعا جديدا واسعا كبيرا في الآونة الاخيرة في الضفة الغربية والقدس.

‏وفي ظل انعدام الرؤية العربية في إيجاد حلول جذرية للقضية الفلسطينية وخاصة بعد التجاهل الرسمي لمبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت والتي تقضي بإعطاء الفلسطينيين دولة مقابل طلب التطبيع مع دولة الكيان، هذا كله شطب من قاموس النظام العربي الرسمي، ونعني هنا بالرسمي "الانقلابات أو المملكات أو أولئك الذين انتهت صلاحية حكمهم"، لأن الديمقراطية والانتخابات في الشارع العربي مرفوضة كليا إذا كانت ستغير جوهر النظام الذي تريده أمريكا في المنطقة وبعد هذه الترتيبات السياسية للعرب بات التطبيع أولى من الحق الفلسطيني، والاستيطان التهم الأرض والوحدة الفلسطينية في الدولة، والواقع في الأقصى ذهب إلى التقسيم زمنيا ومكانيا، وبعد هذه السلسلة من التطورات العربية من خذلان وتآمر وخيبة ألحقوها بالحلم الفلسطيني سواء من خلال جامعة الدول العربية المشلولة والتي لا تعطي حق الفلسطينيين في أجنداتها فعلا لا حروف على ورق أو في منظمة المؤتمر الإسلامي التي تستمع ولا تعطي الفلسطيني إلا خطابا مكررا أكل عليه الزمان وشرب.

بات الفلسطيني بكل مكوناته وألوانه منقسما على خيارات محدودة جلبت إلى مربع الترويض المؤقت تحت إطار تكتيك سياسي، وهذا ما تقوده قوى المقاومة ويمتد لسنوات وعقود.

ومن جهة أخرى الترويض الدائم وتقوده فئة تتغنى بأنها حافظة العلم الفلسطيني وبعض من جغرافيا الوطن الممزقة المحترقة دون سيادة، ومع غياب القانون إلا فقط عبر رسميات شكلية في الأمم المتحدة بلا سيادة ولا حدود ولا دولة ولا جيش، فقط سلطة فاسدة منبثقة عن مجموعة من الأشخاص يتبعون لتنظيم معين ولا يقبلون رأي شارع ولا يجرون انتخابات وعمودهم الفقري الأنظمة العربية المستبدة وأمريكا والغطاء الشرعي أمام الدول.

‏لذلك بات لدينا حيز ضيق في معادلة التحرير التي في بعض الأحيان ذهبت إلى التمرير أو التخدير، وفي التقدم نحو خطوة جديدة لتثبيت الحلم الفلسطيني واقعا ليس مزمنا، والطبيعي يعيد إلى فلسطين تاريخ الحرية ما قبل الاستعمار والاحتلال، وعلى ذلك من أشكال الترويض بحد ذاته ما يصنع الواقع المزمن والإحباط الدائم ما لم تتغير سياسات وتتبدل معادلات.

فمؤخرا باتت إنجازاً يتغنى به في الأمثلة التالية.. يا لوجعنا:

* وعادت الحياة لطبيعتها في عين الحلوة والناس عادوا لمنازلهم… وليس لمدنهم المحتلة… ترويض نفسي على واقع هو بحد ذاته النكبة.

* الاحتلال يفتح معبر كرم أبو سالم ويسمح بالصيد لمساحة أمتار زيادة… وليس فك الحصار.. ترويض جغرافي.

* عاد الهدوء للسجون وتوقفت الخطوات… ولم يتحرر الأسرى وتفرح الأمهات، وثبت العدد والبوسطة والتفتيش والسياج والقهر والحرمان… ترويض الحرية.

* فشل الاحتلال في إخراج المرابطين أثناء اقتحام الأقصى… ولم يُمنع المستوطنون أصلا من الاقتحام… ترويض تاريخي.

* أفرج الاحتلال عن جثمان شهيد طفل من الثلاجة… ولم نفضح أصلا جريمة الاحتجاز أو نمنع قتلهم له ودمعة أمه أو حتى نفتح تحقيقا في الجريمة… ترويض الكرامة.

* أهالي الداخل المحتل عام 48 يتظاهرون ضد الجريمة المنتشرة بدل أن يتمكنون من وقف العنصرية والتهويد ويتكاتفون .

ماذا بعد؟!

يا لوجعنا وحجم خيبة يشارك فيها قريب وبعيد وبينهم سياسي ساذج.

المصدر : شهاب

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة