كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، تفاصيل عملية هجوم عصابةٍ مسلّحة بحماية ودعم قوات الاحتلال "الإسرائيلي" على قافلة تحمل كمية من الدقيق لقطاع غزة.
وقالت "الغارديان" في تحقيق صحفي، إن " الهجوم وقع في السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر، ويعتبر الأخطر بعد شهور من تصاعد العنف الموجه ضد قوافل المساعدات في غزة، حيث حذر الخبراء من مجاعة وشيكة.
وتقدر الأمم المتحدة أن ثلث أو أكثر من مساعداتها التي تدخل غزة تتعرض للنهب. وقال أحد المسؤولين: "إنها جريمة منظمة على نطاق واسع. إنهم يأخذون الإمدادات التي تدفع ثمنها الدول الأعضاء. إنها نتيجة مروعة أخرى للحرب، ومن العار المطلق أن يُسمح للأمور بأن تسوء إلى هذا الحد".
وقال مسؤولون في مجال المساعدات الإنسانية إن الهجوم على القافلة كان له عواقب وخيمة للغاية.
وقال أحد المسؤولين يوم الأربعاء: "لقد توقف استلام الإمدادات والوقود بشكل كامل. وبالنسبة للوقود فإن الوضع فوضوي للغاية؛ لأنه يعني أننا سنظل على الأرض إلى أن يُصْلَح الوضع".
وفي الأسبوع الماضي تمكنت قافلة صغيرة من جلب ما يكفي لمدة 72 ساعة أخرى. وقال "إن الأمر لا يتعدى مجرد الكفاف. ولا يوجد أي احتياطي على الإطلاق. وإذا نفد الاحتياطي، فسوف تغلق المخابز، وسيجوع مليون ونصف المليون شخص".
وقالت وكالات الأمم المتحدة، إن حالة القانون والنظام تدهورت في مختلف أنحاء غزة منذ بدأت "إسرائيل" استهداف ضباط الشرطة الذين يحرسون قوافل المساعدات هذا العام. فيما تمكن مئات من المجرمين المدانين من الفرار في وقت مبكر من الحرب بعد قصف السجون.
وأوضحت وكالات الإغاثة، أن هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية، وهي الوكالة العسكرية الإسرائيلية التي تتعامل مع المساعدات الإنسانية إلى غزة، رفضت التصرف بشكل فعال ضد اللصوص الذين يزدادون جرأة. وقال مسؤولون إن الجيش الإسرائيلي أكد للأمم المتحدة أن طريق القافلة مؤمن.
وقال أحد المسؤولين في المجال الإنساني: "معظم عمليات النهب المنظمة تجري في منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي. ليس لديهم قوات هناك، لكن طائراتهم المسلحة بدون طيار موجودة في كل مكان".
وقال مسؤول آخر في وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في غزة إنه رأى لصوصًا مسلحين "على مسافة قريبة جداً من دبابة إسرائيلية".
ووقع الهجوم يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر حوالي الساعة 1.30 صباحًا، بعد وقت قصير من تحميل قافلة على الجانب الغزي من معبر كرم أبو سالم من الأراضي الفلسطينية المحتلة في جنوب شرق القطاع. ثم انطلقت القافلة إلى مراكز توزيع تابعة للأمم المتحدة في خان يونس، على بعد 15 كيلومترًا، ودير البلح، على بعد 25 كيلومترًا بالسيارة على طرق متهالكة. وقد دمرت الهجمات الإسرائيلية جميع المستودعات الأقرب، أو أصبحت غير قابلة للوصول إليها منذ أيار/مايو.
وفي18 نوفمبر الجاري، أفادت مصادر في وزارة الداخلية بقطاع غزة، بـ"إيقاع أكثر من 20 قتيلاً من عصابات لصوص شاحنات المساعدات، في عملية أمنية نفذتها الأجهزة الأمنية بالتعاون مع لجان عشائرية".
وحذرت المصادر، في تصريحات صحافية، أنّ العملية الأمنية اليوم لن تكون الأخيرة، وهي بداية عمل أمني موسع تم التخطيط له مطولًا وسيتوسع ليشمل كل من تورط في سرقة شاحنات المساعدات.
وشدّدت على أن الأجهزة الأمنية ستعاقب بيد من حديد كل من تورط في مساعدة عصابات اللصوص.
وجدّدت المصادر تأكيدها على أن الأجهزة الأمنية تفخر بالعشائر الفلسطينية شرق رفح، مشيرًا إلى أن انجرار بعض أفرادها لمخططات السرقة لن يسيء لتاريخ هذه العائلات التي قدمت مئات الشهداء المقاومين.
ولفت إلى أن الأجهزة الأمنية رصدت اتصالات بين عصابات اللصوص وقوات الاحتلال في تغطية أعمالها وتوجيه مهامها ، وتوفير غطاء امني لها من قبل ضباط الشاباك .
وذكر المصدر أنّ الأجهزة الأمنية وضعت الفصائل الفلسطينية في مخطط العملية، وحظيت بمباركة وطنية واسعة.
ويطلق الاحتلال "الإسرائيلي" أيدي عصابات ومجموعات مسلحة خارجة عن القانون في قطاع غزة، لاعتراض قوافل المساعدات والبضائع القادمة من المعابر التي يسيطر عليها، في جريمة ممنهجة، تهدف إلى تعميق أزمة الجوع في القطاع، وخلق حالة من الفوضى والأزمات الاقتصادية والأمنية.
ومهد الاحتلال لانتشار هذه العصابات بالاستهداف الممنهج للعناصر والقيادات الشرطية، والأمنية التي كانت تؤمن طريق المساعدات الواردة من معبر رفح، والمعابر الأخرى، الأمر الذي خلق فراغا أمنيا كبيرا استفادت منه مافيا اعتراض المساعدات، وبدأت تنشط في مناطق تخضع بالكامل لسيطرة قوات الاحتلال.
في هذا السياق، أفادت 29 منظمة دولية غير حكومية بأن جيش الاحتلال يشجع على نهب المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، عن طريق مهاجمته قوات الشرطة الفلسطينية التي تحاول تأمين المساعدات.
وجاء في تقرير مشترك لهذه المنظمات، ومن بينها "أطباء العالم" و"أوكسفام" والمجلس النرويجي للاجئين أن "النهب مشكلة متكررة، نتيجة استهداف "إسرائيل" ما تبقى من قوات الشرطة في غزة، وانعدام الطرق وإغلاق معظم نقاط العبور.
وكان مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، قال في تصريح لـ"عربي21"، إن الحكومة "حاولت منذ اللحظة الأولى معالجة مشكلة عمليات النهب التي تنفذها فئات خارجة عن القانون، ونجحت بشكل نسبي في هذا الأمر، ولكن ما زالت المشكلة قائمة إلى يومنا هذا".
وأكد الثوابتة أن "هذه الفئات تعمل في مساحة جغرافية لا تستطيع الطواقم الشرطية التحرك فيها بسبب خطورة الوضع الأمني الذي يفرضه جيش الاحتلال، وعلاوة على ذلك فإن هذه الفئة الخارجة عن القانون يتحرك عناصرها تحت نظر الاحتلال، ما يساعد في تعزيز سياسة التجويع المتعمد".
ولفت الثوابتة إلى أن الحكومة في غزة تبذل كل الجهود في إطار معالجة المواقف الميدانية مع هذه العصابات الخارجة عن القانون، والكثير منهم قام بتسليم نفسه للأجهزة الحكومية وأعرب عن تراجعه عن هذه السلوكيات، وتعهّدوا بعدم تكرار هذا الأمر.