توافق اليوم الذكرى السنوية السابعة وعشرين لاغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة مجاهدين من كتائب الشهيد عز الدين القسام بجنين، وهم علان محمد أبو عرة وطارق منصور وعبد الرحيم جرادات، وذلك بتاريخ 19 كانون الثاني/ يناير لعام 1996.
واغتالت قوات الاحتلال القساميين الثلاثة عبر كمين محكم، نصبته لهم أثناء توجههم إلى بلدة الجلمة الواقعة في محافظة جنين شمال الضفة الغربية.
علان أبو عرة
ولد الشهيد علان محمد سعيد أبو عرة عام 1972 في بلدة عقابا الواقعة على البوابة الجنوبية لمدينة جنين، ليكون آخر عنقود إخوانه العشرة، سبعة من الذكور وثلاثة من الإناث، والتحق بمدارس البلدة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية.
غادر أبو عرة مدارس بلدة عقابا في الصف الثالث الإعدادي، ليخفف من وطأة الحياة الصعبة عن والده، ويكون الفاروق اسم المطعم الذي عمل الشهيد على تأسيسه، والذي بقى مزاراً لكل محبيه من شبان المسجد، وأصبح المطعم يجمع كل من يريد الحصول على الغذاء الروحي قبل الجسدي، والذي بقي حتى استشهاد صاحبه.
تربى شهيدنا القسامي في مسجد حمزة بن عبد المطلب "أسد الله وسيد الشهداء" في بلدته، وكان أحد أبرز الأشبال الذين حضروا إليه منذ صغره، ونال من اسم مسجده ولقبه نصيب.
ورغم صغر أبو عرة في الانتفاضة الأولى إلا أنه كان من أنشط المشاركين فيها من بين أقرانه، وقد كان مسؤولاً عن نشاطات أشبال مسجده، الذين أطلق عليهم اسم "براعم الإيمان"، لذلك اقتادته قوات الاحتلال إلى ظلمات سجونها ثلاث مرات.
تعرض للاعتقال في المرة الأولى عام 1992 في سجن جنين المركزي، وعام 1993 في سجن الفارعة، وعام 1994 في سجن مجدو، ليخرج من معتقلات الاحتلال أكثر إصراراً على مواصلة الدرب الذي اختطه لنفسه، رغم انتشار الكثير من أعوان الاحتلال الذين علموا على تتبع آثاره وتسببوا في مداهمة منزله مرات عدة واعتقال إخوانه.
إلا أن سرية الشهيد المطلقة جعلت أقرب المقربين من ذويه، يقف حائراً أمام نشاطاته التي دفعت الاحتلال للقيام بعملية اغتيال مدبرة له ولاثنين من خيرة شباب مساجد جنين.
وعقب استشهاد أبو عرة، انبعثت كرامات له منها خروج رائحة عطرة من كل مكان فور وصول جثمانه إلى بلدة عقابا، وابتسامة عريضة كانت تخرج من بين ثناياه، واحتفظت عائلته بسترته التي كان يلبسها يوم استشهاده، ورائحة العطر تنبعث منها إلى الآن.
وكان وقع استشهاد أبو عرة ورفيقه طارق وعبد الرحيم، قاسياً جداً على شباب حماس في جنين، فقد كانوا مميزين بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد أقيم لهم احتفال تأبين حاشد سالت فيه الدموع وتحشرجت فيه الكلمات.
طارق منصور
ولد الشهيد طارق عبد الرحمن منصور في جنين عام 1973، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارسها، واتسم بعلامات النبوغ منذ صغره، وكان متفوقاً في دراسته طيلة مراحله الدراسية، وكان يستعين به أقرانه ليقوم بشرح الدروس اليومية لهم.
التزم منصور بالمساجد، وسيطرت الفكرة الإسلامية على وجدانه، وأصبح همه الأكبر، وخلع كل أشكال الهوان، وحاول منذ صغره أن يأخذ بيد أمته نحو إسلامها العظيم، لتأخذ دورها في الحياة من جديد، وأخذ من معين الفكر الإخواني، وتربى في أحضان الدعوة.
وتعرض للاعتقال الأول على يد قوات الاحتلال وهو في عمر السابعة عشر عام 1989، ولاقى أقسى أنواع التعذيب في المعتقلات، وقضى في السجن أحد عشر شهراً، وخرج وقد صقلته التجربة وعوده أصبح أقوى، ومضى مرة أخرى في درب دعوته يتحرك يمنة ويسرى.
وجرى تكليفه بأن يكون المسؤول الأول عن الحركة الطلابية الإسلامية على مستوى اللواء، وبدت قدرته على القيادة والتوجيه جلية في الميدان، ولم يعرف المستحيل في سجل دعوته التي كانت تلاقي الصعاب في طريق سيرها، فسخر كل طاقاته الكامنة في خدمة دعوته.
وعاودت سلطات الاحتلال اعتقال منصور عام 1992، وخاض معركة التحقيق التي طالما تمناها ليرى اليهود كم هم صغار أمام جندي من جنود حماس، فقبع في زنازين التحقيق شهرين، ضرب خلالها أروع صور الصمود والتحدي، وخرج مرفوع الرأس كما وعد إخوانه.
وتابع مشواره الجهادي في ظل الانتفاضة المباركة، وقاوم أعداء الأمة بكل ما أوتي من قوة ووسائل، وفي أحد النشاطات الجهادية وقع شهيدنا القسامي مع رفاق له في كمين أعدته لهم قوات الاحتلال، والتي تنكرت في زي مدني، وأمطرتهم بوابل من الرصاص، فأصيب برجله، ولكن بعزيمته القوية انفلت منهم.
ولم يعيقه ذلك عن مواصلة طريق الدعوة والجهاد، وازداد إصراراً على هذا الطريق، وعاود الاحتلال اعتقاله عام 1994 مع إخوانه، وأمضى حكمه في معتقل النقب الصحراوي، وتمضي الأيام وتنجلي عتمة السجن ويعود إلى رحاب مسجده من جديد.
احتار به الاحتلال بسبب الإمكانيات التي يمتلكها هذا الشاب المجاهد، وعاود اعتقاله عام 1996، بسبب شبهات عن انضمامه إلى الجهاز العسكرية لحركة حماس، ولكن كيف يتأكد من هذه المعلومة الموجودة في قلب كبير وأغلق عليها جيداً، وقد حاول سلطات الاحتلال انتزاع اعتراف منه في جولات التحقيق السابقة، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً وأمضى 5 شهور في الاعتقال الإداري.
وخرج منصور من سجون الاحتلال واستعاد نشاطه السري في صفوف كتائب القسام، وفي إحدى الطلعات الجهادية، وقع مع رفيقه أبو عرة وجرادات في كمين أعده جيش الاحتلال، وفي لحظة غدر قام جنود الاحتلال بإمطار السيارة التي كانوا يستقلونها بوابل من الرصاص، وارتقوا شهداء.
عبد الرحيم جرادات
ولد شهيدنا القسامي عام 1974 في أزقة وشوارع جنين، وتنفس عبير مسجده منذ نعومة أظفاره، ونشأ في ظل المساجد منذ أن كان طفلاً صغيراً، وتعلق قلبه في رحاب الله، ولم يستطع مفارقة مسجده الذي كان مجاوراً لبيته، وارتبط مع إخوانه وتربى على موائد القرآن.
كبر جرادات وكبرت في نفسه معاني الإيمان، لتشده إليها شداً لا ينفك إلى يوم الدين، ومع انطلاقة انتفاضة الحجارة عام 1987، سارع الشهيد إلى الانضمام إلى حركة حماس، وكان أحد أعضائها العاملين والناشطين بشكل ملفت للنظر.
وتعرض للاعتقال الأول على يد قوات الاحتلال حينما كان في سن السادسة عشر، وخاض معركة التحقيق بما فيها من قسوة وشدة، وتعرض للضرب بالعصي والشبح المتواصل والمنع من النوم، ولكنه صمد وثبت، وأمضى في سجن مجدو 9 شهور، ليخرج وقد اشتد عوده وكبر.
عاود جرادات نشاطه في حركة حماس، ولم يكف الحديث عن الشهادة وحبه للجهاد والاستشهاد، ولم يمنعه ذلك من أن يكون متفوقاً في دراسته، وكان الأول في صفه دائماً، وحصل على معدل تراكمي في الثانوية العامة يؤهله للدراسة في كلية الهندسة.
وأعادت قوات الاحتلال اعتقاله عام 1992، ودخل معركة التحقيق من جديد، ولم يلقِ للمحققين بالاً، ولم يعطِ لهم حساباً، فكانوا كالتلاميذ الصغار حول القسامي المجاهد، وخرج من التحقيق رافعاً رأسه، ضارباً نموذجاً رائعاً في الصمود والتحدي.
واستمر جرادات في مشواره الجهادي، وجال في ميدان الدعوة، وانضم إلى الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية، وكان أحد أعضاءها البارزين، ونال حب إخوانه لمجرد التعرف عليه، وازداد عطاءه وشوقه للجنة، والتحق بإخوانه في كتائب القسام، وعمل بشكل سري ضمن الجهاز العسكري.
وتوالت طلعات الشهيد الجهادية حتى جاء اليوم المشهود، حينما ارتقى شهيداً بعملية الاغتيال الجبانة التي تعرض لها مع إخوانه أبو عرة ومنصور.
وجاءت عملية الاغتيال الجبانة بعد 13 يوماً فقط من اغتيال المهندس يحيى عياش، وقد قال المقربون من الشهداء إن حالة من الغضب الشديد كانت تبدو على وجوه الشهداء خلال الأيام التي تلت المهندس، ولم يتوقع أحد أن يكونوا هم أيضاً على موعد مع الشهادة.