الذئاب المنفردة هم شباب في ريعان شبابهم آثروا أن يتصدوا للإرهاب الصهيوني، وينتصروا لدينهم ووطنهم وأعراضهم، في ظل عجز وتخاذل عربي وإسلامي عن نصرة قضيتهم المقدسة، ليكونوا رجال بحجم أمة استطاعوا أن يضربوا الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية في مقتل، فإن المقاومة بكل أشكالها وبكافة أماكن تواجدها في تصاعد مستمر فأصحاب الحق أقوياء دائما، والعدو في تراجع وتفتت وتمزق فقد أظهرت آخر استطلاعات للرأي في "إسرائيل" أن 56% من الشباب في "إسرائيل" يرغبون في الهجرة، وهو ما يثبت فشل العدو في تثبيت نفسه على هذه الأرض، وقرب زواله رغم آلته العسكرية والأمنية الضخمة.
تخيل معي ذلك الشاب الذي يترك الدنيا خلف ظهره، ويقرر أن يضحي بروحه للانتقام من جرائم الاحتلال، فيبدأ بالتخطيط لوحده أو بالتعاون مع مجموعة ضيقة بسرية تامة؛ يبدأ بتحديد مكان العملية وقد يزوره أكثر من مرة، ثم يبحث عن السلاح وقد يشتريه من ماله الخاص، ثم يبحث عن مركبة، ثم يبدأ بالتدريب بأبسط الأدوات ... الخ، حتى تأتي ساعة الصفر فيكتب وصيته ويجهز نفسه للقاء الله ثم ينطلق كذئب منفرد أو قل كأسد هصور يضرب العدو فيوقع منه القتيل والجريح، ويضع دولة كاملة في تخبط ورعب؛ هذه ليست قصة خيالية بل هي قصة رجال لن تجدهم إلا في فلسطين.
اعتمد العدو استراتيجية أمنية ترتكز على مجموعة من السياسات لقمع أي تحرك مقاوم في الضفة الغربية؛ من خلال محاولة هزيمة وردع الفلسطينيين فكرياً والعمل على إقناعهم أنهم لا يستطيعون مواجهة "الدولة العظمى إسرائيل" باستخدام ترسانتهم العسكرية في رفع الثمن الذي يدفعه الفلسطينيين مقابل كل عمل بطولي، واستخدام المنظومة الإعلامية في توجيه خطاب يخدم هذه السياسة، وهو ما يفسر التصريحات المتكررة لقادة العدو (سنعيدكم إلى العصر الحجري) وغيرها من التصريحات، وما يقوم به العدو أيضاً من عمليات تخريب وتدمير بعد كل عمل بطولي، وعمليات العقاب الجماعي، ومعاقبة عائلات منفذين العمليات البطولية، من خلال تدمير بيوتهم واعتقالهم، وغيرها من وسائل العقاب.
ويستخدم العدو سياسات أخرى ضمن استراتيجيته الامنية في الضفة الغربية من أهمها تعزيز تواجده في الضفة من خلال سيطرته الأمنية على المناطق (أ)، (ب) ومن خلال توسيع المستوطنات، والاقتحامات المتكررة للضفة الغربية، والعمل على تفكيك البنية التنظيمية لفصائل المقاومة في الضفة الغربية من خلال جمع المعلومات عن التنظيميات ومحاولة اختراقها، وتنفيذ الاعتقالات والاغتيالات لقياداتها.
شكلت عمليات الذئاب المنفردة صفعة مدوية وفشل ذريع للاستراتيجية الأمنية الصهيونية، وأثبتت فشل مقولة ديفيد بن غوريون (الكبار يموتون، والصغار ينسون)، فهاهم الصغار يكبرون ويخرج منهم رجال يضربون العدو رغم كل وسائل القمع الفكري، والقبضة الأمنية المشددة، والبطش الصهيوني المتكرر.
شهد العام 2023 تصاعد في عمليات الذئاب المنفردة للتصدي لإعتداءات قوات الاحتلال حيث قتل منذ بداية العام 29 مغتصب صهيوني؛ فبعد كل اعتداء للصهاينة يخرج بطل من الابطال لتنفيذ عملية بطولية لينتقم لدماء الشهداء، كان أولها عملية الشهيد خيري علقم (22 عام) في يناير، بعد ساعات من استشهاد 12 فلسطين في القدس وجنين انطلق البطل خيري ليجندل 7 مغتصبين صهاينة في عملية إطلاق نار في كنيس يهودي في القدس، ليكون خير لنا وعلقم للصهاينة.
انطلق البطل عبد الوهاب خلايلة (23 عام) لينفذ عملية طعن ودهس في قلب كيان العدو "تل أبيب"، في اليوم الثاني من العملية الصهيوني على جنين والتي تصدى لها الأبطال في معركة (بأس جنين) في بداية يوليو، حيث أصاب البطل في عمليته ما يزيد عن 7 مغتصبين صهاينة، وبعد انتهاء العملية انطلق البطل أحمد ياسين (19 عام) لتنفيذ عملية بطولية في كدوميم قرب منزل المتطرف الصهيوني سموتريتش الذي يقود حملة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، ليجندل مستوطن صهيوني، وتبنت كتائب القسام العملية لتوصل رسالة إلى سموتريتش (كدنا أن نطرق باب منزلك).
نفذ الشاب كامل أبو بكر من مدينة جنين في 5 أغسطس الجاري، عملية نوعية في "تل أبيب" قتل فيها مغتصب صهيوني، وأصيب آخرين، لتعيد حالة الذعر لدى العدو من تنفيذ العمليات في قلب الكيان وتثبت فشل كل سياساته الأمنية.
الذئاب المنفردة رغم تنفيذها للعمليات بشكل منفرد فإنها تصنع في بيئة تقدس المقاومة المسلحة التي أثبتت نجاعتها في مواجهة الاحتلال، بعد فشل كل المشاريع السياسية السلمية في التعامل مع هذا العدو الغاصب، فقد تزامن تصاعد عمليات الذئاب المنفردة، مع تصاعد بناء وتنظيم العمل المقاوم في الضفة الغربية وظهور العديد من التنظيمات في الضفة التي تتبنى المقاومة المسلحة ضد العدو في جنين ونابلس وغيرها من المدن والقرى في الضفة الغربية، وقد عزز انتصار المقاومة في جنين ومنع العدو من اجتياح المخيم حالة الالتفاف حول مشروع المقاومة المسلحة، وشكلت جنين حالة ملهمة لباقي المدن والقرى في الضفة الغربية.