أ. د. يوسف رزقة

أوقفوا الحروب الداخلية حسبة..

اعتاد الجاهليون قبل الإسلام وقف القتال في الأشهر الحرم. كان وقف القتال بين القبائل في الأشهر الحرم وهي أربعة أشهر، ينمّ عن خلق كريم، واحترام جاهلي لدم الإنسان، وإنسانيته، في هذه الفترة على الأقل بغض النظر عن الأسباب خلفها. ومع ذلك تجد بعض خطبائنا من يجهّل هذه الفترة بشكل فيه مبالغة جديدة، ولا يذكر لأهلها عملًا جيدًا، رغم ما شاع عنهم من كرم وشجاعة ووفاء، ووقف الاقتتال الداخلي في الأشهر الحرم.

بلادنا العربية الآن تعيش عصر الإسلام، وقد تعمقت جامعاتها في تدريس علوم الشريعة، وحياه النبي وسيرته صلى الله عليه وسلم، ولكنك لا تجد عندنا أشهرًا حرمًا، ولا خلافها، إذ يمكنك القتل والغدر في أي وقت من السنة، وفي أي يوم من الشهر، وفي أي ساعة من اليوم.

نحن الآن نشهد اليوم الأول من شهر رمضان في عام ١٤٣٧ للهجرة الموافق لعام ٢٠١٦ للميلاد، ونجد أن القتال في العراق، وفي سوريا، وفي اليمن، وفي ليبيا، يشتد ويتضاعف، وكأن رمضان فرصة جيدة لإغضاب الله والتمرد على تعاليم رسوله الكريم. القتال يشتد فيما ذكرنا من مناطق، ويضرب أيضًا في البقعة في الأردن، وفي الجيزة، وكأن رمضان فرصة مقدسة لإراقة الدماء بغض النظر عن الأسباب.

ما نطمع فيه في هذا المقال، أو قل ما نتّجه إليه من دعوة، هو دعوة تصدر عن المتقاتلين تأمر بوقف إطلاق النار، وإراقة الدماء في شهر رمضان المبارك، أي لمدة (٣٠) يومًا احترامًا لحرمة هذا الشهر الكريم، وتذكرًا لحرمة دم المسلم على المسلم. لاحظ أخي القارئ أنني أدعو لوقف القتال لشهر واحد، بينما كان الجاهلي يوقف القتال لأربعة أشهر من كل عام هي الأشهر الحرم، فكان الرجل يقابل قاتل أبيه فيها فلا يتعرض له بسوء.

شهر رمضان شهر صيام، وطاعة، ومغفرة، وفيه من العلماء من يفتي بالإفطار للجنود ممن هم على الجبهات الساخنة، ولست أناقشهم في هذا الحكم الفقهي، ولكني أدعوهم أن يرفعوا أصواتهم بضرورة وقف إطلاق النار، ووقف القتال في شهر رمضان. وهي دعوة كريمة حين تصدر عن علماء الأمة.

وحسب هذه الدعوة في باب الخير أن يتفرغ القادة والجنود فيها شهرًا كاملًا لمراجعة مواقفهم، وحالة الاقتتال، وآليات الحل، وعلى الأقل عبادة الله في هذا الشهر.

نعم سيقول بعض المتعجلين: إن شهر رمضان شهر الفتوحات والانتصارات، وهم محقون في قولهم تاريخيًا، ولكنني هنا لا أتحدث عن قتال الكافرين، وإنما أتحدث عن اقتتال المسلمين بعضهم مع بعض، أو قل أتحدث عن الحروب الأهلية الداخلية التي أوقدها الحاكم المستبد، أو الخارجي المتشدد، الذي لا يحسن فهم الدين، أو قل الحروب التي أوقدها يهود في البلاد الإسلامية.

ليتنا نستمع في هذا الشهر الكريم شهر تصفيد الشياطين، لرئيس دولة عربية يدعو لوقف القتال الداخلي والحرب الداخلية في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من البلاد في شهر رمضان. فقط في شهر رمضان الكريم، حسبة لله وحده.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة