العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تتميز بأنها "إستراتيجية"، وهذا ليس سرًّا، فالولايات المتحدة الأمريكية تخصص ما يزيد على ثلاثة مليارات دولار سنويًّا لدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، وتوفر لها حماية دولية في المنظومة الدولية تجعلها دولة فوق القانون، فأي انتقاد للسياسة أو للسلوك الإسرائيلي في المنطقة يقف في وجهه الفيتو الأمريكي، وأيضًا ربطت الولايات المتحدة الكثير من الصفقات السياسية والاقتصادية مع العديد من الدول في العالم بتطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، وهناك العديد من الشواهد والدلائل التي تؤكد إستراتيجية العلاقات بين الجانبين.
أولًا: أبعاد التحالف:
الكيان الإسرائيلي يبعد جغرافيًّا عن الولايات المتحدة آلاف الأميال، ولكن عمق العلاقة بين الطرفين يعطي مؤشرًا على أن (إسرائيل) أصبحت الولاية الأمريكية الحادية والخمسين، وهذا يستند إلى عدة أبعاد:
التقاطع الأيديولوجي:
يبلغ تعداد سكان الولايات المتحدة (310) ملايين نسمة تقريبًا، 51.3% بروتستانت، 23.9% كاثوليك، وباقي النسب تتوزع بين عدة ديانات تعبر عن طبيعة التركيبة الاجتماعية للولايات المتحدة الأمريكية التي أصبح يطلق عليها الدولة التجميعية.
الديانة المسيحية تقوم على الإيمان بالكتاب المقدس الذي ينقسم بدوره إلى العهد الجديد (الإنجيل)، والعهد القديم (التوراة)، ومن هنا يأتي التقاطع الأيديولوجي بين المحافظين الجدد (البروتستانت) بالولايات المتحدة والإسرائيليين، علاقة الدين محدد رئيس فيها، ومن يصل إلى درجة من الفهم في هذا المحدد يدرك السبب المباشر الذي يقف أمام تقدم عجلة التطبيع في المنطقة العربية مع (إسرائيل).
المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية:
هناك مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية تعزز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فأمريكا ترى في (إسرائيل) دولة وظيفية تقطّع أوصال الأمة العربية والإسلامية، وتحمي المصالح الإستراتيجية الأمريكية كونها قاعدةً عسكرية متقدمة في منطقة الشرق الأوسط، وإسرائيل تستفيد من تلك المصالح في تعزيز ترسانتها العسكرية، ودفع عجلة اقتصادها، ما يؤهلها للسيطرة مستقبلًا على مقدرات المنطقة، ويجعلها فاعلًا رئيسًا في صياغة الخريطة السياسية، خدمة للمصالح القومية الإسرائيلية.
اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة:
يتحكم اللوبي اليهودي بالولايات المتحدة الأمريكية بالعديد من وسائل الإعلام والشركات الكبرى ورأس المال، وهذا يؤهله لأن يكون لاعبًا في السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة لمصلحة (إسرائيل).
ثانيًا: مواجهة التحالف وآليات التفكيك.
ليس من السهل مواجهة التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) في النظام العالمي الحالي، ولكن هذا لا يمنع أن نؤسس لثقافة قد نرى تأثيرها على المدى المنظور، ببعض الخطوات، منها:
هناك تحولات لا بدَّ من دراستها، والعمل على تعزيزها عبر إستراتيجية متَّفق عليها عربياً وإسلاميًّا، وذلك عبر رصد ما يحصل داخل المكون المجتمعي الأمريكي، وأهم ملامحها:
بيرني ساندرز المرشح لرئاسة الحزب الديمقراطي السابق وفي سابقة تاريخية قاطع مؤتمر أيباك، وحضر المؤتمر السنوي للجمعية الإسلامية لشمال أمريكا، معلنًا معارضته سياسات ترامب ضد المسلمين والفلسطينيين، والسؤال هنا: لماذا لا تفكر منظمة التعاون الإسلامي في بناء خطة تقضي بتوجيه اللوبي المسلم -وعدده يتجاوز ثلاثة ملايين مسلم- لدعم أمثال ساندرز في أي انتخابات قادمة، كما يعمل أيباك في كل انتخابات.
لأول مرة يتم إحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة داخل الكونغرس الأمريكي عبر دعوة وجهت من 11 عضواً من الحزب الديمقراطي وآخر جمهوري.
حجم المسيرات التي خرجت في شوارع الولايات المتحدة خلال معركة سيف القدس.
حجم المقاطعة للأكاديميين الصهاينة في الجامعات الأمريكية من الشباب الأمريكي.
تفعيل وتعزيز دور الجاليات والأقليات المسلمة في الولايات المتحدة لتعرية السياسة الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، والتركيز على كذب الروايات التاريخية الصهيونية بالحق التاريخي في فلسطين والهولوكوست وغيرها.
تبنِّي إستراتيجية إعلامية قادرة على مخاطبة الشعب الأمريكي، لتنقل له جرائم دولة الاحتلال، ودور المساعدات الأمريكية التي تُجبى من دافعي الضرائب في الولايات المتحدة.
حصر الشركات الأمريكية الداعمة للمشروع الصهيوني في فلسطين، والعمل على تعزيز ثقافة المقاطعة الاقتصادية لها، لمصلحة منتجات شركات أمريكية داعمة لفلسطين، وأن تمارس الشعوب العربية والإسلامية ضغطًا على أنظمتهم، لحثهم على سحب الاستثمارات والأموال المكدسة في البنوك الأمريكية.
ترسيخ وعي جمعي قادر على ربط الظلم والاستبداد الذي وقع على الشعوب العربية والإسلامية بالتدخلات الإسرائيلية والأمريكية من طريق حماية النظم الشمولية، الأمر الذي يمثل مؤشرًا مهمًّا على فرملة المشروع الإمبريالي في المنطقة.
توعية الجمهور الأمريكي بكشف الوجه الحقيقي للعنصرية الصهيونية تجاه غير اليهود عن طريق ما جاء بالتلمود والكتب المقدسة الأخرى.
استثمار الحرب الروسية الأوكرانية، والتنافس الصيني الأمريكي، وإرهاصات بناء نظام دولي متعدد الأقطاب، بأن يكون الموقف العربي والإسلامي وأحرار العالم داعمًا لأي طرف يقر بالحقوق الوطنية العربية فيما يتعلق بفلسطين وبقضايا المنطقة.