قامت استراتيجية الكفاح الفلسطيني بعيد النكبة على جعل القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى للبلاد العربية والأمة العربية والإسلامية. وقد نجحت في هدفها هذا لعشرات السنين، وارتبط كل تغيير في أي نظام عربي باتهام السابق بالتعاون مع (إسرائيل) ، وبأن النظام الجديد سيعمل لتحرير فلسطين؟!
وقد ورثت فصائل العمل الوطني والإسلامي هذه الاستراتيجية، وأقامت فكرتها العميقة على أن فلسطين هي قضية الأمة العربية والإسلامية كما هي قضية الفلسطينيين. وعملت جميعها على هذه القاعدة، وبالذات الحركات الإسلامية والجهاد الإسلامي، وما زال الفكر النظري المتداول في صفوف التيار الوطني والإسلامي يقوم على هذه الاستراتيجية حتى تاريخه .
بعد كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وبعد دعم النظام العربي لاتفاقية أوسلو، ثم بعد حروب إسرائيل المتتالية ضد غزة ما بين ٢٠٠٨و ٢٠١٤م، تبين للتيارات الإسلامية والوطنية أن هذه الاستراتيجية معطوبة على المستوى العملي بأشكال مختلفة، حتى وإن بقيت نظريا استراتيجية صحيحة.
بعد نجاح ثورات الربيع العربي في ٢٠١١ م وبالذات في مصر، استعادت هذه الاستراتيجية بعض عافيتها لمدة محدودة، وأذكر أنه لأول مرة في تاريخ القضية يقوم (١٣) وزير خارجية عربي بزيارة غزة في أثناء حرب ٢٠١٢م بعد انتهاء أعمال الجامعة العربية، وبقرار من الجامعة، ورافقهم في الزيارة وزير خارجية تركيا يومذاك أحمد داود أغلو، وكانت الزيارة تحمل مؤشر عودة للاستراتيجية الأولى.
ثم انتكست ثورات الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن، واشتعلت الحرب في العراق وسوريا، ودخلت إلى ميدان القتال في العراق وسوريا واليمن دول إقليمية متصارعة بينها خصومات مذهبية قديمة وتقليدية، وصار التركيز العربي والإسلامي على العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتراجعت فلسطين خطوات إلى الوراء، نعم تراجعت كثيرا.
لم تعد فلسطين القضية المركزية في اهتمام الدول العربية الغنية و الأكثر تأثيرا في المسائل العربية والإقليمية، وحسبنا أن نقول إن هذا هو نتاج طبيعي لاضطراب الأوضاع والصراع في البلاد المذكورة آنفا وتداعياتها في البلاد الأخرى، وهذا إلى حدّ ما صحيح، ولكن الجديد هو ما تحدثت عنه وثائق من مصادر مختلفة حيث كشفت عن دور (إسرائيل) في (استبدال العدو)، وتحالفت مع بلاد عربية في تعزيز استراتيجية( الاستبدال) والتركيز على أن العدو قادم من الشرق ومن الهلال الشيعي.
إن دولا عربية ربما استعانت بالمال من ناحية، و( بإسرائيل) من ناحية أخرى، لإقناع البيت الأبيض بخطر الهلال الشيعي على المنطقة، ولكن أبو حسين أوباما لم يلتفت كثيرا لهذا، وصرح أن الإرهاب في العالم سني فقط، وأن النسخة الوهابية منه تشجع على الإرهاب؟!!، وسارت على الطريق نفسه هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي للبيت الأبيض؟!!. وهذا في نظري موقف كارثي ولكنه خبيث؟! ثم إن مال النظام العربي، وتحالفهم مع نتنياهو جاء بنتيجة معاكسة تماما، وباتوا هم الخاسرين بعد خسارة القضية الفلسطينية لمنزلتها. (أعني خسارة المركز والترتيب في أجندة العرب) ، وربما باتت ( إسرائيل) اليوم ٢٠١٦م في راحة من أمرها، وهي راحة لم تشعر بها من قبل، بعد أن استجار العرب من الرمضاء بالنار؟! . وقديما قالت العرب: ( المتغطي بالغربال عريان؟!).