رغم الإبادة والتّدمير

أهالي شمال القطاع يُفشلون "مخطط التّهجير" بصمودهم وثباتهم

شهاب - تقرير

في غرفة هي كل ما تبقى من منزله الذي دمرته دبابات الاحتلال في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، يُصر المواطن محمد عسلية (45 عامًا) البقاء مع عائلته حتى لو فقد حياته، وعدم الإذعان لأوامر الإخلاء الإسرائيلية التي تهدف إلى تهجير سكان شمال غزة.

ويقول عسلية لوكالة شهاب للأنباء، إنه لن يترك منزله رغم استمرار العملية العسكرية على مخيم جباليا لليوم الـ 12 على التوالي، وتوالي سقوط القذائف والغارات العشوائية التي تستهدف المخيم، وانعدام كل أسباب الحياة.

ويتابع عسلية، أفضل الموت في بقايا منزلي على الخضوع لأوامر الاحتلال والنزوح إلى جنوب قطاع غزة، مشيرًا إلى أن جنوب القطاع ليست مناطق أكثر أمنًا من شماله، والشاهد على ذلك المجازر الإسرائيلية المتواصلة بحق النازحين الذين حرقوا مؤخرًا داخل خيام في ساحة مستشفى شهداء الأقصى.

ويشير عسلية إلى أن جيرانه اضطروا للنزوح إلى جنوب القطاع بسبب وجود عدد من كبار السن الذين هم بحاجة ماسة إلى العلاج، إلا أن طائرات الاحتلال المسيرة "كواد كابتر" لاحقتهم في شوارع المخيم وأطلقت عليهم النار، ما أدى إلى استشهاد أحد أفراد العائلة الذي مازالت جثته ملقاة وسط الشارع.

ولفت إلى أن، الاحتلال يستخدم أسلوب الضغط العسكري والقصف العشوائي في محاولة لتهجرينا، لكن بعد عام كامل من الصمود وتحمل الصعاب والمشاق واجتياحه المتكررة لمخيم جباليا، لن ندعه ينجح في تنفيذ مخططه.

ولليوم الثاني عشر على التوالي، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليتها العسكرية البريّة في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، مع فرض حصار مشدد على شمال القطاع، ومطالبة المستشفيات الرئيسية الثلاثة فيه بالإخلاء الكامل.

ومنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد أهالي قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين أول 2023، رفض مئات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة الخضوع لأوامر الإخلاء الإسرائيلية وترك منازلهم والنزوح إلى جنوب قطاع غزة، على الرغم من قصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها وفرض حصار مشدد طال كافة مناحي الحياة.

ع جثتي.. مش طالع

محمود دردونة (39 عامًا) رفض هو الآخر المطالبات الإسرائيلية المتكررة لسكان شمال غزة بإخلاء منازلهم والتوجه إلى جنوب القطاع، معلقًا: بعض أفراد عائلتي اضطروا للنزوح منذ بداية الحرب إلى الجنوب لكنهم لم يسلموا من جرائم الاحتلال فاستشهد عدد منهم في قصف استهدف خيام النازحين في مدينة رفح، قبل الاجتياح الإسرائيلي للمدينة.

ويضيف دردونة لـ "شهاب"، رفضت مع زوجتي وعائلتي النزوح منذ عام كامل وتحملنا فوق طاقتنا، وفي نهاية المطاف.. أنقبل بترك أرضنا وبيوتنا والنزوح للجنوب؟، مضيفا "لو على جثتي مش طالع من الشمال، نقطة وسطر جديد".

ويتابع دردونة، هذه القناعة ترسخت لدي خاصة من خلال تواصلي مع أفراد العائلة النازحين في جنوب القطاع، والذين يعانون الأمرين في ظل العيش في الخيام وعدم توفر أدنى مقومات الحياة، وفوق ذلك استمرار المجازر الإسرائيلية بحق النازحين في المدارس والخيام.

وأردف الوالد لثلاثة أطفال أكبرهم في سن العاشرة، الاحتلال خدعنا وخدع العالم كله عندما ادعى أن هناك مناطق آمنة مخصصة للمدنيين، إلا أنه تبين أن هذه المناطق هي أكبر مصيدة أعدها الاحتلال للنازحين، الذين ارتكب بحقهم أبشع المجازر.

وتعد هذه العملية البرية هي الثالثة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جباليا شمال القطاع منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بزعم القضاء على قدرات حركة حماس، إلا أنه وُجِه في العمليات الثلاثة بمقاومة شرسة وتكبد خسائر كبيرة.

ما فشروا نطلع من الشمال

مصعب شوحة (32 عامًا) أصرّ هو الآخر على البقاء في شمال قطاع غزة، رافضًا النزوح إلى جنوب القطاع، قائلًا: بعد ما فقدنا كل شيء نمتلكه، وبعد عام طويل من الحرب نضطر للنزوح؟ ونسلمهم -الاحتلال- المخيم على طبق من ذهب؟، ما فشروا لا هم ولا أمريكا.

ويشير شوحة في حديثه لوكالة شهاب، بأنه اضطر للنزوح إلى مناطق قريبة من مخيم جباليا حتى يتمكن من الرجوع إلى المخيم بعد انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية بسبب حالة زوجته الصحية والتي دخل حملها شهره السابع، لكنه يؤكد بأنه لن يتوجه لجنوب القطاع مهما بلغ الأمر.

ويتابع شوحة، الوالد لطفل، أن الاحتلال كاذب ومجرم، ويوهم الناس بأنه يوفر لهم طرق آمنة للنزوح ومناطق آمنة للعيش في جنوب القطاع، لكنه يستهدف كل شخص يتحرك في شوارع مخيم جباليا بالطائرات المسيرة ورصاص القناصة.

وذكر شوحة بأن بعض أقاربه الذين حاولوا النزوح اضطروا للمرور عبر حاجز إسرائيلي قرب منطقة الإدارة المدنية، وواجهوا مخاطر كبيرة جدًا خلال سيرهم عشرات الكيلو مترات من شمال القطاع عبر شارع صلاح الدين، وقد تعرضوا لإطلاق نار أكثر من مرة.

ولليوم الثاني عشر على التوالي، يتعرض شمال قطاع غزة، وخاصة مخيم جباليا لجرائم الإبادة والحصار الخانق، مع تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليته العسكرية في المخيم، ومنع دخول الغذاء والمياه والدواء للشمال.

ولم تسمح قوات الاحتلال بإدخال المساعدات والغذاء والدواء والمياه لأهالي شمال القطاع، مما يفاقم الأوضاع الإنسانية، وسط استمرار القصف الجوي والمدفعي وعمليات القتل والتدمير في المنطقة.

وينفذ الاحتلال جرائم الإبادة والتطهير العرقي في شمال القطاع، وسط صمت عربي ودولي مريب لا يُحرك ساكنًا لمشاهد قتل الأطفال والنساء، وحرمان عشرات آلاف المواطنين المحاصرين من الطعام والشراب.

خطة الجنرالات

من جانبها، قالت حركة حماس إنَّ ما يحدث اليوم في شمال قطاع غزَّة، وتحديداً في جباليا ومخيمها، هو عملية إبادة جماعية، مكتملة الأركان، يرتكب خلالها جيش الاحتلال الإرهابي المجازر بحق المدنيين، ويقصف البيوت على رؤوس ساكنيها، ويضرب البُنى المدنية من شوارع وأحياء سكنية، ومخابز ومستشفيات وآبار مياه.

وأكدت في بيان صحفي، أن هذه الجرائم والمجازر المتصاعدة في شمال القطاع، تأتي في ظل أنباء وتقارير، تؤكّد بدء حكومة الاحتلال تنفيذ مرحلة جديدة من جريمة الإبادة الجماعية وبعنوان ما يُسمّى (خطة الجنرالات)، لفصل شمال قطاع غزَّة وتهجير سكانه.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة