بعد عام من الإبادة : القطاع الصحى بمكوناته الإنشائية والبشرية على خط النار

مستشفيات غزة خارج الخدمة ومرضاها بدون علاج وأطباءها شهداء وأسرى داخل المعتقلات

تدمير مجمع الشفاء الطبى

تقرير / شهاب

منذ اللحظة الاولى لبدء حرب الإبادة على قطاع غزة ، وضعت حكومة الاحتلال صاحبة التاريخ العريق بالأرهاب المنظم وجرائم الحرب القطاع الصحى بكل مكوناته الإنشائية والبشرية، ضمن الاستهداف المباشر و بنك الاهداف الاسرائيلية التى تقصف على مدار الساعة

وتعمدت "إسرائيل" منذ اليوم  الاول  على منع دخول المساعدات الطبية إلى القطاع، وكذلك منع دخول العديد من الأدوات والتجهيزات الطبية، وتقليص التحويلات الطبية للعلاج من الخارج، مما شكل ضغطا مباشرًا على الطاقة الاستيعابية والإمكانيات العلاجية للمشافى وفرقها الطبية.

وبحسب وزارة الصحة  الفلسطينية يعيش أكثر من مليوني شخص داخل حدود قطاع غزة تقدم الرعاية الصحية الأولية من قبل وزارة الصحة الفلسطينية، بالإضافة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمات غير حكومية وبعض القطاعات الخاصة.

استهداف متعمد

ويستفيد سكان محافظات القطاع من الخدمات الصحية في 35 مستشفى، بمعدل 1.59 مستشفى لكل 100 ألف نسمة، 13 مستشفى منها حكومي و17 مستشفى غير حكومي، ومستشفيان يتبعان لوزارة الداخلية والأمن الوطني، و3 مستشفيات خاصة.

وتتوزع المستشفيات على 5 مناطق، 18 منها داخل غزة، و6 في خان يونس، و5 تقع شمال غزة، و3 في دير البلح ومثلها في رفح،  ويبلغ عدد الأسرة المتاحة فيها (قبل عملية طوفان الأقصى) نحو 3412 سريرا، بمعدل 15.53 سريرا لكل 10 آلاف نسمة، منها 527 في القطاع غير الحكومي، و130 سريرا تديره وزارة الداخلية، و81 سريرا يديره القطاع الخاص.

ويصل إجمالي القوى العاملة في القطاع الصحي بالقطاع إلى 16 ألفا و259، وفقا للبيانات المعلنة من قبل وحدة المعلومات الصحية بوزارة الصحة لعام 2022، كما يوجد في القطاع 824 صيدلية مرخصة خاصة، و3816 صيدليا حاصلا على ترخيص لمزاولة المهنة، بمعدل 17.4 صيدليا لكل 10 آلاف نسمة.

وتشير أرقام التقرير السنوي لوزارة الصحة للعام 2022 إلى أن عدد العاملين بلغ 11 ألفا و165 موظفا بزيادة معدلها 5.4% عن العام 2018.

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" فى تقرير نشرته مايو الماضى فأن إسرائيل جعلت من المستشفيات هدفا رئيسيا لحربها المستمرة على قطاع غزة، موثقة 90 حادثة استهداف منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وذكرت الصحيفة أن 23 من أصل 36 مستشفى في غزة تعرضت لأضرار أو خرجت من الخدمة بشكل كامل ، أن الكثير من الاستهدافات الإسرائيلية لمستشفيات قطاع غزة لم تحظ بتغطية إعلامية تذكر.  

ورصدت الصحيفة بناء على صور أقمار صناعية ومعلومات مؤسسات الإغاثة الدولية والهلال الأحمر الفلسطيني- نمطا إسرائيليا عسكريا ظهر ضد 7 مستشفيات على الأقل يبدأ بحصار المبنى وصولا إلى مداهمته  ، وهذا ما حصل فى مستشفى الشفاء على مرتين متتليتان ، ومستشفى الاندونيسى ومجمع ناصر الطبى ، ومستشفى ابو سوسف النجار ، ومستشفى الصداقة التركي ، أما اشهر ما مورس فى هذا السياق كان اقتحام الاحتلال لمستشفى عبد العزيز الرنتيسى لمرضى السرطان ، ومستشفى النصر الحكومى حيث أجبر الطواقم الطبية على إخلاء المستشفي وترك الأطفال الخدج والمرضى داخلها ليسجل التاريخ أبشع المجازر على مستوى العالم ، حيث وجدت جثث الأطفال على الأسرة بعدة أيام من إخلاء المستشفيات.

جرائم إبادة

وبحسب تحليل أجرته جامعة ييل الأميركية على صعيد الدمار الذي تعرض له القطاع لصور الأقمار الصناعية فأن المجمعات الطبية في غزة تعرضت لأضرار نتيجة القصف الإسرائيلي بالمعدل نفسه تقريبا الذي تعرضت له المباني الأخرى في الشهر الأول من الحرب، لكن خلال الأشهر اللاحقة زادت المستشفيات بمقدار 4 أضعاف الضربات التي تعرضت له المباني الأخرى، وفق دانييل بول الباحثة في جامعة ييل.

ومنذ بداية الحرب تتعمد إسرائيل دفع القطاع الصحي في قطاع غزة إلى الانهيار مع قصف المستشفيات والمستوصفات وحصارها واستهداف الأطباء والحد من دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، كما عُثر على مقابر جماعية في المستشفيات التي حاصرها الاحتلال ونفذ فيها عمليات عسكرية مثل مستشفيي الشفاء وناصر.

وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن المنظومة الصحية هدفاً من أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة، دون الأخذ بأى اعتبار للقوانين الدولية والإنسانية، وفى مقدمها اتفاقية جنيف الرابعة التى تقر بشكل واضح احترام وحماية الأفراد العاملين فى الحقلين الطبى والصحي، وتلك التى تقدم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء فى فترة النفاس، وتحث أطراف النزاع على احترامها وحمايتها فى جميع الأوقات وحماية واحترام نقل الجرحى والمرضى والعجزة.

وتحت وطأه الإجراءات الإسرائيلية، والإجراءات القمعية المتتابعة، واعتقال الطواقم، والقصف الممنهج، أجبرت الطواقم العاملة فى هذه المنشآت على النزوح، وجرى تقليص خدماتها بشكل كبير، مما أدى إلى أنهيار للمنظومة الصحية فى مدينة غزة وشمالها، حيث تشكل هذه المستشفيات العمود ألفقرى للخدمات الصحية، وتخدم أكثر من ثلثى السكان لما تتمتع به من إمكانات فنية متخصصة لا يمكن توفيرها بسهولة فى أماكن أخرى فى قطاع غزة، بسبب توفر الطواقم البشرية المتخصصة والتجهيزات والتقنيات الطبية المتقدمة.

ولا تزال الآنتهاكات الإسرائيلية بحق المنظومة الصحية بمقدراتها وكوادرها متواصلة حيث تضررت عشرات المؤسسات الصحية، ومنذ بداية الحرب فى أكتوبر 2023، تم رصد 1151 شهيدا من العاملين فى القطاع الصحي، تم تدقيق بيانات 986 شهيدا، فى حين أن 165 شهيدا من العاملين فى القطاع الصحى تم رصدهم من الإعلام ولم يتم توثيق بياناتهم الشخصية والمهنية حتى الآن، وبلغ عدد الذكور 706 (72%) شهداء بينما بلغ عدد الإناث 280 (28%) من إجمإلى عدد الشهداء العاملين فى القطاع الصحي، وبخصوص المعتقلين  تم اعتقال ما يزيد عن 5 ألف شخص من قطاع غزة خلال الحرب، بينهم 310 معتقل من الكوادر الصحية، بحسب تصريحات خاصة من مدير المكتب الإعلامى الحكومى فى غزة.

منع متواصل

وتعمدت إسرائيل على منع دخول المساعدات الطبية إلى القطاع، وكذلك منع دخول العديد من الأدوات والتجهيزات الطبية، وتقليص التحويلات الطبية للعلاج من الخارج، مما شكل ضغطا مباشرًا على الطاقة الاستيعابية والإمكانيات العلاجية للمشافى وفرقها الطبية.

من جانبه أوضح إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامى الحكومى فى غزة إن هناك أكثر من 12 ألف جريح بحاجة للسفر للعلاج فى الخارج، و10 آلاف مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة للعلاج، و3 آلاف مريض بأمراض مختلفة يحتاجون للعلاج فى الخارج، فضلا عن  (1,737,524) مصاباً بأمراض معدية نتيجة النزوح، ونحو 72 ألف حالة عدوى التهابات كبد وبائى بسبب النزوح، و350 ألف مريض مزمن فى خطر بسبب منع إدخال الأدوية.

وبحسب المراقبون فى المجال الطبى فبعد يومين فقط من بداية الحرب، خرج مستشفى بيت حانون فى شمال غزة عن الخدمة جراء قصف طائرات الاحتلال المتكرر للمستشفى وتدميره، تلاه أمر من الجيش الإسرائيلى بإخلاء المستشفيات من المرضى والعاملين، وإفراغ المرافق الصحية المختلفة فى مدينة غزة وشمالها، الأمر الذى رفضه العاملون فى القطاع الصحى الذين أصروا على الاستمرار فى تقديم الخدمات الطبية والطارئة.

وأدى استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلى للمراكز والمستشفيات الصحية إلى إخراج 20 مستشفى من أصل 35 مستشفى حكومى وأهلى- حيث تبقى منها 15 فقط يعمل بشكل جزئي، كما خرج  80 مركزاً صحياً من أصل 90 مركز عن الخدمة وتدمير أكثر من 130 سيارة إسعاف.

وبحسب البيانات فإن 46% من المستشفيات العاملة فى قطاع غزة يعمل بشكل جزئي، و40% من المستشفيات لا يعمل، بينما %14 من المستشفيات مدمر بشكل كامل جراء الاعتداء الصهيونى على القطاع الصحي.

وبلغ مجموع طلبات العلاج بالخارج 25,000 طلب، فيما بلغ عدد الذين حصلوا على تنسيق وموافقة بالسفر عدد 6,645، فيما بلغ عدد الذين تمكنوا من السفر خارج القطاع 4,859 جريح ومريض فقط، فضلا عن توقف المعبر عن العمل نتيجة إغلاقه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى منذ تاريخ 7 مايو 2024.

وبحسب وزارة الصحة ألفلسطينية فى غزة، فقد بلغ عدد شهداء سوء التغذية منذ بداية العدوان 38 شهيداً معظمهم من الأطفال، كما تم تسجيل عدد 2,136,026 إصابة بأمراض معدية منذ بداية العدوان.

يشار الى انه و على مدار عام كامل من العدوان المتواصل على قطاع غزة ، اقترف جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازر يومية لم تسلم منها المستشفيات كان أبرزها مجزرة المستشفى المعمدان جرت وقائعها في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وأدت لاستشهاد 500 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال الذين لجؤوا إلى المستشفى المعمداني بعد أن تلقوا تهديدات بقصف المربعات السكنية في محيطه.

وقبل 3 أيام على المجزرة وتحديدا في 14 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق الاحتلال الإسرائيلي قذيفتين على مبنى العيادات الخارجية ومركز تشخيص السرطان بالمستشفى الواقع في مدينة غزة، وفي اليوم الموالي تلقى المستشفى اتصالا من الجانب الإسرائيلي يدعو لإخلائه فورا، رغم ظروف المرضى واللاجئين الذي توافدوا إليه.

ومع أن إدارة المستشفى تلقت تطمينات من كل من مطران الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا التي يتبع لها، إضافة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر والسفارة الأميركية، فإن الاحتلال مضى في طريقه لقصف المستشفى، وشوهدت أشلاء الشهداء متناثرة على أسطح المباني.

مجازر بشعة

اما مجزرة مستشفى كمال عدوان وقعت في 16 ديسمبر/كانون الأول 2023، وخلفت استشهاد وإصابة عشرات المرضى والجرحى والأطقم الطبية والنازحين الذين لجؤوا إلى المستشفى الواقع في منطقة بيت  لاهيا.

وبدأت قوات الاحتلال التحضير لاستهداف مستشفى كمال عدوان في الأيام الأولى من شهر ديسمبر/كانون الأول، إذ فرضت إخراجه عن الخدمة بالقوة، في الوقت الذي كان يؤوي عشرات المرضى، إضافة إلى الطواقم الطبية والإدارية وأكثر من 3 آلاف نازح.

وبعد أيام من الحصار اقتحمت قوات الاحتلال المستشفى، ووفق شهود العيان فقد جرفت الجرافات الإسرائيلية خيام النازحين وهم بداخلها، ودُفن عشرات النازحين والمرضى والجرحى تحت التراب وهم أحياء، مع تسجيل إعدامات ميدانية للحوامل، وإطلاق النار على الطواقم الطبية.

وحسب وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، فقد حول جيش الاحتلال المستشفى إلى ثكنة عسكرية، وتعمّد إذلال الطواقم الطبية والجرحى.

فى حين وقعت مجزرة مستشفى الشفاء في أواخر مارس/آذار 2024، وجرى خلالها إعدام أكثر من 300 فلسطيني من النازحين والطواقم الطبية والموظفين الحكوميين بالمجمع الطبي، إضافة إلى اعتقال نحو ألف آخرين.

فقد هاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي مجمع الشفاء الطبي غربي مدينة غزة فجر يوم 18 مارس/آذار 2024، وتوغل بالآليات لمحاصرته،ومع فجر الأول من أبريل/نيسان انسحب الاحتلال من المستشفى الأكبر في القطاع، تاركا خلفه جثث وأشلاء الشهداء متناثرة في محيطه.

ووفق شهود عيان فقد أطلق جنود الاحتلال النار على المرضى في أسرّتهم وعلى الأطباء الذي رفضوا أوامر المغادرة والتخلي عن مرضاهم، وعثر بعد انسحاب قوات الاحتلال على جثث شهداء مكبلين ، كما كشف الانسحاب عن تخريب واسع في أقسام المبنى الذي دمرت كل الأجهزة والمستلزمات الطبية بداخله، ليصبح خارج الخدمة.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة