مرت علينا الذكرى الرابعة عشرة لإتمام صفقة الحرائر بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في 30 سبتمبر 2011، التي تحرر بموجبها 20 أسيرة فلسطينية (19 أسيرة من الضفة الغربية وواحدة من قطاع غزة) مقابل شريط فيديو مدته دقيقة، للجندي الإسرائيلي الأسير لدى المقاومة في حينه جلعاد شاليط، لكن الصفقة كانت انتصارا للمقاومة في غزة، وفي المقابل كانت انكسارا للاحتلال وانحدار هيبته العسكرية، إذ تعد أول الإنجازات الأمنية لتحرير أسيرات فلسطينيات من سجون الإحتلال، بل تعد أكبر الضربات الأمنية التي تلقاها الاحتلال من داخل فلسطين، لكونها أولى الصفقات الكبيرة لتبادل الأسرى مع حركة حماس، حيث أعقبتها صفقة وفاء الأحرار بتحرير أكثر من ألف أسير من سجونه، مقابل جندي واحد في 18 أكتوبر 2011، حين أُجبر على الإذعان لشروط ومطالب المقاومة ونفذها بحذافيرها على مرحلتين، إذ إن كل صفقات تبادل الأسرى عقدت من خارج فلسطين بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال.
فما أغاظ الاحتلال هو فشله أمنيا في الوصول إلى الجندي على مدار سنوات أسره لدى المقاومة، كما أخفق في تخفيف سقف المطالب، وهذا دليل على موقفه الضعيف أمام إصرار المقاومة على شروطها، وصمودها ونجاحها الإعلامي في إدارة الملف بحكمة واقتدار ومسؤولية وطنية عالية، ورفضها آنذاك تقديم أي معلومة عن الجندي الأسير دون أن يدفع الاحتلال الثمن، وبذلك أرغمته المقاومة على الرضوخ لشروطها.
وحسب مراقبين فإن صفقتي الحرائر ووفاء الأحرار تعدان دليلا قاطعا يعكس صلابة وقدرة المفاوض الفلسطيني المقاوم على انتزاع حقوقه المسلوبة، حينما يتسلح بإرادة قوية مبنية على قاعدة المقاومة والمواجهة خيارا إستراتيجيا حتى تحرير بقية الأسرى، الذين يعانون التعذيب، والحرمان من الزيارات والإهمال الطبي، وإقفال المخابز، واقتحام غرفهم ومصادرة مقتنياتهم من قبل إدارة سجون سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي تستعمل أساليبها القمعية والعقاب الجماعي، بهدف ابتزاز الأسرى الفلسطينيين، فتتعامل معهم إدارة سجونها باعتبارهم ليسوا بشرا مناضلين وأصحاب قضية وحقوق وطلاب حرية.
الاحتلال يماطل ويكابر في تنفيذ شروط المقاومة لتكرار صفقة وفاء الأحرار الثانية، فقد أعلنت كتائب القسام سابقا أنها تحتفظ بـ 4 جنود أسرى (إسرائيليين) لديها في قطاع غزة منذ سنوات، وترفض تقديم أي معلومات عنهم دون تدفيع الاحتلال الثمن مقابل ذلك، كما سبق أنها طالبت بتبادل للأسرى المرضى، لكن الاحتلال رفض التجاوب مع هذا المطلب، لأنه لا يعرف للإنسانية طريقا، وأن إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي مستمرة في تصعيد انتهاكاتها بحق الأسرى الفلسطينيين، ولا سيما المرضى منهم، الذين تتجاوز أعدادهم -بحسب مركز فلسطين لدراسات الأسرى- أن ما يزيد على 650 أسيرا في سجون الاحتلال يعانون أمراضا مختلفة، وهم يشكلون ما نسبته 14% من إجمالي عدد الأسرى البالغ 4800 أسير فلسطيني، بينهم 40 امرأة، و200 طفل، وأكثر من 500 معتقل إداري، منهم 160 أسيرا يعانون أمراضا مصنفة خطيرة بما فيها السرطان، والفشل الكلوي، واعتلال القلب، وضمور العضلات وانسداد الشرايين، والسكرى، والضغط، وغيرها من الأمراض التي أدت إلى استشهاد عشرات الأسرى في سجون الاحتلال نتيجة جريمة الإهمال الطبي.
الحقيقة أن معظم الحالات المرضية داخل السجون من صناعة إدارة المعتقلات التي حرمت الأسرى كل أصناف العلاج، وجعلت منهم مشاريع موت، إذ تتعمد سلطات الاحتلال فرض سياسة الإهمال الطبي الممنهج بحقهم وعدم تقديم العلاج المناسب لهم والاقتصار على المسكن “الأكامول”، ما أدى إلى تدهور خطير في صحتهم، وأصبحوا معرضين للموت البطيء أو إنجاز التعبير “شهداء مع وقف التنفيذ ”، كان آخرهم الأسير “وليد دقة” المعتقل منذ 38 عاما، حيث تبين أنه مصاب بمرض السرطان.
موضوع الأسرى الفلسطينيين بالغ الحساسية بالنسبة للفلسطينيين، لكنه بات يمثل ورقة ضغط وابتزاز في يد سلطات الاحتلال -بحسب نادي الأسير الفلسطيني- الذي تؤكد معطياته أن أكثر من مليون فلسطيني تعرضوا للاعتقال منذ عام 1967 لفترات متفاوتة، من بينهم نحو 13000 امرأة، والآن لا يعرف عدد الأسرى الحقيقي، بسبب الاعتقالات اليومية التي تنفذها سلطات الاحتلال، كما لا يعرف مدى الانتهاكات التي تمارسها ضدهم، لمنعها المنظمات الحقوقية والصليب الأحمر من لقاء الأسرى أو السماح لهم بالدخول للكشف عن الحالات المرضية للأسرى، وكان هذا نتيجة الخطأ الفادح الذي ارتكبته منظمة التحرير والسلطة في توقيع اتفاقية أوسلو، لخلوه من أي ذكر لقضية الأسرى، الذي تم إلحاقه ببقية القضايا المؤجلة كالقدس واللاجئين.
ما ينتظره الأسرى في هذه المناسبة العظيمة لتحرير الحرائر من سجون الاحتلال هو تحريرهم على غرار صفقات التبادل السابقة، لذا نصرة قضية الأسرى بالضغط على الإحتلال شعبيا ودوليا لوقف مهزلة استهتاره بحياة الأسرى، والسماح للمرضى بتلقي العلاج والإفراج الفوري عنهم كحالات إنسانية، لذا المطلوب فلسطينيا، الدعوة إلى أوسع حركة تضامن مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، مع تفعيل النشاط بين أحرار العالم والمؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني التي تنادي باحترام حقوق الإنسان، أما على المستوى الدولي، فيجب على المحكمة الجنائية الدولية البدء بفتح تحقيق في الجرائم التي اقترفتها سلطات الإحتلال وما زالت تقترفها بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.