أ. د. يوسف رزقة

دروس من تونس

أعاد المؤتمر العام العاشر لحركة النهضة التونسية انتخاب (راشد الغنوشي) رئيساً للحركة من جديد. حصل الغنوشي على (٨٠٠) صوت انتخابي، وحصل منافسه الأول رئيس مجلس شورى حركة النهضة على (٢٢٩) صوتًا، وحصل صاحب المرتبة الثالثة على (٢٩) صوتًا، وكان عدد المتنافسين قبل التصويت ثمانية أفراد قبل أن ينسحب بعضهم من السباق، وصحيفة فلسطين تهنئ الغنوشي بثقة إخوانه بقيادته.

درس تونس هذا جيّد، ومفيد، في أمور عديدة منها: أولًا- أخذ حركة النهضة بمبدأ الترشح للمنافسة على منصب رئاسة الحركة، ومن ثم لم يكن جميع أعضاء مجلس الشورى مرشحين تلقائيًا للمنصب. المرشح للمنصب هو من أعلن أنه يجد في نفسه كفاءة له، وقدرة عليه، وبهذا تكون حركة النهضة قد خطت خطوة مهمة في تنظيم عملية الانتخابات الداخلية، حيث فيها بعض التمايز عما يجري في حركات أخرى.

ومنها ثانيًا- أن انتخاب رئيس حركة النهضة كان من المؤتمر العام الذي يتجاوز عدد أعضائه ألفًا، وهذا عدد كافٍ لتمثيل الجميع، جغرافيًا، وفنيًا، وجهويًا، ونقابيًا، وغير ذلك من مكونات حركة النهضة، ولم يقف الأمر عند أفراد مجلس الشورى الذين هم عدد محدود جدًا، ربما لا يتجاوز الخمسين أو المائة.

ومنها ثالثًا- ربما طرح رؤية المرشح، أو قل برنامجه بشكل مسبق قبل الانتخابات، حتى يكون الاختيار مزدوجًا يجمع بين الشخص وبرنامجه، رغم وجود رؤية عامة موحدة لحركة النهضة، ولكن ثمة ضمن هذه الرؤية الواحدة تفاصيل، وأولويات، وتنوعات، وخلاف ذلك، وأحسب أن لطرح راشد الغنوشي لمبدأ الفصل بين ما هو سياسي وما هو دعوي في تصريحاته الأثر الكبير في فوزه فوزًا كاسحًا.

إنه بفوز الغنوشي تكون حركة النهضة قد أقرت دستوريًا فكرة الفصل بين السياسي والدعوي، ومن ثمة فإن النهضة الآن هي حزب مدني سياسي، له مرجعية قيمية إسلامية. وهذا الفصل يتناسب مع ظروف تونس، ويتلاءم مع تجربة النهضة، ويغلق أبواب الكارهين والمفسدين والمحرضين. وقد سرني ترحيب إخوان مصر بالفكرة، واستعدادهم لدراستها، واستخلاص العبر منها.

ويسعدني أكثر أن أقول إن حركة حماس سبقت النهضة في هذا المجال بعشرين سنة تقريبًا، حين أقرت في عام ١٩٩٦م بقياد الدكتور المقادمة إنشاء حزب سياسي في غزة، يعمل في السياسة، دون الدعوة، ويكون حزبًا مدنيًا مفتوحًا أمام أبناء الشعب دون استثناء، ولكن اعتقالات ١٩٩٦م أضرت بالفكرة، ثم أضرت بها جهات أخرى لم تعايش جذورها، ولا أسبابها، فتراجع الحزب السياسي، وظلت حماس تجمع بين الدعوي، والسياسي، والعسكري بشكل أو بآخر، بينما تعيش في بيئة إقليمية ودولية لا تقبل هذا الجمع، وتجعل الجميع في سلة واحدة وتعمل ضدها معًا.

قد تساعد خطوة النهضة الجريئة والعلنية حماس وغيرها من الحركات الإسلامية على التقدم المدروس نحو الأمام، والأخذ بالفصل المفيد بين السياسي والدعوي، حتى لا تقع لاحقًا تحت تأثير الفصل التعسفي الذي قد تفرضه جهات مغرضة، أو أحداث جسيمة. إن الفصل بين السياسي والدعوي ليس إعلانًا عن القطيعة، وتقطيع الرحم بين السياسي والدعوي، بل هو إعلان عن تنظيم عمل يتكامل معًا في النتائج والمخرجات، ويتمايز في الآليات والإجراءات. وهذ لا يعني أن يفتات بعض المنتقدين على الخطوة التونسية حين يصفونها بأنها تفصل الدين عن السياسية، فهذا الزعم مجافٍ للحقيقة الواقعية، فالدين والسياسية يعملان معًا ويتكاملان معًا، ولكن آليات العمل، وإجراءاته، هي مناط ما قامت به النهضة مؤخرًا. والحكمة ضالة المؤمن.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة