تمرّ القضية الفلسطينية بمحطات في غاية الأهمية خلال السنوات الأخيرة، فمن التركيز على دعم المقاومة الناشئة في الضفة الغربية المحتلة، ومروراً بتمتين جبهة المقاومة الداخلية عبر الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة والمناورات العسكرية لها، ووصولاً إلى صنع معادلات جديدة مع الاحتلال تجعل من خيارات التفرّد بأي فصيل أصعب من أي وقت مضى.
لقد جاءت مناورة “الركن الشديد 4” التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في الذكرى الـ 18 لاندحار الاحتلال عن قطاع غزة محمّلة بالعديد من الرسائل المهمة على المستوى الفلسطيني الداخلي أولاً، وللاحتلال الصهيوني وللإقليم ثانياً؛ في ظل جملة من المعطيات والمتغيّرات التي تمرّ بها القضية الفلسطينية، مع حكومة يمينية تريد حسم الصراع مع الفلسطينيين، وتمرير مخططاتها تجاه المسجد الأقصى والضفة الغربية والأسرى في سجون الاحتلال.
وقد حملت المناورة العسكرية -التي باتت نهجاً سنوياً لدى المقاومة- عدداً من الرسائل المهمة للجبهة الداخلية الفلسطينية؛ إذ أكّدت للفلسطينيين أنّ خيارهم بمقاومة الاحتلال في أيدٍ أمينة، وأنّ هذا العمل كما كان سبباً في دحر الاحتلال عن قطاع غزة عام 2005، وسيكون قادراً على جعل ثمن الاحتلال في الضفة الغربية كبيراً، وسيدفعه بلا شك للانسحاب منها.
لقد تضمّنت المناورة العسكرية رسالة واضحة للمقاومة في الضفة الغربية المحتلة أنّ الظهير في قطاع غزة يُراكم من قوته ويستعدّ لمعركة كبيرة مع الاحتلال، وعليه فإنّ استمرار المعركة في الضفة وجعل الثمن كبيراً على الاحتلال سيؤدي في النهاية إلى استنزاف الاحتلال واندحاره من الضفة، وموت مشروعه المتطرّف الذي يريد ضمّ الضفة والسيطرة عليها.
ومن خلال الأدوات العسكرية التي أظهرتها المقاومة في مناورتها يمكن التوصّل إلى استنتاج بأن المقاومة تعمل يوماً بعد يوم على تطوير قدراتها وأدائها على المستويات كافة، العسكرية والتكتيكية والعلاقات الداخلية، وأنّ القيادة الموجودة حالياً لدى الفصائل تعي حجم المخاطر والتهديدات التي تمرّ بها القضية الفلسطينية، وهي تجهّز نفسها لأن تكون ندّاً قوياً للاحتلال، وأن تكون قادرة في مرحلة من المراحل على بدء معركة التحرير.
إنَّ قيادة المقاومة تعدّ تمتين الجبهة الداخلية الفلسطينية، وتوحيد الصف العسكري، أحد الأهداف الاستراتيجية التي تمهّد لمرحلة التحرير؛ إذ باتت القناعة لدى جميع الفصائل الفلسطينية أنه لا يمكن التقدّم نحو أي خطوة في مسار التحرير في ظل حالة الخلافات الداخلية، وعليه حملت المناورة الأخيرة التي شاركت فيها جميع الفصائل الفلسطينية رسالة واضحة بمتانة العلاقات الفصائلية الفلسطينية، وأنّ المحاولات الإسرائيلية لبثّ الخلافات بينها باءت وستبوء بالفشل.
وفي الإطار ذاته، حملت المناورة رسالة بأنّ محاولات التفرّد بأيّ فصيل من الفصائل الفلسطينية، وبثّ الخلاف بين الفصائل نتيجة هذه السياسة قد باتت خلف ظهر الفصائل الفلسطينية، وأنَّ الحديث هذه المرة لن يكون عن ردّ فصائلي عبر الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، بل ربما يتعدّى ذلك إلى حرب متعددة الجبهات.
ومن هنا يمكن قراءة المناورة العسكرية في عدد من النقاط المهمّة التي تشرح رسائلها ومضامينها:
-تبعث مناورة “الركن الشديد”، برسائل حاسمة إلى عدة أطراف تؤكّد من خلالها الجاهزية للتصدّي لأي عدوان إسرائيلي محتمل، في ظل معطيات تشير إلى أنّ الاحتلال يلعب بصواعق يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وخاصة ملف القدس المحتلة والمسجد الأقصى، وملف الأسرى في سجون الاحتلال، وبدرجة أخرى أن الاحتلال قد يذهب لخطوة تصدير أزمته الداخلية أو أزمته المتصاعدة في الضفة المحتلة عبر عملية اغتيال في غزة أو في دولة خارجية.
-المناورة تؤشّر على تطوّر في العمل الجماعي للفصائل الفلسطينية، من حيث الاستجابة السريعة والقدرة على المناورة ومواجهة المخاطر الطارئة، وهذا يعني أنّنا أمام مقاومة لا تتوقّف عن تطوير قدراتها وتستعدّ لجميع السيناريوهات التي قد تعتريها.
-تحمل المناورة رسالة طمأنة إلى الشعب الفلسطيني باستعداد المقاومة للدفاع عنه وعن مقدّساته في أي لحظة من اللحظات، وبأنها جاهزة لمواجهة التحديات التي قد تفرضها حكومة الاحتلال المتطرفة والفاشية خلال الفترة المقبلة، وخاصة محاولاتها تصدير أزمتها لساحات خارجية.
-من خلال المناورة ظهرت رسالة واضحة بجدية المقاومة وعملها لإنهاء ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال؛ فهذه المناورة تعطي دلالة واضحة أن الجهود الكبيرة ستكون مُنصبّة خلال الفترة المقبلة لإنهاء ملف الأسرى عبر مبادلتهم بجنود من جيش الاحتلال.
-لعل الرسالة الأهم من المناورة هي رسالة الفصائل الفلسطينية مُجتمعة بأنّ توحيد صفها يُعدُّ أولوية في ظل تجهّزها لحرب متعددة الجبهات، وعلى أقل تقدير تكرار سيناريو معركة “سيف القدس” بشكل أكبر وأكثر تأثيراً، وهذا الأمر يتسق مع اللقاءات التي عقدتها قيادة المقاومة مؤخّراً مع قيادة المقاومة اللبنانية ومحور المقاومة.